🔴 لا يُعقل أن يكون البرهان هو الفرضية الوحيدة لتفسير كل ما يجري في هذه الحرب

أتصور أن أصغر ضابط في أي فرقة أو حامية عسكرية يمتلك تقديرات عن قوة الموقع وعن قوة وإمكانيات العدو وظروف المعركة؛ وبالتالي حسابات واضحة عن مدى صمود الموقع. هل سيصمد لمدة ستة أشهر؟ شهر؟ أسبوع؟

يعني ما ممكن يكون عندك موقع عسكري في قلب مناطق نفوذ العدو بدون إمداد وتتوقع أنه سوف يصمد إلى ما لانهاية. هناك معطيات واقعية لا علاقة لها بمن يقود الجيش.

لا يُعقل أن يكون البرهان هو الفرضية الوحيدة لتفسير كل ما يجري في هذه الحرب. هذا إلغاء للواقع بكل تعقيداته واختزاله في شخص؛ وقد يكون بدافع الهروب من مواجهة تعقيدات هذا الواقع. شماعة سهلة اسمها البرهان هي سبب كل شيء. بالنسبة لدارفور بالذات الوضع أعقد من البرهان. فإذا تكلمنا عن الإمداد أو عن العنصر البشري والعوامل الاجتماعية فهذه مشاكل لا يمكن اختزالها في البرهان ولا حتى كل قيادة الجيش.

أنت تحارب جيش موازي بدأ حربه من قلب الدولة، من الخرطوم. وسيطر بالفعل على القصر الجمهوري وكاد أن يسقط البلد كلها. كانت موجة أولى قوية عاتية تحطمت على صلابة وصمود الجيش، ومثل أي موجة تتكسر ستكون لها ارتدادات. الجيش الذي حاول السيطرة على السودان في صبيحة 15 أبريل كان قادراً على السيطرة على كل ولايات الغرب في ساعات. ولكن في البداية كان هدفه في الخرطوم ومروي. هذا ليس جيشاً غازياً، بل جيش موازي موجود في صميم الدولة ومؤسساتها، بل يكاد يكون دولة قائمة بذاتها داخل الدولة، بعلاقات سياسية داخلية وخارجية عمل على تكوينها في سنوات، وبدعم شعبي كذلك داخلي في السودان ودعم شعبي من خارج السودان بجنود ومقاتلين مرتزقة بالمال أو مقاتلين بقناعة بدوافع قبلية. يعني خطوط إمداد المليشيا ممتدة من دارفور إلى تشاد إلى ليبيا إلى النيجر. هذا بالإضافة إلى الدعم المادي الخارجي بالسلاح والعتاد.

رغم ذلك لقد تحطم هدف المليشيا العسكري الأساسي وكل يوم تبتعد عنه أكثر ويتقدم الجيش عسكرياً وسياسياً. هذه المليشيا في اليوم الأول كانت تحاصر القيادة والقائد العام وتتكلم عن تسليم السلطة للمدنيين. بينما كانت دول مثل كينيا وأثيوبيا تتكلم عن عدم وجود سلطة شرعية وعن تدخل قوات أجنبية في السودان. المليشيا كانت تدعي السيطرة على القيادة العامة وعلى 95% من الخرطوم. في ذلك الوقت لم يكن من الواضح إذا كان الجيش سيصمد أساساً وهل هناك قوات كافية؟ هل سيحدث انقلاب في الجيش لمصلحة حميدتي؟ هل سينشق الجيش وينهار؟ وغيرها من المخاوف. الآن أصبحنا نتكلم عن عدم إطلاق يد الجيش وعن انسحابه من هنا أو هناك. ولكن عندنا جيش وعندنا دولة، والدعم السريع مجرد مليشيات لا تجيد سوى النهب والتخريب، ولا تملك أي فرصة لهزيمة الدولة.

حليم عباس

Exit mobile version