🔴حرب الإستنزاف ومعركة تحرير الخرطوم ..سيناريوهين متوقعين
حرب الإستنزاف ومعركة تحرير الخرطوم
بعد نهاية مرحلة الصدمة الأولى inital impact وخروج الجيش منها بإنتصار عسكري كلاسيكي دون استسلام الميليشيا، تحولت بعدها الحرب لفترة وجيزة لمرحلة محاولات اكتساب الأرض من قِبل الجيش، والتي أدرك قادة الجيش عدم مقدرتهم على الخوض فيها بالوضع العسكري الراهن آنذاك حيث أن سياسة الإنتشار برغم مساوئها العسكرية إلا أن تمنح الميليشيا بعض المزايا:
١- إنتصار إعلامي بامتلاك مساحات أكثر من الجيش.
٢- قدرة دفاعية، حيث أن قوات الدعم السريع المنتشرة تنجذب لأصوات الرصاص مما يحول أي محاولة لإكتساب الأرض من الجيش إلى معركة ضخمة على أرض الميليشيا حيث أنها قد تتخلى عن جميع قواتها في محيط بضع كيلومترات بشرط العودة لها مجدداً من أجل التصدي لأي تقدم عسكري مما يجعل الموازين في صالح الميليشيا من ناحية الأعداد ومحاور الهجوم، ويمكن أن نتصور هذه الآلية في العمل عن طريق عمل محاكاة لمعركة مُتخيلة battle simulation ربما أفردها في منشور مختلف نظراً لطولها.
٣- القدرة على عرقلة أي تحركات عسكرية حيث أن إنتشار الارتكازات والقناصة يمكن الميليشيا على التجهيز المبكر لأي متحرك يتبع للجيش حتى دون أي مجهود استخباراتي عالي.
٤- إستخدام المناطق السكنية والمدنية كدروع ضد سلاح الجو والقصف المدفعي.
٥- عدم الحاجة إلى التموين الغذائي حيث أن الميليشيا تنتهج السرقة لتوفير الغذاء والماء وتتركز عمليات تهريبها على الذخيرة والسلاح.
٦- وفرة الغنيمة للمرتزقة حيث أن آلية الدفع لهؤلاء المرتزقة تقوم على اغرائهم بأنهم قادرون على اقتحام أي منزل يرغبون فيه وسرقة ما يتمنون كمقابل مادي للقتال.
ولكن سياسة الإنتشار الواسع أيضاً لها عيوبها:
١- أي تواجد في المناطق المفتوحة يكون عرضة لضرب الطيران.
٢- السيطرة على قوات منتشرة لدرجة كبيرة بدون هيكل قيادي واضح يؤدي للكثير من التفلتات ناهيك عن كونهم مرتزقة، لذلك نشهد العديد من الاشتباكات بين أفراد الدعم السريع فيما بينهم ومجهود ما يسمى جزافاً بالشرطة العسكرية لديهم للسيطرة على هذه القوات.
٣- نسبة الاستجابة للاوامر أو لأصوات المعارك يخضع لعوامل مثل المعنويات ورغبة الأفراد في القتال، لذلك تجد كثيراً أن الدعم السريع يخوض معارك محتدمة في حين أن مجموعات منهم تواصل النهب في مناطق قريبة أو أنهم يختبؤن من الاستنفار للمعارك.
تقوم سياسية الاستنزاف بالأساس على مفهوم أن الوضع العملياتي والتقديرات العسكرية تشير إلى أن تقدم الجيش غير ممكن بسبب قدرات العدو، لذلك يتم إتخاذ وضعية الدفاع المُطلق في معسكرات الجيش التي -تُشكل الأهداف العسكرية للعدو- وتركه يهاجم لتكبيده خسائر أكبر تتركز على ما لا يمكن للعدو تعويضه، وفي حالة حرب السودان فقد اتخذ الجيش معسكراته الكبيرة معاقلاً تاركاً الميليشيا تهاجمهه مع استخدام ميزة السيطرة الجوية والمدفعية الثقيلة لتكبيد الدعم السريع خسائر في محورين أساسيين:
١- المقاتلون المتمرسون veterans الذين خاضوا كثير من المعارك وشهدوا إنتصارات ولديهم خبرات فردية عالية في التصويب واستخدام الأسلحة ومهارات تقدير الكثافة النيرانية في التقدم أو الإنسحاب التكتيكي.
