(40) يوماً في معتقلات مليشيا الدعم السريع المتمردة؛ تفاصيل مأساوية يحكيها السفير السوداني كمال عثمان

(40) يوماً في معتقلات مليشيا الدعم السريع المتمردة؛ تفاصيل مأساوية يحكيها السفير السوداني كمال عثمان

بينما كان يبحث عن العلاج لوالده المريض في محيط منطقة الصحافات “شرق وزلط” أوقفت مليشيا الدعم السريع المتمردة السفير بوزارة الخارجية السودانية كمال عثمان، واختطفته وأذاقته شتي أصناف التعذيب والترهيب وألقت عليه التهم جزافاً مثله مثل آلاف المعتقلين الأبرياء الذين تم اعتقالهم من الشوارع بتهمة التبعية للاستخبارات العسكرية.

يحكي السفير كمال عثمان قائلا: تم اختطافي في الثاني من مايو بعد اسبوعين من الحرب المشؤومة “اختطفوني وكنت في حالة اسعاف للوالد”، فبعد أن ارجعت الوالد الي المنزل ذهبت للبحث عن العلاج فتم اعتقالي بالقرب من مستشفي ابراهيم مالك، حيث أوقفتني مجموعة من متمردي الدعم السريع وبدأو في استجوابي وأخذوا “هاتفي الجوال” واستدعوا المزيد من القوات واتهموني بأنني ضابط في الاستخبارات العسكرية، اقوم بتزويد الطيران الحربي باحداثياث تواجد قوات الدعم السريع، واوسعوني ضرب باعقاب البنادق والخراطيش لكي اعترف بشيء لا علاقة لي به؟

اخذوا سيارتي وصوبوا علي البنادق الي ان وصلت الي ارتكاز بالقرب من محطة “7” بالصحافة، ومن هنا قاموا بتغطية عيوني بقماش، واخذوني من الارتكاز الي “حوش كبير” جنوب جهاز المغتربين لمقابلة القائد وتم استجوابي مرة اخري وتفتيش الموبايل وتفتيش شخصي وانا مقيد، عرفت لاحقاً أن هذا المكان هيئة العمليات التي كانت تتبع لجهاز المخابرات العامة شرق المطار.

ثم ” حولني القائد الصغير الي قائد آخر وبدأ يستخرج بعض المعلومات من التلفون، واتهمني بانني تابع لاستخبارات الجيش، فقلت له “أنا دبلوماسي” فأجاب “الدبلوماسي عسكري! ودخل معي القائد الأخير في مساومة واعداً بإطلاق سراحي مقابل صيد ثمين مثل ” ياسر العطا – كباشي – علي كرتي – غندور – اسامة عبدالله “.

تم نهب سيارتي وتقرر ادخالي للمعتقل، وتم تحويل من هذا الموقع الي موقع اخر بعد أن قاموا باغلاق أعيني، وهناك – تم استجوابي مرة اخري وسألوني عن وظفيتي في الخارجية والدور الذي أقوم به، فأخبرتهم بأنني مسؤول من قسم التوثيق وشرحت لهم طبيعة عمل القسم لانهم اعتقدوا ان التوثيق له علاقة بالوثائق والمخطوطات والاوراق الرسمية المهمة للدولة.
وصف السفير كمال الوضع داخل معتقلات مليشيا الدعم السريع بالسيء، وقال أنه مر بتجربة إنسانية مريرة لا زال يتعالج منها طبياً ونفسياً، وزاد “أعاني من مرض مزمن وأعيش بدعامات في القلب” وأخطرت من اختطفوني واعتقلوني بذلك الا أنهم وضعوني في بيئة سيئة للغاية ترتفع فيها درجات الحرارة وتقل فيها نسب الاوكسجين والهواء”.

وأوضح أن المعتقلات لا توجد بها مياه ولا حمامات لقضاء الحاجة، ويتم فقط توفير جرادل لقضاء الحاجة داخل المعتقلات ولا يتم تفريغها وتترك لتسيل علي الارض داخل المعتقل مما تسببت في مرض ووفاة بعض المعتقلين، وزاد ” حدث لي اغمائين في المعتقل بسبب الوضع الصحي والبيئي السيئ “.

وبدي علي السفير التعجب والحزن وهو يقول ” لا يوفرون لنا الماء لقضاء الحاجة والصلاة فنعمد للتيمم والجمع بين الصلوات”.

وأشار الي أن تطوع بعض المختطفين داخل المعتقلات لمعالجة المختطفين الذين يعانون من إصابات أو معاناة مع أمراض مزمنة لا يعجب المتمردين ويقابلونه بالترهيب واطلاق النار الكثيف في الهواء، واستشهد في ذلك بوفاة أحد المعتقلين الذي تزامن مع دخوله للمعتقل حيث بدأ بعض المعتقلين في تجهيز المتوفي وهم يكبرون ويهللون ومن ثم الصلاة عليه، قال هذه الاشياء يقابلها متمردي الدعم السريع بالاطلاق الكثيف للرصاص!

ومن مشاهداته داخل المعتقل قال السفير كمال “اتضح لي ان مليشيا الدعم السريع تعتمد في علاج منسوبيها ومعتقليها علي نهب الصيدليات والسوبرماركتات ومحلات الموبايلات، وأضاف في احد الايام يبدو انهم نهبوا محلاً لبيع الشوكلاته اذ إمتلأ المعسكر والمعتقل بكراتين وعٌلب الشوكولاته !” .

