عبد الرحيم دقلو.. يُتهم على نطاق واسع بأنه من قاد عملية فض اعتصام القيادة العامة
عبد الرحيم حمدان دقلو الرجل الثاني في قوات الدعم السريع السودانية، وهو شقيق رئيس قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، ولد في سبعينيات القرن الماضي وتدرج في المناصب العسكرية في قوات حرس الحدود إلى أن وصل لرتبة عقيد مع تشكل “الدعم السريع”، وبدأ بالظهور العلني تدريجياً مع سقوط البشير.
يوم 6 سبتمبر/أيلول 2023 فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على عبد الرحيم دقلو إثر اتهام القوات التي يديرها في دارفور بارتكاب انتهاكات وحشية ضد المدنيين، وهو ما اعترض عليه دقلو في ظهوره الأول العلني منذ بدء الحرب قائلا إن العقوبات الأميركية ضده مجحفة.
ولد عبد الرحيم حمدان دقلو في إحدى قرى ولاية جنوب دارفور مطلع سبعينيات القرن الماضي منحدرا من فخذ المحاميد من قبيلة الرزيقات الهلالية البدوية العربية التي لها عمق شعبي كبير في دارفور وكردفان وتشاد وعدد من دول أفريقيا والمعروفة بامتهان التجارة والرعي، وهو شقيق قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو.
وبحسب مصادر مقربة من الأسرة، فإن دقلو الأكبر انخرط ضمن حرس الحدود، وهي قوات قوامها الأغلب من القبائل العربية استخدمها نظام الرئيس المعزول عمر البشير لقتال المتمردين في إقليم دارفور خلال الحرب الطويلة التي خاضها ذلك النظام منذ العام 2003 لأكثر من 12 عاما.
حاز عبد الرحيم على رتبة رقيب أول خلال نشاطه في قوات الحرس، وعند تأسيس قوات الدعم السريع في العام 2013 كان قد وصل إلى رتبة عقيد.
وبالتوازي مع النشاط المسلح في قوات حرس الحدود والحياة البدوية الصعبة كان لآل دقلو نشاط تجاري واسع بتأسيس شركات تعدين وتنقيب عن الذهب بتسهيلات من السلطات في الخرطوم، فاتجه عبد الرحيم إلى تأسيس شركة الجنيد التي تدير عددا كبيرا من الأنشطة والشركات الفرعية ويمتد نشاطها بين الخرطوم ودارفور ومدن أخرى.
ويسيطر الشقيقان (حميدتي وعبد الرحيم) على عدد من مناجم الذهب في السودان حسب منظمة “غلوبال ويتنس”، ويترأس عبد الرحيم مجلس إدارة شركة الجنيد متعددة الأنشطة، والتي أسسها في العام 2009، ثم توسعت على نحو لافت وزاد نشاطها في مجال التعدين والتنقيب عن الذهب بمناطق عدة داخل السودان، لكن نشاطها الأبرز تركز في دارفور.
بعد توليه القيادة العسكرية لقوات الدعم السريع نائبا لشقيقه في العام 2018 بدأ عبد الرحيم في الظهور كلاعب بالمسرح السياسي بانيا علاقات واسعة مع قادة نظام البشير، ولا سيما المنظومة الأمنية الضيقة ممثلة في قادة جهاز المخابرات ووزارة الدفاع، بهدف تطوير قوات الدعم السريع التي أجيز لأجلها قانون خاص في البرلمان السوداني عام 2017 منحها قوة استثنائية يستعين بها النظام في مواجهة معارضيه وحماية رموزه.
بدأ عبد الرحيم بالظهور العلني والتدريجي خلال الأنشطة ذات الصلة بقوات الدعم السريع، وذلك بالتزامن مع تزايد تحركات الشارع ضد نظام البشير في نهاية عام 2018، وارتفعت الأصوات المنادية بإسقاطه في احتجاجات قابلتها قوى الأمن بالعنف المفرط.
حينها قرر حميدتي الابتعاد عن المشهد وسحب قواته بعيدا، قبل أن يبعث رسالة إلى المتظاهرين يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 2018 مفادها أن قوات الدعم السريع لن تتعرض للمحتجين والمتظاهرين، وقد وُصف بالتمرد المبكر على البشير.