٢- العتاد الثقيل مثل “التاتشرات” التي تعتمد عليها الميليشيا بصورة أساسية والمدرعات.
أما بالنسبة للفترة الزمنية التي تستغرقها حرب الإستنزاف فهي توضع من قِبل غرفة القيادة والسيطرة في بدايتها ويتم تحديدها عبر واحدة من آليتين:
١- تحديد نسبة أو أهداف محددة للخسائر تُفضي لنتائج محددة على أرض المعركة، مثل تحديد قدر محدد من الخسائر يؤدي إلى إتباع العدو نسق محدد في القتال أو الوصول بالخسائر لحد يجعل الميليشيا تعجز عن القيام بتقدمات عسكرية بشكل محدد.
٢- تحديد فترة زمنية محددة تكون تقديرية لإحداث كم مُتوقع من الخسائر في العدو، وتُحدد هذه الفترة منذ بداية حرب الإستنزاف والأخذ بها كمسلّمة إلى حين نهايتها.
منذ بداية حرب الإستنزاف، سنجد أن الميليشيا كانت تترنح في حالات من الضعف والقوة بناءاً على إمداد الوقود والذخيرة والضغط الذي يشكله الجيش بالطيران والمدفعية وقوات العمل الخاص، كما أن الميليشيا وصلت لمرحلتي ضعف بارزتين هما بعد معركة الاحتياطي المركزي-الخرطوم حيث أنهم -وبرغم الإنتصار- خسروا كثير من المقاتلين المتمرسين والعتاد في تلك المعركة وانعكست تداعيات هذه المعركة في شكل اختلافات داخلية بسبب المحرقة التي اتخذتها الميليشيا كتكتيك للهجوم كما أن نقص الوقود والذخيرة الذي تبع المعركة شل حركتهم بصورة ملحوظة لبضعة أيام حتى أن هجماتهم بعدها على الاحتياطي المركزي-أمدرمان وسلاح المهندسين لم تكن بتلك القوة وشكّل هذا الإنتصار نصرهم الأخير حتى الآن.
أيضاً وصلت الميليشيا لحالة ضعف ربما تكون هي أضعف حالاتهم منذ بداية الحرب، كانت بعد خسارتهم لمعركة مدرعات الشجرة الكبرى، كانت هذه الخسارة كبيرة لدرجة ضرب النسيج الأساسي لسياسة الإنتشار، فقد شاهدنا خروج البرهان من القيادة العامة، وخروج عبد الرحمن الصادق المهدي من المدرعات، وتحرك ياسر العطا من المهندسين إلى السلاح الطبي وبالعكس وغيرها من تحركات الجيش في داخل نسيج الإنتشار التابع للميليشيا لأسباب ترجع لقلة كثافة الإنتشار النسبية مع انخفاض مُعدّل الإستجابة للمعارك من قبل عناصر الميليشيا المنتشرين في إطار المعارك.
