التبسيط والتركيب في أسس التفكير في الحرب:
يرى الكثير من المعلقين أنه لا يوجد فرق بين الجنجويد والجيش، وبالتالي فإن الموقف الصحيح هو اعتماد الحياد بين طرفي الحرب السودانية. ولكن هذه طريقة مقاربة خاطئة وبالتالي تقود إلى نتائج خاطئة أو إشكالية على أقل تقدير.
السؤال الذكي ليس له علاقة بما إذا كان الجيش متفوقا أو أدنى من الجنجويد في مسابقة جمال أخلاقي.
السؤال الحقيقي الذي ينبغي أن يضبط ويوجه التفكير والمواقف هو ما هي العواقب التي سترثها الأمة والسياسة والمجتمع إذا انتصر الجنجويد، أو انتصر الجيش، أو انتهت الحرب بالتعادل. من الواضح أن عواقب كل سيناريو تختلف جذريًا ويجب على كل شخص أن يختار جانبه اعتمادًا على المزايا والمشاكل التي يخلقها تحقق أي من السيناريوهات.
ومن الواضح أن من يعتقدون أن السودان سيكون أفضل إذا انتصر الجنجويد وتم سحق الجيش عليهم أن يدعموا الجنجويد صراحة كما يقع عليهم واجب صياغة حجة تقنعنا بالانضمام لموقفهم الذي يحقق مصلحة السودان. والأمر نفسه ينطبق على من يعتقدون أن انتصار الجيش سيخلق عالماً اجود أو على الأقل عالما مشوهاً وإشكالياً، لكنه يظل أفضل من عالم يشكله ويسيطر عليه الجنجويد.
لكن موقف الحياد يبدو هو الاغرب لأن الوقوف على مسافة متساوية بين الجانبين لا يمكن الدفاع عنه إلا إذا أمكن القول بأن السودان الذي سيخرج من الحرب لن يتأثر بتاتا بمن يفوز ومن يخسر وسيكون جيدًا أو سيئًا بنفس القدر بغض النظر عن انتصار الجيش أو الجنجويد. لكن هذه الحجة لا تبدو منطقية على الإطلاق لأنه من المستحيل القول إن مصير السودان لن يتأثر أو يتشكل بأي درجة استنادا على من يفوز ومن يخسر. الحرب
اتعاطف مع وادعم تمامًا الأصوات المدنية التي تفهم أن كلا من الجيش والجنجويد يجب أن يخرجا من السياسة. ولكن علينا أن نتذكر شعار الثورة وكان ولا يزال “العسكر للثكنات والجنجويد ينحل” ولم يساو الشعار بين جهة واجبة الحل والفناء وجهة عليها الانسحاب من المشهد السياسي الي ثكناتها.
وأن هذه حرب تدور رحاها بين ميليشيا وجيش وأن الحركة الديمقراطية المدنية لن تخرج منتصرة من هذه الحرب لأن القتال الماثل هنا الان سينتهي بانتصار الميليشيا أو الجيش، وليس بانتصار لقوي مدنية لا بندقية لها ولا عصا ولا نبلة. وبالطبع فإن القوى المدنية الديمقراطية، وأنا منها، ستعمل على تغيير معادلة الحكم، ولكن هذا حلم ويمكن تحقيقه على المدى الطويل أو المتوسط في أحسن الأحوال وليس في المدي القصير عقب نهاية الحرب مباشرة.
ودعونا لا ننسى أن المدى الطويل يتكون من سلسلة ما يحدث في المدي القصير، وهذا يعني أن الوضع الذي سينتهي عليه السودان على المدى المتوسط والمدى الطويل يعتمد إلى حد كبير على ما يحدث في المدى القصير – أو بعبارة اخري سيتحدد المستقبل السياسي – بما في ذلك ممكناته ومستحيلاته – بهوية من سينتصر في الحرب.
اختلفنا ام اتفقنا مع داعمي الجيش يجب الا نغفل عن ان موقف الكثير منهم، اخطأوا ام أصابوا، على الأقل يمكن تبريره بدفاعهم عن الدولة السودانية لا عن قيادة الجيش الحالية ولا تاريخ انتهاكاته ولا دفاعا عن كيزان. وهذا التفسير واضح في حالة الكتاب الذين يخلو تاريخهم الطويل من دعم أي حكم عسكري أو دكتاتوري أو إسلامي وهكذا يأتي موقفهم مبنيا على تقدير امين لا دخل للمصلحة الخاصة أو الحزبية فيه.
لذلك لا افهم مزايدات أصوات تدعي المدنية والديمقراطية على هذه الأصوات الامينة وبالذات مزايدات القوي التي تحالفت مع نفس الجيش وبنفس قيادته عقب سقوط نظام البشير – لا دفاعا عن الدولة السودانية، بل بهدف اقتسام كيكة السلطة معه وفي حماية بندقيته ونامت دهرا معه في العسل نوما مثاليا متناغما. وكانت هذه القوي جاهزة لتجديد شراكة العسل مع نفس الجيش وإذا بها فجأة تكتشف انه جيش فاسد يسيطر عليه الكيزان، ولكن فقط بعد ان اختلفت المصالح وكوش الجيش علي جل الكيكة. فتأمل.
هناك فرق بين قوي تحالفت مع الجيش للالتفاف على الثورة السودانية واجهاضها بقسمة كيكة السلطة وبين أصوات ناصرت الجيش دفاعا عن مؤسسات دولة سودانية من غير أي مكسب شخصي أو حزبي آني أو مستقبلي أو في ماض.
في الدولة المدنية الديمقراطية المستقبلية، يجب على المناهج المدرسية تدريس الفلسفة والمنطق ونظرية المعرفة والمنهج لتمكين المواطن من التفكير المعقد وعدم الوقوع في فخ التبسيط المخل الخطير. الشعب لا يحتاج مفكرين يفكرون نيابة عنه، المطلوب هو انتاج شعب قادر على التفكير بنفسه لنفسه.
ونحن بحاجة أيضاً إلى خلق مواطن شجاع لا يهاب الكيزان وفي نفس الوقت لا يهاب إرهاب الاتهام بالتواجد في معسكر الإخوان. من يخاف تهم دعاية جزافية بمناصرة الكيزان قد يسبب نفس اضرار الذين انحنوا للكيزان رهبة.
معتصم أقرع