ويبرر عبد الرحيم ما حدث في حوار صحفي أجري معه في مارس/آذار 2021 قائلا “شعرنا بأهمية أن تكون قواتنا موجودة لحماية الثوار، وفي ذلك الوقت كنت أتهيأ للسفر إلى الإمارات يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 2018، وقبل مغادرتي طلبت من حميدتي ألا يدخلنا في أي إشكالات، فاتفق معي وطمأنني، لكن بعد سفري بيوم واحد قال في خطابه في قرية طيبة الحسناب كلاما خطيرا أعلن فيه الانحياز للمحتجين، وهو أمر قد يشكل خطرا على قواته بل حياته، لأنه إعلان صريح بالمواجهة مع نظام البشير ورأسه، مما اضطرني لقطع سفري والعودة إلى البلاد في اليوم التالي”.
وروى عبد الرحيم الأدوار التي لعبها في الأيام الأخيرة لسقوط نظام البشير وتفاصيل الاجتماعات التي عقدت قبل اتفاق كبار جنرالات الجيش والأمن على تنحية البشير واستلام السلطة.
شارك عبد الرحيم دقلو -حسب قوله- في ثلاثة اجتماعات من اجتماعات اللجنة الأمنية التنفيذية، ثم أناب عنه مدير استخبارات قوات الدعم السريع في الاجتماعات بعد أن طلب منه عدم الاستجابة لأي طلب لقمع المتظاهرين.
وقال “غادر حميدتي إلى دارفور نهاية مارس/آذار 2020، أي قبل أسبوع من وصول طلائع المتظاهرين إلى القيادة العامة للجيش، وكلفني بتسلم مهامه في اللجنة الأمنية العليا وحماية المتظاهرين”.
وبعد الموافقة على تنحية البشير تولى عبد الرحيم مهمة نقله والتحفظ عليه، وعن هذه اللحظات يقول “دخلت البيت، وتسلمنا منه المفاتيح، وقام بفتح الخزائن فعثرنا فيها على مبالغ كبيرة باليورو والدولار والجنيه السوداني ومستندات حكومية، وقبل أن نأخذه إلى السجن طلب مني البشير السماح له بالذهاب إلى منزله لأخذ دوائه لكني رفضت طلبه”.
يُتهم عبد الرحيم على نطاق واسع بأنه من قاد عملية فض اعتصام القيادة العامة يوم 3 يونيو/حزيران 2019، حيث هاجمت تشكيلات أمنية مختلفة -بينها قوات بزي الدعم السريع- المعتصمين الذين رفضوا مغادرة محيط القيادة العامة قبل تسليم السلطة إلى حكومة مدنية، لكن حميدتي وشقيقه ظلا ينفيان هذه الاتهامات ويؤكدان أن ما حدث كان خيانة، إذ جرى تحريك قوات الدعم السريع من دون مشورة القيادة.
وأدت تلك الحادثة إلى اعتقال اللواء الصادق سيد أبرز ضباط الجيش المنتدبين لقوات الدعم السريع، إذ اعتقله حميدتي ووضعه في الحبس بعد إخضاعه لتحقيق داخلي، لكن بعد يومين من نشوب الحرب منتصف أبريل/نيسان 2023 اقتحمت قوة من الجيش معتقل “الدعم السريع” في محلية كرري شمال أم درمان وحُرر اللواء الصادق سيد.
لفت عبد الرحيم الأنظار وهو يتحدث بشكل واضح عن هواجس الجيش ومخاوف قائده العام عبد الفتاح البرهان من التعرض لهجوم في القيادة، وذلك قبل نحو أسبوع من اندلاع القتال الشرس بين الجيش وقوات الدعم السريع، وقتها كان قادة الجيش ينكرون وجود خلافات بين القوتين ويؤكدون أنهما على قلب رجل واحد.
لكن صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية نشرت تقريرا أواخر الأسبوع الأول من أبريل/نيسان 2023 حمل تصريحا لعبد الرحيم وهو يقول “إن البرهان بنى جدارا عاليا من الإسمنت حول القيادة ليحمي نفسه”.
