مكمن الخلل في دراسات الأكاديميين الدارفوريين عن الحواكير !!

مكمن الخلل في دراسات الأكاديميين الدارفوريين عن الحواكير !!
مكمن الخلل في دراسات ومؤلفات الأكاديميين الدارفوريين عن الحواكير أنها لا تعطي البعد الإقتصادي لعلاقات التبعية في الحاكورة الأولوية والأهمية التي تستحقها بينما هذه التبعية وأعبائها هي سبب الحروب بسبب الأطماع أو الحروب بسبب رغبة القبائل المستضافة في الأنعتاق والتحرر.

للحاكورة هيكل إداري هرمي ، هو هيكل سلطة وإدارة وإشراف ، و الأكاديميين الدارفوريين يغرقونك في تاريخ المسميات والمصطلحات من زمن السلاطين الأول مرورا بزمن علي دينار والحكم الثنائي ثم دولة 56 !!

ستجد نفسك غارقا في الكثير من التفاصيل دون أن تعرف الإجابة الواضحة للسؤال الذي طالما يرن ويزن في ذهنك كسوداني من قلب الوسط السوداني أم درمان : فيم وعلام إذن كل تلك الحروبات وعشرات الآلاف من القتلى ؟

ثم بعد عدة فصول مرهقة منهكة يبدأون في كشف المعلومة بطريقة عابرة موجزة للغاية : إنه نصيب أصحاب المناصب الوراثية من زعماء القبيلة مالكة الحاكورة في الجبايات والرسوم والعشور.
بالنسبة لي فهذا هو مربط الفرس.
يبدأ توزيع الأنصبة من القاعدة صعودا :

شيخ القرية ، العمدة وهو عادة يرأس عدة مشايخ ، ثم الدملج ويرأس عادة عدة عمد ، ثم الشرتاي ويرأس عادة عدة دمالج ، ثم الملك ويرأس عدة شراتي ، ثم نائب السلطان ثم السلطان علي دينار.
لا تتعب نفسك ، فهذا الهيكل والترتيب والمسميات تختلف من منطقة إلى منطقة ولكن الجوهر واحد.
في 1916م أنهت الحملة البريطانية السلطنة وأختفت وظيفة علي دينار ونائب السلطان وحتى يضمن الإنجليز الولاء والأمن فقد أبقوا على كل وظائف الإدارة الأهلية من الملك أو الشرتاي فما دون بكل حواكيرها وامتيازاتها دون تعديل.

وفعلا دان لهم مجتمع دارفور بالولاء والإذعان بما فيهم قادة ظلوا أحياء من جيش السلطان علي دينار أبقوا لهم على حواكيرهم وقاموا بتعيينهم في المجالس الاستشارية في دارفور وقاموا بتكريمهم بما كان يعرف بكسوة الشرف وهي عباءة حمراء مزينة بالنجوم والنياشين يقوم الحاكم العام بإلباسها لزعيم القبيلة نظير الولاء والخدمات ، ولكنه يكون عرضة لنزعها منه إذا خرج من الخط !

نعود إلى موضوعنا : تقسيم جبايات الحاكورة على النخبة الحاكمة من قادة القبيلة صاحبة الحاكورة.

في زمن السلاطين حتى نهاية عهد علي دينار كانت هي وسيلة السلطنة في إعاشة رجال الحكم والإدارة ، لم تكن هناك ميزانية سنوية ولا فصل أول ولا غيرها من خزعبلات الدولة الحديثة دولة ما بعد الاستعمار ، إذن كان نظام الحاكورة وقتها بجباياته مبررا ومطلوبا.

مبرر عدم وجود عملات في سلطنة دارفور نفسه يبدو غريبا وغير مفهوم كيف وقد سبقت تلك السلطنة بعشرات القرون دول إسلامية كانت تستعمل الدينار الذهبي والدرهم الفضي فلماذا عجزت تلك السلطنة عن صك دنانيرها والذهب كان متوفرا فيها وكانت فيها صناعات لدرجة أنها كانت تصنع بنادقها وأسلحتها النارية ؟!

على أية حال في 1916م ذهب علي دينار وذهبت السلطنة وظهرت الدولة الحديثة بنظام الرواتب فلماذا ظل نظام الحواكير بجباياته وفيم كانت تنفق تلك الجبايات والعشور وغيرها ؟!
الإجابة التي وجدتها بعد لأي وجهد جهيد أن حصيلة الجبايات بعد أن كانت تصعد حتى السلطان علي دينار ولكل درجة نصيب منها معلوم فقد توقف ذلك الصعود عند درجة ملك القبيلة أو الشرتاي ، او الفرشة ، سمه ما شئت ، المهم توقف سقفه عند جيوب الزعماء.
لقد تحرر الجميع من السلطنة والسلطان علي دينار ، زعماء القبائل الأفريقية ونظار القبائل العربية ، والقبائل العربية هذه كانت المتحرر الأكبر من السلطنة والسلطان وسنعود إليهم لمزيد من التفصيل.

هل سمعتم يوما بقبيلة أفريقية أو عربية في دارفور تطالب بعودة السلطنة والسلطان ؟!
يستحيل.
يطالبون ويحملون السلاح من أجل نظام الحواكير كحق تاريخي علما أن هذا الحق يشمل وجود السلطان والسلطنة على رأس ملاك الأرض !

هناك أمر آخر وهو أن السلطنة إذا عادت وعاد السلطان فسيكون من حقه أن يلغي ترخيص أية حاكورة تم منحها في عهد السلاطين السابقين لأن الحاكورة لم تكن أبدا عطاءا أبديا ، فكل سلطان دارفوري جديد كان يأتيه زعماء القبائل لتجديد البيعة والولاء ولتجديد موافقته على حواكيرهم ، هل علمت لماذا تتشبث زعامات دارفور بالحواكير وهم راضون بمستجدات ما بعد سقوط السلطنة في 1916م ؟ لأن سقوط السلطنة حررهم من المرجعية العليا ذات الحق في تجديد تراخيص الحواكير أو إلغائها فصارت أبدية ، تخيل !!

هناك بعد آخر خانق في علاقات التبعية في ظل نظام الحواكير وهو الحق في التمثيل السياسي في مؤسسات الدولة الحديثة وهو ما سنسعى للخوض فيه لاحقا.
للإخوة الدارفوريين الذين يراسلونني في الخاص لإيقافي بحجة أن هذه كتابات فتنة وأن هذا ليس وقتها.

أولا وأخيرا وبصراحة كتاباتي ليست موجهة إليكم ، كتاباتي موجهة كمحاولات إضاءة معرفية متواضعة للجهلة من أمثالنا أهل الوسط والشمال الذين طالما تم تصديع رؤوسهم بإتهامات النخب والإمتيازات التاريخية والظلم والتهميش.

وكلما توغلت في قراءاتي الدارفورية تعجبت أكثر وأكثر كيف أن الخطاب التظلمي الإحتجاجي والبندقية الدارفورية توجهت نحو الخرطوم بينما الظلم والتهميش تحت أقدامها وياما دارفور مترعة بالنخب والإمتيازات التاريخية !

لو قرأ دارفوري هذه الكلمات ولديه ملاحظات وإضافات فالأفضل أن يرسل لنا المعلومات المفيدة باعتباره من أهل مكة الذين نفترض أنهم أدرى بشعابها ، لا أن ينصحنا بالتوقف وأن هذا ليس وقته ، ومتى يكون وقته ودارفور يتردد إسمها في مجالسنا ما لا يحصى من المرات يوميا وبتبعات دارفور وحروب حواكيرها أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ؟!

#كمال_حامد 👓

Exit mobile version