مؤشرات مهمة في خطاب البرهان
من حيث الشكل والمضمون جاء الخطاب في كلمات شديدة الوضوح، شرحت حقيقة الأوضاع على الأرض ورسمت ملامح المرحلة المقبلة، دون أن تغادر موضع الشولة، وقد تحدث قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة بثقة وثبات وجدية، لا قفز على خط النار وتداعيات الحرب ولا تجاهل المعطيات السياسية الراهنة، وإنما بدأ من حيث المنطلق الموضوعي في توصيف ما جرى من عنف وقتل وحرب تورطت فيها قوات الدعم السريع، وقدم نشرة وافية حول الانتهاكات التي ارتكبتها تلك القوات المتمردة في الخرطوم ودارفور، وقال إنها ترقى لجرائم حرب، وطالب، كنتيجة منطقية، بتصنيف قوات التمرد والمليشيات المتحالفة معها، جماعات إرهابية، وهو هنا ربما قصد قوى سياسية بعينها اختارت معانقة أهواء آل دقلو، لكن الراجح أنه يعني مجموعات مسلحة تقاتل إلى جانب الدعم السريع. كما ذكّر العالم بأدواره التي يجب أن يضطلع بها في السودان من اعفاء للديون ومساعدات تم تعليقها بعد إجراءات ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١، التي تجاوزتها الايام والسنين، ولعل الإشارة المهمة التي حواها الخطاب تتعلق بتأكيد أن مؤسسات الدولة الشرعية من حكومة وقوات مسلحة لن تسمح بانتهاك سيادة الدولة وشرعيتها، وبذلك فهو يعني الموقف من رئيس البعثة الأممية السابق فولكر بيرتس، والتحامل الفظيع تجاه السودان ومؤسساته الشرعية من قبل قادة الإتحاد الأفريقي، الوالغين في الفساد، حين ذكّرهم أيضاً بضرورة التحرر من الوصاية لكسب ثقة الشعوب الإفريقية. لكن أهم ما حفل به هذا الخطاب أنه طرح رؤية الجيش وشركاء المرحلة إزاء الفترة الانتقالية بصورة شفافة، أو بالأحرى ما يعرف بالمسار السياسي الذي سوف يبدأ بعد حسم التمرد مباشرة، سمها الحرب إن شئت، لكنه مسار معتدل كخط السكة حديد، يتحرك وفقاً لمحطات مهمة، فترة انتقالية قصيرة، تديرها حكومة مدنية من شخصيات مستقلة، تعقبها انتخابات يختار فيها السودانيون من يحكمهم، دون شراكات اقصائية وحقول ألغام، أما المطالبة بتصنيف المليشيا كجماعة إرهابية فهو تحرير موقف من مفاوضات جدة، أي عدم إمكانية السماح بعودة عقارب الساعة للوراء، وحصر الحوار حول الترتيبات الأمنية فقط، بما يسمح باخلاء الأعيان المدنية، وحتى لا ننسى خلاصة الخطاب والذي يعني عملياً ابتدر مرحلة جديدة بالفعل، فهو تأكيد حقيقي وليس مجازي أن البرهان هو رئيس البلد الموحد والملتف خلف الجيش وصاحب الحق الأصيل والشرعية في تمثيل السودان على كافة المستويات.
عزمي عبد الرازق