طرح إعلان السودان استئناف العلاقات مع إيران، الاثنين الماضي، العديد من الأسئلة، خاصة أن توقيته تزامن مع عدة تطورات إقليمية، وبعد نحو 6 أشهر من المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وفي ظل التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب الذي بدأ قبل نحو 4 سنوات، وكذلك في ضوء تقارب سوداني خليجي بعد عقود من الفتور.
الجانب السوداني أكد أن البلدين في طريقهما لإعادة التمثيل الدبلوماسي بعد 7 أعوام من قطع العلاقات إثر اقتحام السفارة السعودية في طهران.
وكانت السعودية وإيران اتفقتا بوساطة صينية على استئناف العلاقات في مارس الماضي، ما رفع الحرج، وفقاً لمحللين عن الخرطوم، لتخطو هي الأخرى نحو هذا الاتجاه.
ولم يأت إعلان الخرطوم وطهران استئناف العلاقات بينهما مفاجئاً، إذ سبقه لقاء بين وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ونظيره السوداني المكلف علي الصادق، على هامش اجتماع اللجنة الوزارية لحركة عدم الانحياز الذي استضافته العاصمة الأذربيجانية باكو، خلال يوليو الماضي، ويبدو أنه كان لجس النبض.
ورأى رئيس تحرير صحيفة “الجريدة” السودانية أشرف عبد العزيز في حديث لـ”الشرق”، أن “استئناف العلاقات مع إيران في هذا التوقيت سيزيد الوضع الهش في السودان تعقيداً، وذلك لارتباطه بمخاوف أطراف إقليمية من هذه العلاقة، فإسرائيل بعد الهجوم الذي شنته حركة حماس” مؤخراً ستكون أكثر حذراً من أية تحركات إيرانية في المنطقة يمكن أن تدعم حماس”.
وأضاف عبد العزيز: “هذا يعني تكثيف إسرائيل لمراقبتها لمنطقة البحر الأحمر، خاصة في حال تطبيع الخرطوم علاقتها مع طهران، وهذا أيضاً سيكتب نهاية علاقة الخرطوم وتل أبيب التي اجتهد رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان في تطويرها بعد لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال فبراير 2020 في عنتيبي بأوغندا”.
أما بالنسبة لدول الخليج، فلن تقبل عودة العلاقة بين الخرطوم وطهران، لأن الوجود الإيراني في البحر الأحمر يُهدد الحدود الغربية لهذه الدول، فيما سيُحاول السودان الحصول على دعم عسكري إيراني مقابل محاولات طهران “استرداد الثمن تمدداً في نفوذها، الأمر الذي سيثير، على الأرجح قلق مصر والولايات المتحدة”.
من جهته، أشار الصحافي اللبناني المتخصص في الشأن الإيراني حسن فحص، إلى أن إيران كانت تتوقع استئناف العلاقات مع السودان، وتعول عليها لأسباب عدة، غير مكترثة بالعلاقة النامية بين الخرطوم وتل أبيب.
وقال فحص لـ”الشرق”، إن “طهران تنظر إلى السودان بشكل جيوسياسي استراتيجي، من واقع اهتمامها بالحصول على موطئ قدم في سواحل البحر الأحمر ليس بعيداً عن قناة السويس وسيناء وسواحل غزة ولبنان. وهي المسارات التي كانت تسمح لها بإرسال شحنات أسلحة إلى القطاع من السودان طوال سنوات، ما أدى إلى هجمات إسرائيلية على شرق السودان في مارس 2009، وعلى مصنع اليرموك في الخرطوم في 2012، تبعاً لتقارير غربية”.
وتابع فحص: “طهران التي تمتلك حصة في منجم لليورانيوم في ناميبيا، ويتراجع مخزونها، ربما تنظر بعين المصالح لهذا المعدن في السودان مستقبلاً، وسط تقارير تتحدث عن وجوده في دارفور. كما تسعى أيضاً إلى إيجاد موطئ قدم راسخ لها في إفريقيا في ضوء التنافس الأميركي الروسي الصيني الفرنسي الخليجي على هذه المنطقة”.