وأوضح عبد الرحيم أن “البرهان لا يهتم بما يحدث خارج الجدار ولا يهتم إذا كانت بقية البلاد تحترق”، وفق تعبيره، وكان هذا الحديث كافيا للكشف عن مستوى عمق الخلافات بين الطرفين.
بعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل/نيسان 2023 انتشرت مقاطع فيديو لعبد الرحيم دقلو، وحظيت باهتمام واسع وكان ظهوره المتقطع دليلا على نجاته من الموت بعد أحاديث عن مصرعه خلال اشتباكات وقعت في حي المطار قرب قيادة الجيش عقب أيام من اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم.
ظهر عبد الرحيم محاطا بالجنود وهو يأسف لقتال الجيش ويدعو عناصره للالتحاق بقوات الدعم السريع، ثم ظهر مجددا في 31 مايو/أيار 2023 داخل دبابة وهو يهدد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
وتؤكد روايات مختلفة أن عبد الرحيم يتولى فعليا قيادة القوات وإصدار الأوامر مباشرة بعد تفويضه بذلك من شقيقه حميدتي، لكنه بعد أشهر عدة من ظهوره تبين أنه غادر السودان، إذ وصل إلى دارفور ومن هناك إلى تشاد ثم كينيا.
وفي 6 سبتمبر/أيلول 2023 أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على عبد الرحيم حمدان دقلو وقائد القوات في ولاية غرب دارفور عبد الرحمن جمعة، وبموجب هذه العقوبات ستجمد واشنطن أي أصول يملكها عبد الرحيم في الولايات المتحدة وتمنع المواطنين الأميركيين من التعامل معه، وهي أول عقوبات تفرض منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل/نيسان 2023 على شخصيات عسكرية من الجانبين.
وقد أوضح بيان وزارة الخزانة أن سبب فرض العقوبات على عبد الرحيم هو قيادته “للدعم السريع”، وهي قوات متهمة بأعمال عنف وانتهاكات لحقوق الإنسان ومذابح ضد المدنيين والقتل العرقي والعنف الجنسي.
كما ترتبط العقوبات أيضا بشكل أوسع بالتعاون والتعامل بين قوات الدعم السريع ومجموعة فاغنر الروسية وملف الذهب والسلاح الذي يديره عبد الرحيم.
وتستند الإدارة الأميركية إلى أدلة متعلقة بقصف مساكن المدنيين ومنع حركة الأشخاص وتعذيبهم واعتقالهم داخل وحدة عسكرية في الخرطوم خلال الحرب.
وفي أغسطس/آب 2023 التقت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع براميلا باتن بعبد الرحيم دقلو وعبرت له عن مخاوف جدية بشأن تزايد العنف الجنسي في الخرطوم ودارفور، ولا سيما الحالات التي تورط فيها حاملو السلاح التابعون لقوات الدعم السريع.
ويعد هذا القرار تابعا لقرار سابق صدر في يونيو/حزيران 2023 يفرض عقوبات أميركية على أربع شركات تابعة للجيش السوداني وقوات الدعم السريع في إقليم دارفور
وفي 6 سبتمبر/أيلول 2023 -وهو اليوم ذاته الذي صدرت فيه العقوبات الأميركية – أصدر عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش مرسومين دستوريين، قضى الأول بحل قوات الدعم السريع، والآخر بإلغاء قانونها للعام 2017 والمعدل في 2019، والذي منحها استقلالية عن الجيش وذلك بسبب إلغاء مادة في القانون تنص على خضوعها للقوات المسلحة.
وأوضح المجلس أن سبب القرار هو ممارسات التمرد التي قامت بها قوات الدعم السريع على الدولة، وقيامها بانتهاكات جسيمة ضد المدنيين، والتخريب المتعمد للبنى التحتية، ومخالفتها القواعد والأهداف والمبادئ التي أنشئت لأجلها.
ويلغي قرار البرهان كل أشكال الحصانة عن المنتسبين لقوات الدعم السريع -بمن فيها قادتها- ويسمح للقضاء بملاحقتهم داخل السودان وخارجه.
الجزيرة نت