ومن ضمن مشاهداته ومعايشته الواقعية قال السفير كمال “وجدت ضمن المعتقلين قاضياً في محكمة الاستئناف، تم اعتقاله من صف العيش، وآخر رجل أعمال اعتقل من المجاهدين ترك زوجته الحامل التي تعاني من حالة نزيف لوحدها اغلق عليها المنزل وخرج ليبحث لها اسعاف فتم اعتقاله، وآخر ملطخ بالدماء اتضح انه موظف بالضرائب أٌعتقل في شرق النيل بتهمة انه طيار مصري، وعدد من منسوبي جهاز المخابرات تم اعتقالهم من مجمع سكني من وسط اسرهم بشارع الصحافة زلط، وعدد من منسوبي القوات المسلحة والشرطة لا علاقة لهم بالعمليات الحربية تم اعتقالهم من المواصلات، بالاضافة لعدد من معتقلي الاحتياطي المركزي تم اعتقالهم بالسوق العربي، وبعض مروجي المخدرات الذين اعتقلوا بذات الاتهام.

ويضيفون علي الاتهام اعلاه إتهامات آخر (بالانتماء للكيزان او اي من الاجهزة الأمنية) علماً بأنه ضمن المعتقلين ميكانيكيين وعمال بالمهن الهامشية.

بعد أسبوع من الاعتقال قال السفير كمال “تم استدعائي من المعتقل وتحويلي لمعتقل آخر فردي، ومنه تم تحويلي للجنة التحقيق التابعة لمليشيا الدعم السريع” بمقر الجامعة العربية بجوار الادلة الجنائبة، واذكر انني رأيت ضمن أعضاء اللجنة محامي احسب أنه ينتمني لأحد الأحزاب العقائدية، اظنه قد انضوي تحت لواء الدعم السريع برتبة عسكرية.

وألمح السفير كمال الي انه ومن خلال الفترة التي قضاها في المعتقلين تلمس ان القوة المتمردة لديها محظورات وتفرقة عنصرية وعرقية وقبلية وجهوية في داخلها وخارجها، فيجب الا تكون نظامياً أو دنقلاوياً أو شايقياً أو جعلياً والا يكون لديك اي لمسة او توجه إسلامي، وأكد أن القبيلة مقدمة علي الرتبة داخل مليشيا الدعم السريع المتمردة.

وروي في حديثه أن احد المحققين جاءه ذات مرة وقال له إن نتائج التحقيق رفعت لقائد منطقة الخرطوم شرق العقيد المتمرد عيسي بشارة، وقال انه طلب مقابلته واشار الي امكانية مقابلة اخري مع قائد ثاني الدعم السريع المتمرد عبدالرحيم دقلو وذلك يوم 5 يونيو 2023م ، فبدأت تهيأة نفسي لكلا المقابلتين.

في مقابلته مع العقيد المتمرد عيسي بشارة، أشار السفير كمال الي ان الحديث معه عن طبيعة عملهم كدبلوماسيين في وزارة الخارجية وطريقة تعاملهم مع المجتمع الدولي والمنظمات الاجنية وكيفية استغلال ذلك لاثارة الدنيا ضد الدعم السريع وما تقوم به من اختطاف لمدنيين لا علاقة لهم بالحرب.

واصل السفير حديثه قائلاً ” تم إرجاعي للمعتقل مرة اخري وبعد خمسة ايام تم استدعائي لمقابلة اخري كان فيها المتمرد عيسي امبليو ممثلاً لعبد الرحيم دقلو، وبدأ امبليو في تحسين صورة مليشيا الدعم السريع واغرائي باطلاق سراحي اذا التزمت بنقل صورة حسنة عن الدعم السريع.

أثناء إعتقاله في مقر الجامعة العربية المقابل لمباني الأدلة الجنائية بشارع عبيد ختم في شهر مايو المنصرم، أكد السفير كمال انه رأي المتمرد عبدالرحيم دقلو قد ظهر علي متن عربة ووجه حديثاً لبعض منسوبي الدعم السريع، وقال انه ظل خلال تلك الفترة يلاحق متمردي الدعم السريع الذين انشغلوا من القتال بالغنائم والجلوس مع بائعات الشاي والمكوث في بيوت المواطنين ونهبها وذلك لحثهم علي الالتحاق بجبهات القتال.

وأكد السفير أن كل المحبوسين من أفراد مليشيا الدعم السريع المتمردة اجمعوا علي انهم لم يقابلوا “حميدتي” منذ وقت طويل .

المحطة الأخيرة في لحظات اعتقال السفير كانت إتهامه بأنه فريق بالجيش السوداني، وقال السفير “حاولوا الاستوثاق من المعلومة من المتمرد عثمان عمليات وحسن محجوب للتأكد من المعلومة وارجعوني للمعتقل وغرفة التحقيقات وبعد التأكد من أنني لا صلة لي بالجيش تم اطلاق سراحي.

بحزن وأسي روي السفير تفاصيل عودته الي المنزل بعد (40) يوم من الاعتقال المأساوي بواسطة مليشيا الدعم السريع المتمردة في السودان ، وقال “عندما خرجت من المعتقل كانت حالتي سيئة وكنت عباره عن هيكل عظمي ولم يتعرف أبنائي عليَ”.

Exit mobile version