بدوره، قال مستشار رئيس وزراء بلجيكا سابقاً كورت ديبوف لـ”الشرق”، إن الولايات المتحدة والدول الأوروبية لم يعد يساورها القلق بشأن السودان منذ أن استبدل الرئيس السابق عمر البشير “المعسكر الذي يتموضع فيه” عام 2018، ولم يعد السودان منذ ذلك الوقت جزءاً من طريق تهريب الأسلحة (إيران – غزة)، حيث كانت تتم عمليات التجميع والشحن في السودان.
وقال دبلوماسي غربي لـ”الشرق”، إن الدول الغربية تعكف على دراسة هذا الملف، ولم تبلور رأياً بعد.
مرت العلاقات السودانية الإيرانية بتقلبات كثيرة، ففي أبريل 1985 اتهم الرئيس السوداني السابق جعفر النميري، الذي احتفظ بعلاقات وطيدة مع واشنطن، طهران بتسليح جماعة الإخوان المسلمين لزعزعة نظام حكمه.
لكن ثورة شعبية أطاحت بنظامه بعد أيام من هذه الاتهامات، ليحاول رئيس الوزراء المنتخب الصادق المهدي في 1986 القيام بوساطة بين بغداد وطهران لوقف حرب الثماني سنوات، لك مساعيه لم تكلل بالنجاح، نظراً لوزن السودان السياسي والاقتصادي الضئيل نسبياً، وفقاً لمحللين.
ومع ذلك، احتفظت الخرطوم بقدر من سياسة عدم الانحياز إبان الحرب العراقية الإيرانية طوال الفترة من 1985 وإلى 1988، إذ شهد هذا العام تحولات كبيرة.
وفي تلك الفترة دفعت بغداد بمدافع ثقيلة لمساعدة الخرطوم على استعادة مدينة الكرمك جنوب شرقي البلاد من أيدي الجيش الشعبي بقيادة جون قرنق.
وفي العام ذاته اغتيل السياسي العراقي المعارض مهدي الحكيم في الخرطوم، ما أثار غضب الحكومة السودانية تجاه بغداد بعد تسريب تقارير عن ضلوع دبلوماسيين عراقيين في اغتياله.
ووسط تلك العاصفة الدبلوماسية بين الخرطوم وبغداد انقلب المتشددون السودانيون على حكومة الصادق المهدي، ليصطفوا أثناء حرب الخليج الثانية مع الجانب العراقي، ما أدى إلى توتر العلاقات مع دول الخليج.
وفي بداية التسعينيات شهدت العلاقات بين الخرطوم وطهران تطوراً كبيراً، إذ أسهمت الأخيرة في بناء القدرات العسكرية الذاتية للسودان، وأسست مركزاً ثقافياً نشطاً استقطب مثقفين وساسة سودانيين طوروا علاقتهم بإيران، ثم حدثت الانتكاسة في العلاقات عام 2018، حين قطعت الخرطوم علاقتها الدبلوماسية بإيران بعد اقتحام السفارة السعودية في طهران.
شهدت العلاقات السودانية الإيرانية تطوراً كبيراً بعد وصول عمر البشير إلى السلطة عام 1989 بدفع من الحركة الإسلامية بزعامة حسن الترابي، إذ كانت الحركة تنظر بإعجاب غير خفي إلى تجربة الثورة الإيرانية، وربما شكلت إلهاماً لها في الوصول إلى السلطة واستنساخ بعض ملامحها، خاصة في تأسيس بعض تكويناتها العسكرية وشبه العسكرية.
وبعد انقلاب البشير، طوّر الطرفان علاقتهما لتشمل جوانب عدة تجارية وعسكرية ودبلوماسية، وقامت طهران بتدريب بعض عناصر الإسلامويين على العمل الأمني والعسكري.
