تحاملت على نفسي حتى أستمع إلى خطاب البرهان الأخير في الشمالية للنهاية، ولحسن الحظ لم يكن جهدي هباءا منثورا، دخلت في حالة ايجابية، هذه المرة إذ فيه ما هو جديد ومشجع، واسأل الله ان تدوم لي هذه الحالة.
منذ فترة وأنا أتحدث عن رأيي في البرهان بوضوح و “بدون نفاق”، ولم يكن حديثا عاطفيا ولا انطباعيا، إنما بسبب غياب قرارات مهمة لعافية الدولة ولإقامة العدل الذي بدونه تحل اللعنة ومحق التوفيق عليه وعلى الحكومة وعلى الشعب نفسه إذا صمت عن النصح الواضح، ومن ضمن القضايا المهمة عدم انصياع الحكومة لقرار المحكمة العليا (نعم حكم نهائي من المحكمة العليا) في إعادة ضباط شرطة تم فصلهم بخطاب “ملعوب” و “ملعون” في عهد طغيان وتغلغل حميدتي والعملاء الذين يعملون لصالحه في أحشاء الدولة والقصر الجمهوري والأحزاب السياسية. رفض البرهان لتنفيذ الحكم يثير الشكوك والشبهات أننا لازلنا تحت سيطرة عملاء المليشيا الإجرامية الإستيطانية وأسيادهم في الخارج، وأنهم لا يزالون متغلغلين في الحكومة، ومسئولية البرهان أمام الله وأمام التاريخ والشعب السوداني هي بترهم وقمعهم بإنفاذ حكم المحكمة، والتحقيق حول “الخطاب الملعوب”، وفضحهم وتعريتهم، وهو لم يقم بهذا حتى تاريخ كتابة هذه السطور. أيضا مأساة الخارجية والقرارات المتأخرة .. والمهازل المستمرة .. وكأن هنالك رغبة من داخل الحكومة لاضعاف موقف السودان، والحديث يطول، ولأنني انتميت مؤقتا للعمل الدبلوماسي وحوش الخارجية أجزم يقينا بأن ما يحدث متعمد وخبيث و “دسيس”!
المهم هذه أسباب من أسباب ستة أخرى موضوعية ليست انطباعية توصلت إليها بعد سهر وتفكير وإرهاق وصداع حاد من أداء الرجل إزاء القضايا الستة، ولا يقبل عقلي تبديل الخلاصات الموضوعية البتة.
صرت لا أستمع ولا يدخل عقلي أي وعد وتبشير، ولكنني بصراحة أجد فيما قاله في آخر خطاب في الشمالية تصريحات جديدة تدل على أن البرهان يعيش حاليا في أجواء متعافية من الكوزومينيا والكوزوفوبيا، والرجاء قراءة مقالي حول هذه الأمراض.
وللأسف تعني الكوزومينيا التواطؤ مع أعداء السودان، حتى ولو كان المصاب في الصف الاول للتفاوض أو المواجهة.
نعم .. حتى في جيش العسرة كان هنالك منافقين خططوا لاغتيال الرسول الكريم وفشلوا وارجعوا لتفسير قوله تعالى: (وهموا بما لم ينالوا) وعليه من يدعي جراحات وتضحيات وهو مؤيد للجنجويد وينشر الكوزومينيا فهو معهم .. مهما ادعى من بطولات وتضحيات.
حديث البرهان الذي وضع النقاط فوق الحروف أن أي تصوير للمعركة أنها ضد الكيزان مجرد أكذوبة واستخفاف بدماء وعقول السودانيين، وحديث البرهان أقرب لحديث الدكتور محمد جلال هاشم، أنها حرب من الجنجويد ضد الدولة السودانية كاملة بجيشها وشرطتها وخدمتها المدنية ومجتمعاتها وشعبها، كيزان، أحزاب، مستقلين، طوال قصار، صغار كبار، هي حرب إحلال وإبدال، لا تستثني حتى عملاء الجنجويد سواء كانوا مغفلين أو مرتشين!
البرهان كان في فترة سابقة اعتذاريا .. وقد صدمنا من قبل بالتطوع بالنفي المتكرر لوجود كيزان في صف الجيش، وهذا يعني أنه كان يسترضي طرفا ما ويظن أن هذه هي مشكلته الحقيقية، وهذا غير صحيح، الدولة التي تسوق لهذه الأكذوبة تسمح للمليشيا بالاعتماد على الكيزان والاسلاميين بينما تمارس الابتزاز و”لي الذراع’ على البرهان والقيادة بذات الأمر، لأنهم يرغبون في تقييد خيارات البرهان والقيادة، وتضييق مجال استيعابه لمن حولهم ولمن بمقدورهم تحسين أداء الدولة، وبذلك يتم فرض القحاتة عليه مجددا.
لقد كان – ولا يزال – الغرض تمرير المخطط الإجرامي الاستيطاني بالكوزوفوبيا والكوزومينيا.
إذن، من يحاول طمس هذه الحقيقة فهو “جنجويد سياسي” مع سبق الإصرار والترصد، حتى لو كان في الدولة، حتى لو كان في الخارجية، حتى لو كان في وزارة العدل أو مكتب النائب العام، حتى ولو كان في وفد التفاوض. حتى ولو كان من الإثنيات التي ذبحها الجنجويد واغتصبوا نسائها، نعم، كل من يحاول تصوير المعركة أنها ضد الكيزان فهو “جنجويد سياسي” ويجب أن يدخل فورا ودون تردد في الإيقاف المشدد، ثم تفحص حالته هل هي “أوهام عظمة” و “فلسفة فارغة” تستلزم احالته للمعاش أم أنه عميل كامل الدسم وجزء من المخطط، فيحاكم على ذلك.
حديث البرهان الأخير، كان واضحا ومنحازا للتوصيف الحقيقي للمعركة وقد قاله من قبل دون وضع النقاط فوق الحروف، ولكن كان مع رسائل اخرى متناقضة ومشوشة، على شاكلة ليس لدينا ظهير سياسي وغير ذلك مما لا يشكل لأعداء السودان أي أهمية أساسا، ولن يغير موقفهم ضد السودان، هذه المرة قالها البرهان وحدد المعركة بالنقاط فوق الحروف وبالتشكيل، وبنبرة صادقة، فيها الكثير من الألم والحسرة على حدث السودان والسودانيين.
الآن بدأت نظرتي تتغير ولكنني أنتظر القرارات المطلوبة.
مكي المغربي