جارك القريب .. ولا ود أمك البعيد

جارك القريب .. ولا ود أمك البعيد …
الخال الحنين …
التساكن الجغرافي أقوى من الأنساب البعيدة.
وفي أمثالنا ، جارك القريب ولا ود أمك البعيد.
قبائل العرب عموما إما عدنانية أو قحطانية.
وعدنان هو الجد رقم (20) لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي دارفور وعموم السودان قبائل عدنانية وأخرى قحطانية جمع بينها الجوار الجغرافي وجمعتها المصاهرات مع القبائل الأفريقية وجميعهم أفارقة عربهم وعجمهم.
قبيلة البني حسين مثلا عدنانية النسب تنتسب إلى الحسين بن علي بن أبي طالب وبجوارهم القمر هاشميون ينتسبون إلى العباس بن عبد المطلب بن هاشم.
قبيلة خزام من المكونات الهامة في قوات الدعم السريع وتداخلها الجغرافي جعل أقدارها ومصيرها مرتبط لحد كبير بقبائل جهينة القحطانية ، ولكن خزام نفسها قرشية تنتسب إلى الصحابي سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه.
الأسرة الحاكمة في سلطنة دار مساليت خزامية فهلا تذكرت القبائل القاعدة التي أرساها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبن أخت القوم منهم ؟!
هذه قاعدة ذهبية تبرد حرارة التعصب لأنه ما من بيت في السودان إلا واجتمعت فيه القبائل من خلال أولاد العمات وأولاد الخالات.
وفي عمود النسب الأبوي العدناني هناك ما لا يقل عن عشرة أمهات قحطانيات لرسول الله صلى الله عليه وسلم أقربهم والدة جده عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وهي من الخزرج وولد عندهم في يثرب.
ومات والده هاشم في غزة وترك أمه حاملا به وولدته وعاش حتى صار صبيا في حوالي السابعة أو الثامنة وأسمته شيبة ، وفي أحد المواسم حضر لمكة ثابت والد الشاعر حسان بن ثابت وكان صديقا للمطلب بن عبد مناف فقال له مالكم لا تسألون عن ولدكم ؟
قال من ؟
قال إبن هاشم من سلمى !
وفورا شد المطلب راحلته وتوجه للمدينة وعندما وصلها شاهد صبية يلعبون فعرف من بينهم شيبة فنزل وحضنه وبكى.
وبعد الضيافة ومفاوضات صعبة لأيام أذنت سلمى وإخوانها فتركوه يسافر مع عمه لمكة حيث أهل والده وهم العصبة ، ودخل به المطلب مكة مردفه خلفه فأخذ البعض يشير إليهم ويقول : هذا عبد المطلب ، فيقول ويحكم هذا إبن أخي هاشم ، ولكن الصفة التصقت به وصارت لقبه الذي اشتهر به.
وتمر الأيام ويختلف عبد المطلب مع عمه نوفل في بعض المواريث فيحوزها منه ويستنصر عبد المطلب بقريش فلم ينصروه فأرسل رسالة إلى خاله أخ سلمى يشكو إليه ظلم عمه نوفل ، ونحن في السودان نقول الخال حنين وبعض القبائل السودانية مكانة الخال في التربية والرعاية والحماية فيها أهم من الأب ، ولم يتردد خاله وركب مع عدة فرسان من الخزرج وأسرعوا لمكة ، وفي مدخلها استقبلهم عبد المطلب وقال له المنزل يا خال ، يعني إرتاحوا شوية من وعثاء السفر ، فقال له خاله لا منزل أرني أين نوفل ، قال عند الكعبة.
وتوجه الخال فورا فوجد نوفل بن عبد مناف جالسا عند الكعبة في ثلة من قريش فاستل سيفه ووضعه في رقبة نوفل وقال : لئن لم تردد على إبن أختي أركاحه لأغمدن هذا السيف في عنقك !
قال نوفل : رددتها له.
هذا المشهد يعجبني جدا وفي تقديري أن نوفل لم يخاف ولكنه أكبر مروءة الخال ومسارعته لدعم إبن أخته فاستجاب فورا جبرا لخاطر الخال وإبن الأخت وهو في نفس الوقت إبن أخيه هاشم.
وحين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجر ليثرب فهو كان مهاجرا لأخوال جده ونزل عندهم وكانوا يفخرون ويقولون نحن أيضا ولدناه.
والعجيب أن قصي الجد الرابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجد النصرة من أخوانه من أمه القحطانيين من بني عذرة حين نصروه على خزاعة وهي قحطانية مثل عذرة ولكن قصي وإن كان عدناني النسب إلا أنه أخوهم ود أمهم.
استنصر قصي بإخوانه من عذرة حين غالبته خزاعة (وهم أبناء عمومة للأوس والخزرج) على سدانة الحرم فقدموا من الشام في مائتي فارس وقاتلوا معه وأجلوا خزاعة من الحرم لصالح قصي القرشي العدناني.
ومرت السنوات وحين هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وفي السنة العاشرة للهجرة عام الوفود قدمت بنو عذرة في من قدم ووقفوا بباب المسجد ورفعوا صوتهم : قرابات وأرحام لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قيل لهم من القوم ؟
قالوا نحن بنو عذرة إخوان قصي من أمه ، ألا تعرفنا يا رسول الله ؟ نحن الذين عضدنا قصيا وأخرجنا خزاعة من الحرم.
فقام إليهم مهللا مرحبا وهو يقول : ما أعرفني بكم ، أي ما أشد معرفتي بكم.
وللتذكير فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي.
السودان كله أولاد عمات وأولاد خالات وعسى أن نشهد أنتفاضة الخالات والعمات والأخوال ليأخذوا بيد أولادهم الذين أطغاهم ما بيدهم من مال وسلاح ليردوهم إلى جادة الصواب بدلا عن غيهم الذي هم فيه يعمهون.
#كمال_حامد 👓

Exit mobile version