فما نامت عين لي بعدها! : إلى الشهيد التني!
أدخلُ بشكل دوري، على بعض الصفحات الإخبارية، ليس من باب التقصي، ولكن لإلتقاط ملامح بعض الشهداء وأثرهم، وربما يكون شد لهمة النفس إذا خاب ساعدها، أو أغرتني راحة الدنيا، وعجزت القافلة عن المسير.
فرأيتُ صورة الأخيار، أصدق الناس وأقربهم للقلب. شهداء من خير الرفاق، فما رأيت عيني نوم ولا راحة بعدها! فكيف ينام القلبُ والعين، وأنفاس الصالحين تُقبل أسلحتهم، فعادت بي الذاكرة لكلمات كنتُ قد كتبتها، فحضرت لي بعد رؤية صورة الشهيد التُني.
يقول الشاعر صلاح أحمد ابراهيم في رائعة وردي الخالدة ” الطير المهاجر ” : (وكان تعب منك جناح ! في السرعة زيد ) ، هنا يخلق صلاح وبصوت وردي الأسطوري ملحمية العمل/الانهماك ، وما أعنيه بالعمل ، لا يتطابق مع مفهومه الاقتصادي ، الذي تكون فيه القوة سلعة ، بل أعني الانهماك الحُر .
كإنهماك الطيور برحلتها في شغف الفضاءات الواسعة ، فعل أشبه ببراري كلهاري ، و الجواميس في وقت متأخر حيث الشمس تسيل من لونها الأحمر القاتم دفيء ، برية تفتح حدودها لتكون ممتدة .
والانهماك فعل يطابق المشي عند نيتشه فهو يقول : ( امض أقل وقت ممكن في الجلوس ولا تصدق أي فكرة لم تولد من الحركة وفي الهواء الطلق _فكرة لم تعربد فيها العضلات. فكل التعصبات تنبع من الأحشاء_ فالجلوس في مكان واحد (أقول مرة اخرى) هو الخطيئة الحقيقية في وجه الروح المقدسة)
من هناك يتشكل الوعي بالانهماك الجاد ، و الجدية هنا عمل الفلاحة حيث ستتكشف ذاتية الفلاح في محصوله ، فبين التعب و الانهماك خيط رفيع يتمايز عبر الجهد ، لذلك يكون التسارع في اوج التعب حكمة الحقل ، كما (وابور/بابور) ” اللستر الانجليزي ” الذي يضخ اعلى معدلاته في سحب المياه عندما يصل العمل لساعاته الاخيرة .
وفي الارث الاسلامي نجد ان الانهماك يقابله القوة ، بمعنى الدفع فمقولة ” لا راحة لمؤمن ” تعني صراعات الوجود الكلي للانسان في مساحات الحياة ، اي الابتلاء ، ولكن الراحة في اللقاء حينها يكون تكشف ما قد حدث نتيجة للتعب يصبح الجزاء عطاء مستحق .
ألا رحمك الله رحمة واسعة!
حسان الناصر