نيالا التي سمعت عنها ولم أزورها … وكم تمنيت ذلك ؟

نيالا التي سمعت عنها ولم أزورها … وكم تمنيت ذلك ؟
التغير الطبيعي في علاقات التجارة وتضاؤل نفوذ الجلابة التقليديين … كيف ؟
في العام 91 حضرت في إجازتي السنوية من الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية.
تزامن حضوري مع عودة عديلي وصديقي مولانا يوسف (نسأل الله تعالى له الرحمة والمغفرة) من مأمورية إستمرت لستة أشهر في نيالا.
فوجئت أن مولانا رحمة الله عليه أحضر لنا من نيالا هدايا قيمة جدا ، عطور باريسية ، صنادل وأشياء أخرى أصلية ماركات عالمية لا تجد مثلها في الخرطوم.
قلت له يامولانا تهدينا أنت أم نحن القادمين من السعودية ؟
قال لي وهو يبتسم : مضيعين عمركم في الاغتراب … القروش في نيالا !
حكى لي أنه حين صدر له قرار المأمورية حاول الاستعفاء ، وكان مولانا رحمه الله يعلم أنه من المغضوب عليهم ومتوقع إحالته للصالح العام في أية لحظة ، ولذلك اعتقد أن مأمورية نيالا كانت ترصدا له ، وأخيرا … سافر.
يا كمال ، في نهاية المأمورية بقيت عاوز طريقة تقعدني في نيالا !
وواصل : دهشت من العمران والحركة التجارية ، واستقرار الكهرباء ! ستة شهور يا كمال الكهربا ما قطعت ولا مرة !
وجلست ذات مرة مع صديق موظف كبير في فرع بنك هناك أخبرني أن الكتلة النقدية هنا رقم إثنين بعد الخرطوم .
رحم الله مولانا يوسف ، فقد ظلت ذكرى شهوره الستة في نيالا محببة إليه.
في العام 2003م سافر أحد أقاربي إلى نيالا وتعددت سفراته وفي كل مرة كنت أسأله عن إنطباعاته فكانت كل ملاحظاته تأكيدا لما ذكره مولانا سابقا في 1991م وفي ٱحدى سفراته أخبرني أن هناك مسلخا حديثا تم إفتتاحه في نيالا وأن تصدير اللحوم المجهزة سيكون من مطارها الدولي مباشرة وأن الدخل المتوقع من صادرات اللحوم من ذلك المنفذ بملايين الدولارات شهريا.
كل ذلك تبخر مع إندلاع تمرد الحركات التي كانت تقصف البنيات التحتية وتعطل مشاريع التنمية لتحتج على ضعف التنمية ، فهل تستطيع أن تفهم هذه المعادلة ؟!
نفس قريبي هذا كان يسافر مرارا وتكرارا إلى الضعين وتلس في أعمال تتعلق بتجارة اللحوم والمواشي ، ولما كنت أعلم أن تجارة صادر المواشي كان عمادها بيوتات جلابية عريقة فقد سألته ذات مرة قبل حوالي ثلاث أعوام عما إذا كان لإنتشار الانترنت وثورة المعلومات أثر على هيكل العلاقات التقليدية التي كانت تاريخيا تقوم على المصدرين الجلابة من وسط السودان ووكلاء من مناطق الإنتاج مهمتهم شراء المواشي من الرعاة ثم شحنها لمحطات الصادر في الخرطوم وبورتسودان ؟
قال بحماس : طبعا أثرت كيف ما أثرت ؟
أول حاجة الناس ديل أولادهم إتعلموا وبقوا عارفين أية حاجة ، وعادي تلقاهم قاعدين تحت ظل الشجر فاتحين لابتوباتهم ومتابعين أخبار اللحوم يوم بيوم في الخرطوم وجدة والرياض ، وأزيدك من الشعر بيت ، كثير من محلات المشويات اللي انتشرت في العاصمة دي حقتهم وبقوا يأجروا حيشان في المزارع في الأطراف لاستقبال وتسمين الوارد وبقوا يذبحوا في السلخانات ويوزعوا ويصدروا.
قلت له إن ثورة الاتصالات تفرض تحديات متجددة على كل علاقات العمل التقليدية وعلى الجميع مواجهة التحديات من خلال الإبداع والابتكار ومن يظل جامدا يختفي ويتلاشى.
ولمن لا يعلم أو لمن نسي فإن ثورة الإتصالات هي إنجاز فلولي بإمتياز وقد لا تصدق أن السودان صادقت أجهزته الأمنية على دخول تقنيات الإنترنت والهواتف الجوالة في حين ظلت أكبر الدول عربية تتلكأ وتتردد أجهزتها الأمنية في السماح بدخول التقنيات الجديدة ولكن هذه قصة أخرى.
السؤال هو لماذا ولمصلحة من يتم تعطيل كل ذلك التطور الطبيعي والمتدرج ؟
لمصلحة من يتم التحريض على الجلابة ومن خلال ذلك يتم تدمير الأسواق والصناعات بينما الحقيقة أن الكثير من مجموعات الهامش صارت جلابية من خلال التجارة وصار رجال أعمالها من مالكي الأبراج والفلل الفاخرة في الخرطوم وكل ذلك حق مشروع وتطور طبيعي فلمصلحة من يتم تدمير التعايش وزرع الكراهية ؟!
الإجابة هي : لمصلحة الإحتكاريين الدوليين القدامى ووكلائهم الإحتكاريين الجدد.
#كمال_حامد 👓

Exit mobile version