زيارة غير معلن عنها سابقاً أجراها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى دولة الإمارات يوم الاثنين الماضي، حيث التقى نظيره الإماراتي محمد بن زايد، في ظل وجود مجموعة من الملفات الإقليمية التي ترتبط بالقاهرة وأبو ظبي، من حرب السودان وأحداث ليبيا، إلى تزايد مستويات التعاون والشراكة بين الإمارات وإثيوبيا، في ظل رفض الأخيرة إبداء أي تجاوب مع المخاوف المصرية بشأن سد النهضة.
وأرجع المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير إبراهيم الشويمي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، هذه الزيارة، إلى “تسارع الأحداث المختلفة على الساحتين الإقليمية والدولية”. وقال إنه “تم بحث موقف الإمارات وعلاقاتها مع إثيوبيا، إضافة إلى الموقف من قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والعلاقات المصرية الإماراتية بشكل عام”.
واستعرض بن زايد والسيسي خلال الزيارة، وفق وكالة الأنباء الإماراتية (وام)، مسارات التعاون “خاصة في المجالات الحيوية التنموية والاقتصادية والاستثمارية والفرص الواعدة لتوسيع آفاقها بما يحقق المصالح المتبادلة للبلدين وشعبيهما الشقيقين”.
كما بحث الجانبان عدداً من “القضايا والملفات محل الاهتمام المشترك وآخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية وتبادلا وجهات النظر بشأنها”، مؤكدين في هذا السياق “أهمية العمل على إيجاد حلول سلمية للأزمات في المنطقة من خلال الحوار والطرق الدبلوماسية بما يعزز أسس السلام والاستقرار الإقليمي”.
وفي السياق، قال مصدر دبلوماسي مصري، إن زيارة السيسي للإمارات “جاءت تحت عنوان رئيسي وهو السودان”. ولفت إلى أن القاهرة “تتحرك بثقة في هذا الملف في الوقت الراهن، خصوصاً بعدما تجاوزت محاولات الحد من أدوارها في الملف السوداني، وكذلك تجاوز العقبات التي وضعت في طريق مصالحها في السودان، بسبب دعم إقليمي تم توجيهه إلى قوات الدعم السريع”.
وأوضح المصدر أن “توقيت الزيارة يأتي بعدما حققت مصر تقدماً في الترويج لرؤيتها الخاصة بالأزمة السودانية، خلال الشهر الماضي، قابله تراجع من جانب المعسكر الذي تمثله قوات الدعم السريع وقائدها حميدتي”. ولفت إلى أن القاهرة “باتت مصدر ثقة للإدارة الأميركية أخيراً على صعيد ملف الأزمة السودانية”.
وترفض مصر ضمنياً أو علناً، وفق مصدر مصري مسؤول تحدث لـ”العربي الجديد”، النوايا التي أعلن عنها حميدتي أخيراً عبر تسجيل صوتي، بتشكيل حكومة في المناطق الخاضعة لسيطرته. وأضاف المصدر أن “الموقف المصري يرفض مقترح الكونفدرالية بوصفه خطوة أولية لتفكيك السودان، بما يهدد أمن المنطقة بالكامل”.
وقال المصدر نفسه إنه “في الوقت الذي فشلت فيه عملية تعويم حميدتي دولياً، استطاعت القاهرة أخيراً، دعم قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، مع التأكيد على شرعيته في المرحلة الراهنة، مستغلة النجاح الأخير في تحويل دفة الوضع الميداني لصالحه، في إقناع واشنطن بدعمه ولو مؤقتاً إلى حين الوصول إلى صيغة حل توافقية دولية وإقليمية”.
من جهة ثانية رجح دبلوماسي سابق أن تكون زيارة السيسي إلى الإمارات قد شهدت “تفاهمات حول مصالح مشتركة، ومطالب من جانب القاهرة، التي تحتاج لدعم مالي واقتصادي عاجل”.
وأوضح أنه “في ما يتعلق بالوساطة الإماراتية بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة، فإن القاهرة، لم تلمس دعماً إماراتياً لموقفها، بقدر ما لمست تحركاً من أجل الحفاظ على مصالحها (الإمارات)”. وشدد على أن “أبو ظبي كان بإمكانها ممارسة ضغط فعّال على إثيوبيا إذا كانت تريد ذلك فعلياً، لكن ذلك لم يحدث”.
في غضون ذلك قال الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عمار فايد، في حديث لـ”العربي الجديد” إنه “لا يمكن الجزم بأجندة الزيارة، لكن من المؤكد أن الملف الاقتصادي كانت له الأولوية في المباحثات”.
ولا يرى فايد أن هناك حالياً ما يشغل الرئيس المصري مثل “احتواء الأزمة الاقتصادية وتسريع وتيرة جلب أموال من الخارج”، مضيفاً أن “الملف السوداني أصبح أزمة مزمنة، وبالتالي قد لا يستدعي زيارة مفاجئة للسيسي، طالما أنه لا يوجد تطور يستدعي ذلك”.
وبالنسبة إلى ملف سد النهضة، أشار فايد إلى الزيارة التي قام بها الرئيس الإماراتي إلى مصر الشهر الماضي قبيل توجهه لأديس أبابا، ولعبه دوراً في عودة المفاوضات الثلاثية، معتبراً أن النتيجة “كانت فشل جولة المفاوضات ثم انتهاء إثيوبيا من الملء الرابع ومن طرف واحد كالمعتاد”. وأضاف أنه “ربما ذلك جعل مصر تطلب المزيد من الضغوط الإماراتية على إثيوبيا”.
بدوره، قال أستاذ العلاقات الدولية عصام عبد الشافي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن زيارة السيسي إلى أبو ظبي، مرتبطة بعدة ملفات، “الأول هو الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها النظام، والتي تدفعه للبحث عن مصادر تمويل، والإمارات هي أحد أهم المصادر التي يراهن عليها في هذه المرحلة، سواء من خلال عروض الاستحواذات على بعض الشركات، أو تيسيرات في عدد من الموانئ والقطاعات الاستراتيجية في مصر”.
أما الملف الثاني بحسب عبد الشافي فيتعلق بالسودان، “خصوصاً بعد زيارة البرهان للقاهرة (أواخر الشهر الماضي) وتحولات الوضع في السودان”، فيما الملف الثالث “هو ملف ليبيا، في ظل تحريك عدد من القوات المسلحة المصرية إلى شرقي البلاد”.
واعتبر عبد الشافي أن هذا التحريك يتم بالتنسيق “مع الإمارات، لأن النظامين متعاونان بدرجة كبيرة ومتفقان في الرؤى على دعم شرقي ليبيا وخليفة حفتر”.
إلى ذلك قال مدير “مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان”، أحمد المفتي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “زيارة السيسي للإمارات، ينبغي أن تفهم في ضوء العلاقات الاقتصادية والسياسية المتينة بين البلدين والتي تحرص مصر على عدم تعكيرها، بالتقارب المحسوب جداً للأزمة السياسية في السودان، التي تلعب الإمارات دوراً كبيراً فيها”.
ويعني ذلك بحسب المفتي، أن “أحد أهم بنود أجندة زيارة الرئيس السيسي إلى الإمارات، يتعلق بالجهود المصرية القادمة في الأزمة السودانية”.
العربي الجديد