بدأت الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة بـ”الضغط” على إسرائيل، بهدف الانتقال إلى مرحلة أقل حدة من الحرب التي تشنها ضد حركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة، حيث طالب الرئيس الأميركي، جو بايدن، إسرائيل، بـ”التركيز على كيفية إنقاذ أرواح المدنيين”.
كما ناقش مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، مع المسؤولين الإسرائيليين، الابتعاد عن عمليات عسكرية “عالية الشدة” في قطاع غزة، وتخفيف حدتها، وفق بيان للبيت الأبيض، الخميس.
وتناولت صحيفة “نيويورك تايمز”، الجمعة، “الأوراق” التي تمتلكها واشنطن ويمكن استخدامها للضغط على إسرائيل، من أجل الالتزام بتلك المطالب، في ظل ضغط دولي متزايد، كان في أوضح صوره حينما وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يقضي بوقف إطلاق النار في غزة، ولم يعترض عليه سوى 10 دول فقط.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة كاليفورنيا، دوف واكسمان، قوله: “رأينا تحولا من الضغط الذي تمارسه الإدارة (الأميركية) من خلف الكواليس، إلى ما تمارسه حاليا.. المزيد من المناشدات العلنية والتسريبات”، وأضاف: “من الواضح أن صبر الإدارة الأميركية بدأ في النفاد”.
وأشارت “نيويورك تايمز”، إلى أن الولايات المتحدة تمتلك “عدة استراتيجيات” يمكن الضغط من خلالها لإقناع إسرائيل بتغيير أسلوبها في الحرب، لكنها أوضحت أن تلك الاستراتيجيات سيكون لها “تكلفة دبلوماسية وسياسية” على الرئيس بايدن.
تتمثل إحدى طرق الضغط في “فرض شروط على الأموال التي يتم منحها إلى إسرائيل”، وفق الصحيفة، حيث تتلقى إسرائيل بموجب اتفاق أمني يعود لفترة حكم باراك أوباما، حوالي 3.8 مليار دولار من الولايات المتحدة سنويا، وهو المبلغ الذي يعادل نحو 15 بالمئة من ميزانية الدفاع في إسرائيل.
ويجب أن توافق وزارة الخارجية الأميركية حينما يتعلق الأمر باستخدام إسرائيل لتلك الأموال في شراء كميات ضخمة من الأسلحة أو الذخيرة، لذلك يمكن للإدارة إيجاد طرق لمنع أو إبطاء عملية وصول الأسلحة إلى إسرائيل، بحسب الصحيفة.
كما أن أغلب مبيعات الأسلحة الأميركية تكون مقيدة بشروط واشنطن، فعلى سبيل المثال، مُنعت أوكرانيا من إطلاق صواريخ أميركية الصنع على الأراضي الروسية. وبالتالي، بحسب نيويورك تايمز، يمكن لبايدن استخدام نفس النهج ومنع استخدام القنابل الأميركية في المناطق السكنية المكتظة بالسكان في قطاع غزة.
لكن مثل تلك الخطوات قد تضع بايدن في مواجهة وخلاف مع مجموعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، التي كانت داعمة لبايدن على مدار سنوات.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول بارز في الإدارة الأميركية، قوله إن “ربط المساعدات الأميركية بشروط معينة، ليس جزءا من الاستراتيجية الحالية لواشنطن”.
وقالت “نيويورك تايمز”، إن “إسرائيل تحتاج الولايات المتحدة دائما لدعمها في إعادة إمداد قواتها (بالأسلحة والذخيرة)، بجانب صناعة درع حماية ضد الضغط الدولي الذي يمكن أن يمارس عليها، على غرار ما تواجهه في الأمم المتحدة”.
واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) بمجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، لمنع صدور قرار يدعو لوقف إطلاق نار فوري في غزة. وتشير الصحيفة، إلى أن الولايات المتحدة “بإمكانها أن تقرر عدم استخدام (الفيتو)”.
كما أن بايدن يمكنه وضع “ضغط سياسي” على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، وذلك في ظل دعوة الرئيس الأميركي المتواصلة لضرورة العمل على الوصول إلى حل الدولتين.
وقال واكسمان لنيويورك تايمز: “من الواضح أنه (بايدن) بإمكانه تصعيب الأمور على نتانياهو محليا وداخل حكومته، عبر كونه أكثر وضوحا وصراحة” فيما يتعلق بالانتقادات، لكنه أضاف: “لا أعتقد أن بايدن يرغب في مواجهة علنية مع نتانياهو”.
