حميدتي في لقاءه مع الجزيرة في أول يوم للحرب كان يتكلم عن البرهان شخصياً؛ عن القبض عليه أو قتله وتسليم السلطة لحكومة مدنية بموجب الاتفاق الإطاري.
قال سيطرنا على مطار مروي والخرطوم وبورتسودان والأبيض والفاشر، وحيدنا الطيران واستسلم لنا أعداد كبيرة من الجيش بدباباتهم.
كان ذلك انقلاباً ولم تكن دعاية الفلول والحرب ضد الفلول قد بدأت. الهدف كان البرهان وقيادة الجيش؛ إنقلاب داخل إطار ثورة ديسمبر والاتفاق الإطاري. فكرة حرب طويلة وحرب في دارفور بالذات لم تكن واردة.
من المهم العودة والاستماع إلى هذا الحوار مرة أخرى بعد سبعة أشهر من الحرب (الرابط في التعليقات)؛ لأنه يوضح لك تصورات حميدتي في تلك اللحظات عن خطة الانقلاب؛ الاستيلاء على كل المطارات المطارات وتحييد الطيران (من المطارات الي ذكرها تحديداً بورتسودان، مروي،الأبيض والفاشر، لاحظ حتى الآن لا يسيطر على أي منها). وذكر كذلك تصوره عن استسلام الجيش وتسليمه للدعم السريع بأسلحته ودباباته، وذكر أنهم استلموا كل المرافق وسيحافظون عليها بما في ذلك مرافق الجيش التي سيعيدون تسليمها له بعد إزاحة قيادته ممثله في البرهان ومن معه، وكذلك المرافق المدنية وأموال وأعراض المواطنين ذكر ذلك بالحرف بأنهم سيحافظون عليها ويحموها. تصور متكامل لشخص يقود انقلاباً وليس مجرد شخص يدافع عن نفسه ضد هجوم في معسكر واحد من قبل طرف ثالث كما حاولوا الترويج بعد ذلك هم وشركاءهم.
أحلام حميدتي التي كان يتكلم عنها في اليوم الأول كلها فشلت وتحطمت. لا الطيران تم تحييده ولا المطارات تمت السيطرة عليها، ولا الجيش استسلم ولا قيادته تم النيل منها أو عزلها. حميدتي الذي كان يتكلم كرجل دولة يعبر عن إرادة الشعب السوداني والثورة أصبح عبارة عن شخص ينتمي لأسرة آل دقلو، والدعم السريع الذي كان قوة نظامية موازية للجيش تحول إلى مليشيات في أحسن الفروض تعبر عن مجموعات قبلية معينة في دارفور، ولكنها في الواقع تضم أجانب ومرتزقة من عدة دول؛ مليشيات متورطة في جرائم قتل جماعي على أسس عنصرية ونهب وتدمير وتخريب واغتصابات وانتهاكات أخرى متنوعة في الفظاعة مثل دفن الناس وهم أحياء وسبي النساء واستعبادهن جنسياً وبيعن في الأسواق إلى القنل العشوائي لأتفه الأسباب وغير ذلك.
بعد حصار استمر لعدة أشهر، خرج البرهان وعاد ليباشر مهامه رئيساً للسودان معترف به من كل العالم، بينما حميدتي لا يُعترف بوجوده حتى على قيد الحياة، ناهيك عن شرعيته السياسية. هو الآن مجرد رجل ميت يحاول أن يقنع الناس بأنه حي وموجود. فشلت المليشيا كلياً في معركة الخرطوم مثلما فشلت سياسياً فذهبت إلى دارفور. عبدالرحيم دقلو شقيق حميدتي الذي كان يهدد بالقبض على البرهان في البدروم هرب إلى دارفور، إلى حيث حدود القبيلة حجمه وموقعه الطبيعي الذي لن يتعداه أبداً. أي لن تخرج مليشيا الدعم السريع من الإطار الذي انكفأت إليه في دارفور حيث تمت إعادة تأطيرها قبلياً.
في المقابل وفي نفس السياق نشأ وبشكل تلقائي اصطفاف قبلي مضاد ممثل في الحركات المسلحة ولكنه يتحالف مع الجيش وينحاز إلى الدولة ويطرح نفسه في أفق وطني قومي مهما كانت محركاته على المستوى الاجتماعي في دارفور. الدعم السريع في دارفور ليس سوى جنجويد ارتبط اسمهم بالنسبة لأهل دارفور وللعالم الخارجي بالجرائم والانتهاكات، هو ليس مدافع عن الديمقراطية ولا أي شعار من تلك الشعارات هو مجرد جنجويدي في صراع وجودي على الأرض والموارد والسلطة مع المكونات الاجتماعية الأخرى في دارفور. هذه هي حدود مليشيات الدعم السريع الآن.
يقابلها في الطرف الآخر دولة وجيش وشعب كامل. طرف انتصر سلفاً في هذه الحرب بعد فشل انقلاب حميدتي في يومه الأول، ثم انتصر بصمود الجيش وتلقيه للصدمة واستعادة زمام المبادرة بحيث أصبحت معركة العاصمة وهي المعركة الأساسية في حكم المحسومة لصالح الجيش مع انتقال العاصمة ومعها مركز ثقل الدولة السياسي إلى بورتسودان حيث تمارس الحكومة مهمامها. صحيح ما تزال هناك مشاكل وتحديات سياسية وعسكرية واقتصادية وغيرها ولكنها تحديات يواجهها شعب يمتلك دولة ويمتلك جيش ويستطيع مواجهتها وحلها والمضي للأمام. نحن نستطيع أن نتكلم عن خيارات سياسية وتشكيل حكومة وعن تغييرات في الجيش في قيادته وفي طريقة عمله وحتى تغييرات على مستوى أعلى القمة. هذه دولة مكتملة مؤسسة جيش موجودة وقائمه تعاني نعم ولكنها لم تُهزم بل انتصرت وتستطيع أن تمضي للأمام رغم كل التحديات. ولكن ما هو الدعم السريع وما وضعه السياسي والعسكري وما مستقبله وما هي إمكامنياته؟ إنه يراهن على هزيمة شعب كامل وهو عبارة عن مليشيا مجرمة تلاحقها الاتهامات داخلياً وخارجياً ولها ألف عدو حتى في دارفور نفسها.
نحن انتصرنا منذ أن ضحى عشرات الشهداء بأرواحهم ليفشلوا انقلاب حميدتي في يومه الأول.
حليم عباس