كان إنتشار الميليشيا وسيطرتها على المساحات الأكبر في بداية الحرب بعد تدمير معسكراتهم، ثم تلتها مساحات تأتي تباعاً لسقوط معسكرات الجيش وكان أكبرها منطقة الكلاكلة من بعد سقوط الاحتياطي المركزي-الخرطوم.
كان من المفهوم تخلي الجيش عن المناطق السكنية وتأمينه للمناطق المحيطة بمعسكراته فقط بإعتباره غير قادرٍ وغير جاهز للدخول في مواجهة مباشرة مع الميليشيا بسبب فرق العتاد والأعداد في المشاة،
واهتم الجيش بأخذ موقف دفاعي مطلق من معسكراته الكبرى حيث يقدر على صد ارتال الهجمات وتحقيق خسائر كبيرة في العدو بخسائر ضئيلة في صفوفه ويتخلى عن المناطق السكنية والمدنية لتحريرها دفعة واحدة كما في حروبه السابقة.
كان الأمل في أن الجيش سيحافظ على المناطق السكنية التي تحظى بتأمين عالي بعد سقوط الكلاكلة في يد المرتزقة،
وكانت كرري تمثل الأمل حيث أن الجيش قد دافع عنها وحافظ كل معسكراته ونقاط ارتكازه فيها وكانت تدار المعارك في مواجهة محاولات تسلل الميليشيا بسياسة تعزيز وإسناد الدفاعات المتقدمة لا بسحبها، وحتى في حالات التراجع كان التراجع يتم إلى دفاعات الخط الثاني وإعادة الترتيب لشن هجومٍ مضاد واسترداد الدفاعات الأولى.
معسكر العيلفون التابع لسلاح المهندسين يملك ارتال قوة عسكرية كبيرة، وما يؤكد هذا هو التعزيزات التي وصلت لهذا المعسكر الذي يضم الآن ما لا يقل عن فِرقة كاملة لم تتعرض للهجوم إلا مرتين وكانت هجمات ضئيلة لم تمثل أي خطر وامتلكت 6 أشهر كاملة لتأمين منطقة العيلفون على أكمل وجه خصوصاً مع وجود فُرق فنية من المهندسين تمكنهم من حفر خنادق وسواتر وإنشاء كمائن محكمة ونشر قناصة مما يجعل العيلفون منطقة يستحيل الدخول إليها.
شنت قوات الدعم السريع بالأمس هجوماً على العيلفون، ودخلت في مواجهة مع دفاعات الجيش المتقدمة في مدخل المنطقة، وبعد عدة ساعات من الاشتباك المتواصل قام الجيش بسحب الدفاعات في مدخل المدينة، ولكن المفاجئ أن الجيش قام بسحب كل القوات إلى داخل المعسكر الذي يبعد حوالي 7 كيلومترات من مدخل المنطقة.
من المفهوم أن تقوم الدفاعات بالتراجع عند تقرير استحالة صمودها أمام الهجوم، ولكن من غير المبرر أن يكون هذا الإنسحاب تقهقراً كاملاً إلى داخل المعسكر بدون وجود خطوط دفاع ثانية أو حتى كمائن في الطريق، ليس من المنطقي أن تتراجع 7 كيلومترات كاملة إلى داخل معسكرك خصوصاً مع إمتلاك إسناد جوي من سلاح الطيران والمسيرات.
مضت أكثر من 24 ساعة منذ أن انسحب الجيش لمعسكره واستباح الجنجويد العيلفون بصورتهم البشعة المعهودة والجيش لم يتحرك في أي هجومٍ مضاد وكان الاكتفاء بضرب الطيران والمسيرات الذي توقف منذ بضع ساعات.
نزح الملايين لأن الجيش لم يكن قادراً على حمايتهم منذ بداية الحرب، ونزح آخرون لأن الجيش خسر المعسكر الذي كان يحميهم وآخرين نزحوا بسبب قصف الميليشيا العشوائي للأماكن التي يسيطر عليها الجيش، ولكن اليوم ينزح سكان العيلفون لا لأي سبب من الأسباب أعلاه، ولكن فقط لأن الجيش لم يحميهم كخيارٍ لا كحال.
محاولة تبرير هذا التقصير إزاء مواطنين العيلفون غير ممكن، وحجج ك”طابور” وغيرها لا تعد إلا استخفافاً بالعقول، والمؤسف أن القوة المهاجمة(من الفيديوهات التي عرضتها الميليشيا) لم تكن تذكر بحجم قواتها التي شنت بها هجمات أخرى.
الجيش لا يحب حرب المدن والتعامل مع ال gorilla warfare ولكن المعركة في مدخل العيلفون كانت في أراضٍ منبسطة ومكشوفة وحتى بعد تراجع الدفاعات المتقدمة كان من الممكن حصر الميليشيا في مشارف المنطقة لشن هجومٍ مضاد يكون أسهل تباعاً، ولكن الآن تحركات الجيش في العيلفون ستكون في إطار الgorilla warfare التي يكرهها وقد كان ذلك بإختياره بعد أن قرر الإنسحاب إلى داخل المعسكر.
نأمل في أن تتمكن القيادات الميدانية والقيادة العليا من تدارك أخطاءها التكتيكية والاستراتيجية كما تداركت كثيراً منها منذ بداية الحرب.
رحم الله الشهداء وشفى الجرحى وآوى النازحين ونصر قوات شعبنا المسلحة.
#حرب_السودان
أحمد الخليفة