– القول بأن “الدعم السريع” خسر معركته السياسية منذ وقت مبكر، وتحول إلى عصابات إجرامية تمتهن السلب والنهب والترويع، وتنشر الفوضى، أصبح قولاً لا يحتاج إلى أدلة إضافية، ومحاولة الهجوم على عاصمة ولاية الجزيرة، مدينة ود مدني، فجر الجمعة الفائتة هو أوضح دليل على ذلك.
– من الواضح أن ولاية الخرطوم، ضاقت بالفعل على المتمردين، بفعل الضربات المنسقة التي شنتها عليهم القوات المسلحة، والقوات المساندة لها، عبر الطيران الحربي، والعمليات الخاصة، وأن قطاعاً كبيراً من المتمردين اختاروا طريق الهروب نحو الشرق هذه المرة، لكنهم أرادوها طريقاً لنشر الفوضى وممارسة أساليبهم المفضلة في النهب والسلب كما أشرنا.
– الهروب نحو الشرق يحمل أكثر من دلالة، أولها وأهمها في تقديري أن غالبية مَن تمّ تجنيدهم لهذه المهمة هم من أبناء شرق النيل وسهول البطانة ممن لفظتهم مجتمعاتهم، والراجح أن قضيتهم الوحيدة هي البحث عن الغنائم .. يمتطى كل ثلاثة منهم “موتر” ويغيرون كمجموعات على القرى الوادعة في سهل البطانة ليستبدلوا المواتر بالعربات وما تيسر من الزاد والمال، بينما تبقى المجموعات الأكثر تدريباً وتسليحاً في دفة القيادة تبحث عن نصر زائف وتشرف على نشر أكبر قدر من الفوضى والتدمير والترويع.
– الوجهة النهائية لهذه المجموعات الهائمة على وجهها قد لا تكون أية مدينة سودانية، والراجح أنهم يخططون للوصول إلى مدينة حدودية كالقلابات مثلاً لتكون نقطة تجمع ومنطلقاً للإمداد ولنشاط فوضوي قادم يتلقون فيه مختلف انواع الدعم، وفي حال صحّت هذه القراءة، فسيكون التركيز في مسيرة الهروب هذه على الغنائم والتشوين، فهم يدركون أن محاولة السيطرة على أية مدينة رئيسية في شرق السودان سيكون ضرباً من الانتحار.
– يؤسف المرء أن يقول إن العملية برمتها أثبتت هشاشة الوعي الذاتي لدى قطاع واسع من المواطنين، وقدراً كبيراً من القابلية للهزيمة النفسية وتصديق رواية العدو حتى وسط النخب، إذ أن كثيرين جداً من داعمي القوات المسلحة بلغت قلوبهم الحناجر وظنوا بجيشهم الظنون، حتى أن البعض كاد يطالب بقبول شروط المليشيا لوقف الحرب، وهذا لعمري مؤشر خطير ينبغي الإنتباه له، ومعالجة الخلل الذي قاد إليه في أسرع وقت ممكن.
– الخلل الذي كاد يقود للهزيمة النفسية هو في المقام الأول خلل في طريقة إدارة المعركة، فمثل المعركة التي يخوضها شعبنا وجيشه الباسل لا تُدار من جبهة واحدة، وإنما من عدة جبهات متعاضدة، سبق وأن أشرنا إليها وسميناها في أكثر من مقال، وما تهمنا الإشارة إليه هنا هو جبهة الإعلام وما يتصل به من توجيه معنوي يهدف إلى تحصين الرأي العام ضد الإشاعات والأخبار الزائفة التي تنشط فيها غرف العدو، والتحصين المطلوب هو مزيج من الصدق في نقل الوقائع وفضح دعاية العدو والمبادأة في نقل الرواية الصحيحة وتهيئة الرأي العام لما قد يحدث، دون أن يسهم ذلك في كشف نوايا وخطط القوات المسلحة والقوات المساندة لها .. ولا شك أن هذه معادلة بالغة الدقة تحتاج إلى أصحاب اختصاص وممارسة عملية.
– قد يصح القول بأن الطريق أمام النصر الكامل على المليشيا ومناصريها في الداخل والخارج، ما يزال بحاجة إلى استكمال، وأن ذلك يتطلب أن تجري مراجعة خطط إدارة المعركة على مختلف الجبهات بشكل مستمر وتغيير بعضها، لكي يتم سد جميع الثغرات، ما ظهر منها وما بطن، وهو أمر يحتاج إلى إرادة سياسية قبل حاجته إلى تخطيط سليم..
– علينا أن نجدد إيماننا بعدالة قضية شعبنا وهو يخوض معركة بقاء الدولة، وبحتمية انتصاره فيها، وأن نتوكل على واهب النصر بعد أن نستكمل وسعنا من حسن التخطيط والتدبير على كل الجبهات.
العبيد أحمد مروح