وكان بايدن قد حذر إسرائيل، الثلاثاء، من أنها بصدد خسارة الدعم العالمي لحربها ضد حركة حماس، بسبب قصفها “العشوائي” لقطاع غزة.
وفي أشد انتقاد يوجهه لرئيس الحكومة الإسرائيلية، منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر، قال بايدن خلال تجمع انتخابي في واشنطن إنه ينبغي على نتانياهو “تغيير” موقفه بشأن حل الدولتين، داعيا إياه إلى تغيير حكومته المتشددة.
من جانبه، أقر نتانياهو بوجود “خلاف” مع بايدن بشأن الطريقة التي ينبغي أن يحُكم بها قطاع غزة بعد انتهاء الحرب الراهنة.
ذكر تقرير نيويورك تايمز، أن استراتيجية بايدن طالما كانت إظهار الدعم الكامل لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكنه كان يوجه انتقادات “بشكل سري”.
وقال مسؤولون أميركيون، إن الرئيس ومستشاريه اعتمدوا على “دبلوماسية الأبواب المغلقة” لتشجيع الإسرائيليين على إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وإعادة الاتصالات، والعمل على مفاوضات إطلاق سراح الرهائن، وتقليل عدد القتلى المدنيين خلال العملية العسكرية.
كما أشارت الصحيفة إلى أن قرار إسرائيل فتح معبر كرم أبو سالم البري مع قطاع غزة لإدخال المساعدات الإنسانية، كان أكبر اتفاق يتم التوصل إليه من خلال الدبلوماسية المكثفة.
لكن تلك الاستراتيجية “لا تعمل دائمًا”، بحسب واكسمان، الذي قال إنه فيما يتعلق بأعمال الحرب نفسها “يبدو أن لديهم نفوذ أقل”، في إشارة إلى واشنطن.
وأعلنت إسرائيل، الجمعة، أنها ستسمح بمرور أول شحنة مساعدات عبر معبر كرم أبو سالم إلى غزة، في خطوة لاقت ترحيب البيت الأبيض.
وستساعد الخطوة إسرائيل في الحفاظ على التزاماتها بالسماح بدخول 200 شاحنة مساعدات يوميا، وهو ما تم الاتفاق عليه في صفقة الرهائن التي جرى التوصل إليها وتنفيذها الشهر الماضي، بحسب بيان لمكتب رئاسة الوزراء.
وتعليقا على الخطوة، قال سوليفان في بيان بعد زيارة لإسرائيل، إن الولايات المتحدة “ترحب” بقرار إسرائيل فتح معبر كرم أبو سالم مع غزة أمام المساعدات الإنسانية.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، قد نقلت عن مسؤولين أميركيين، الجمعة، أن سوليفان “حث القادة الإسرائيليين على التحول من الاعتماد على الغارات الجوية والهجمات البرية في غزة، إلى العمليات العسكرية ذات الاهداف المحددة”، وحذر من أن الصراع الذي طال أمده “سيجعل من الصعب حكم الأراضي الفلسطينية بعد الحرب”.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز”، في تقرير منفصل، عن 4 مسؤولين أميركيين لم تكشف عن هويتهم، قولهم إن “بايدن يريد أن تتحول إسرائيل إلى تكتيكات أكثر دقة في غضون 3 أسابيع تقريبا”.
وقد أوضح المسؤولون الأميركيون هذا الجدول الزمني لنظرائهم الإسرائيليين في الأيام الأخيرة، وهي الخطوة الأخيرة ضمن “خطوات تدريجية” من جانب الإدارة، للإعلان عن أن الصبر الأميركي تجاه الوفيات بين المدنيين على نطاق واسع “بدأ ينفد”، حسب الصحيفة.
وفي السابع من أكتوبر الماضي، شنت حماس (المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى) هجوما على إسرائيل قتل فيه 1200 شخص، غالبيتهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال. واقتادت نحو 240 رهينة إلى قطاع غزة، وفق السلطات الإسرائيلية.
ومنذ ذلك الحين، تنفذ إسرائيل هجوما جويا وبريا على القطاع راح ضحيته أكثر من 18 ألف شخص، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وفق وزارة الصحة في القطاع.
الحرة