يوم المعلم: البروف منتصر الطيب

بروفسور منتصر لا أعده معلما فقط ..فقد كان ولا يزال اخا اكبر وصديقا وابا لكل من تتلمذ على يديه واشرف على اعداد اطروحات الدراسات العليا ..كنا نحن تلامذته الاوائل ..فقد كان حديث القدوم من الغرب ..اتيا بأفكار ونماذج ثورية للبحث العلمي…في ذلك الوقت كنا نعد على الأصابع ..قبل أن يكبر العدد ليصير بالمئات .

لكني في هذه المساحة اود ان احكي عن الانسان منتصر الطيب ..كنت في بدايات زواجي ..انجبت ابنتي الكبرى (هند) ..وشاءت الأقدار ان يغترب زوجي وهي بعمر الأربعة أشهر ..في تلك الأيام اجتمعت علي الظروف الصعبة .. كنت قد قبلت ترشيح الماجستير من قبل الوزارة ..بل واكملت اجراءات التسجيل بالجامعة ..و(الحسابة بتحسب) من بداية يوم التسجيل ..كنت اصل المعمل حوالي الساعة العاشرة ..احاول بقدر الامكان عمل تجربة ..ولكني اسرع قبل ان اعرف النتيجة مهرولة الى البيت قبل ان تصحو ابنتي ..و(توقفهم علي رجل واحدة)..كان بروف منتصر يراقبني صامتا من تحت نظارته ..وكنت أشعر بنظراته تقول لي شيئا ..لكنني كنت افعل كل ما في وسعي ..(اتقطع يعني ولا شنو؟؟)…حتى كان ذلك اليوم

وصلت كالعادة ..وقبل ان ابدأ ..فتح باب مكتبه لينادي (قرناص ..تعالي).. اشار الي بالجلوس ..وقال مباشرة (البتعملي فيهو دا اسمو لعب ومضيعة وقت .. انت لازم تشوفي حل تجي المعمل الساعة 7 صباحا وتطلعي 4 مساء ..غير كدا يبقى ما في داعي تضيعي وقتك )..انفجرت باكية وقلت من بين دموعي (اعمل شنو ..انا لغاية ما جهز حاجات بتي ..واطلع من البيت والقى مواصلات ..بتكون الساعة 10 جات ..ولازم ارجع قبل الزحمة عشان اقدر اصل قبل ما هي تصحى..عذبت الناس كلهم ..كانت معاي بت أختي ..وهسه معاي اخت زوجي ..اعمل شنو اكتر من كدا)..فكر قليلا ..وقال (الزواج والامومة حاجات غريزية ..انا ضد انو الواحدة توقف حياتها عشان القراية وضد العكس كمان ..لكن برضو ممكن تقدري تلقي حلول لو فكرت شوية وحاولتي تبذلي مجهود ) ..ومن ثم استطرد قائلا (امشي هسه فتشي حضانة قريبة من المعمل عشان تجيبي بتك فيها وتقدري تمشي ليها اثناء اليوم ..ولما ترجعي شوفي واحد بتاع تاكسي اتفقي معاهو بالشهر يوصلك بي كم ..انت عندك منحة نقدر نطلع ليك منها قروش مواصلات ..واكيد ابو هند بكمل ليك الباقي ..).

.وقد كان ..صرنا انا وابنتي نصحو باكرا ..ونخرج سويا ..هي الى الحضانة وانا الى المعمل ..واذهب مرتين في اليوم للاطمئنان عليها واعود للمعمل ومن ثم نعود في اخر اليوم الى المنزل.

استطعت ان اكمل الجزء العملي في اربعة أشهر ..ومن ثم بدأت في كتابة الاطروحة ..وامتحنت للماجستير قبل انتهاء المدة المقررة ..كل ما اذكر تلك الأيام ..اتساءل ..ترى لو لم يكن مشرفي هو بروفسور منتصر ..ماذا كان سيحدث؟؟

..كان يفتح باب المعمل فجأة ..يجدنا كل منغمس في عمله ..يصيح قائلا ..يلا ناخد بريك ..ونجده قد ابتكر برنامجا ترفيهيا ..يكسر الرتابة ..ومن ثم نعود مرة اخرى للعمل ..كيف يستطيع ان يجعلك تحس بزوال كل الحواجز اثناء فترة الراحة ..ومن ثم يجبرك على احترامه في ذات الوقت؟؟ ذلك شئ يميزه دون غيره ..يدخل لمدة قصيرة المعمل لكنه في تلك اللحظات فقط ينتبه الى أشياء وتفاصيل دقيقة …منها يعرف ان فلانا (مزاجه ما رايق) ..علانة تبدو عليها علامات الارهاق ..ومن ثم ينتحي باحدنا جانبا ليقول له رأيه بهدوء ودون ان يعرف أحد…
كل ما أقرأ له بحثا علميا او دعوة لمحاضرة يقدمها ..يملؤني الفخر وتجدني أهتف قائلة (هذا الرجل استاذي ..درست علي يديه اساسيات الاحياء الجزئية ..وتعلمت منه الكثير من دروس الحياة )

قرأت مقولة تقول (في حياتنا ..يمر الكثيرون ..يدخل بعضهم ..يخرج اخرون ..وحدهم الاصدقاء الحقيقيون من يتركون بصمة أقدامهم على حياتنا) ..وقد وضع بروفسور منتصر بصمته على حياتي وحياة الكثيرين من تلامذته ..يا بروف منتصر حياك الغمام ويغشاك السلام ..حيثما كنت ….تحياتي واحترامي

د. ناهد قرناص

Exit mobile version