يعتقد أستاذ السياسة العامة والإدارة بجامعة لونج آيلاند في نيويورك، بكري الجاك في حديثه لـ”الشرق”، أن التقارب بين إيران والسودان كان أقرب إلى أيديولوجيا الموقف ضد الغرب ومناصرة القضية الفلسطينية، معتبراً أن العلاقة أصبحت لاحقاً، مفتوحة على مصالح تتعلق بتطوير الصناعات الدفاعية والأسلحة في عهد البشير، وذلك قبل أن يوظف الأخير هذه العلاقة لطلب المساعدات من دول الخليج.
من جانبه، يُرجح المحلل السياسي السوداني طلال إسماعيل، أن تسعى الخرطوم لتعزيز علاقتها بطهران في إطار سياسة خارجية تقوم على التوازن.
وقال إسماعيل لـ “الشرق”، إن “التعاون العسكري بين البلدين سابقاً أسهم في تعزيز قدرات الخرطوم في إنتاج مختلف الأسلحة والذخائر، وهذا من الممكن أن يكون ضمن فوائد استئناف العلاقات بين البلدين، علاوة على إمكانية استفادة الخرطوم من التكنولوجيا الإيرانية في المجال النووي من أجل إنشاء مفاعل في السودان لتوليد الطاقة الكهربائية، وسد العجز الكبير في هذا الجانب في البلاد”.
الخبير الاقتصادي، خالد التجاني، قلّل من شأن التبادلات التجارية بشكل عام بين الخرطوم وطهران، بالنظر إلى التاريخ التجاري بين البلدين.
وفي حديث لـ”الشرق”، قال التيجاني إن “حجم هذا التبادل كان ضئيلاً ومحدوداً، وسجل في أفضل الحالات 190 مليون دولار، متراجعاً إلى 3 ملايين دولار فقط فعام 2022، مع رجحانه لمصلحة إيران إلى حد كبير، إذ يستورد السودان منها مكيفات الهواء والأدوية والأسمدة الزراعية، فيما يُصدر لها بشكل محدود الفول والسمسم والصمغ العربي عن طريق أطراف ثالثة لا بشكل مباشر”.
وأشار التجاني إلى أن أكبر معوقات زيادة حجم التبادل التجاري يتمثّل في تمسّك إيران بسداد السودان ديناً يبلغ نحو نصف مليار دولار جلّه عبارة عن فوائد بعد استيراد حكومة جعفر النميري (1969-1985) نفطاً بالدفع الآجل من طهران منتصف سبعينيات القرن الماضي.
وكانت هناك أنشطة اقتصادية إيرانية محدودة في السودان، اقتصرت على مجالات البنية التحتية، كتشييد الطرق والجسور ومحطات المياه.
وأضاف التجاني: “من الممكن لاستعادة العلاقات الدبلوماسية أن تفتح آفاقاً أمام التعاون الاقتصادي بين البلدين إذا تمت معالجة مسألة الديون التي تتشدّد إيران بشأنها”.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن السودان “سيكون في حاجة لتقليل ضغوط فاتورة استيراد النفط البالغة نحو 3 مليارات دولار سنوياً على ميزان المدفوعات، إذا استطاع الحصول على تسهيلات من جانب إيران لاستيراد النفط والبتروكيماويات بصفقة مقايضة مقابل صادرات سودانية، خاصة المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية”.
وتابع: “ستُمثل حاجة السودان لمشروعات إعادة إعمار ضخمة بعد الحرب فرصة لمشروعات استثمارية كبيرة أمام إيران”.
ولا يغفل التجاني اهتمام إيران بتعزيز علاقاتها مع القارة الإفريقية، لا سيما في المجال الاقتصادي، وقال “يُمكن للسودان استثمار موقعه الجغرافي وموانئه على البحر الأحمر كبوابة للتجارة الإيرانية مع عدد من الدول الإفريقية المغلقة المحيطة بالسودان، فضلاً عن التجمع الاقتصادي لدول شرق وجنوب إفريقيا (كوميسا)”.
الشرق للأخبار