وكلنا شاهدنا أن الجيش لم يقم بإغتنام هذه “الفرصة الذهبية” كما أسماها اللواء أيوب، ويمكن تفسير هذا التصرف بتأويلات هي سياسية أكثر من كونها عسكرية كالخيانة أو التآمر أو غيرها، ولكن إذا ما أخذناها من ناحية عسكرية فيمكن تفسير هذا التصرف ببساطة بأن مرحلة الإستنزاف لم تكتمل بعد، إما لعدم إكمال أهداف الإستنزاف أو أن فترة الإستنزاف المحددة مُسبقاً لم تكتمل، وإذا ما رجّحنا فرضية أن مدة حرب الإستنزاف موضوعة مُسبقاً فيمكننا أن نستشفي أمدها من تاريخ الحروب، فحروب الإستنزاف قد تستمر لعدة سنين، ولكن أقل فترة للإستنزاف تستمر لحوالي 6 أشهر، وإذا ما أخذنا أن القيادة تنوي الاعتماد على الحد الأدنى في أمد الإستنزاف، فهذا يعني أن حرب الإستنزاف ستستمر حتى نهاية شهر أكتوبر المُقبل قبل الشروع في عملية تحرير الخرطوم.
أما بالنسبة لمعركة تحرير الخرطوم، ففي تقديري أن الجيش ما زال يرغب في أن يستسلم الدعم السريع بدون الدخول في معركة ضخمة تُفضي للكثير من الخسائر في صفوف مُقاتلي الجيش الأساسيين والتي سيحتاج تعويضها لعدة سنين، ولكن في حال رغبت القيادة في خوض معركة عسكرية لتحرير الخرطوم فيمكن أن نضع سيناريوهين لعملية تحرير الخرطوم:
سيناريو الإجتياح البري الشامل
وفي هذا السيناريو يقوم الجيش بعملية برية ربما تكون الأوسع في تاريخهه، حيث يقوم بشن هجوم من 14 محور على الأقل بإستخدام سياسة الضغط من الأطراف مع الضغط من الداخل نحو الأهداف الاستراتيجية والعمل على التحام القوات، تزامناً مع قصف مدفعي وقصف طيران مُركّز على شرق النيل، جنوب شرق الخرطوم وغرب أمدرمان يُحيل هذه المناطق إلى جحيم.
العامل الأساسي في هذه المعركة هو إجبار الميليشيا على تركيز قواتها للدفاع عن هدفين استراتيجيين: كبري شمبات، والقيادات الموزعة في شرق النيل ووسط الخرطوم وجنوب شرقي الخرطوم وترك حماية الأرض للمرتزقة وأفراد الصف الثالث أو الرابع في هيكل الدعم السريع. هذه الخطة ستتحول الخرطوم إلى جحيم من النيران خصوصاً المناطق التي ستكون تحت رحمة القصف المكثف وستكون هذه الخطة ذات خسائر فادحة للمدنيين أولاً ثم للجيش. وفي تقديراتي الشخصية فإن مثل هذه المعركة ستستمر حوالي 12-20 يوم متواصلة من المعارك التي لا تخفت قليلاً إلا في وقت الليل الذي تتعالى فيه أصوات المدفعية والطيران. وأنا شخصياً لا أرجح هذا السيناريو لما فيه من خسائر ولأن عقيدة الجيش تقوم على تقليل الخسائر بقدر الإمكان في مقابل التضحية بالوقت.
سيناريو التحرير المتدرج
وفي هذا السيناريو يقوم الجيش بتحرير الخرطوم تدريجياً بصورة تشبه طلاء الجدران بصورة رأسية من اليسار ابتداءاً من الأعلى ثم النزول تدريجياً إلى الأسفل ثم الانتقال إلى اليمين قليلاً ثم الصعود إلى الأعلى وهكذا حتى ينتهي الحائط، حيث سيبدأ الجيش في تحرير وسط أمدرمان ثم كبري شمبات غرباً، ثم غرب أمدرمان ومن بعدها البداية من أقصى جنوب الخرطوم على الضفة الأخرى من النيل ابتداءاً من الكلاكلة صعوداً بإتجاه الشمال إلى أحياء جبرة الجديدة ومحيط المدرعات وصولاً إلى المقرن والتحام القوات ثم تحييد كبري شمبات شرقاً مع منطقة شمبات وصولاً لأقصى شمال بحري والبدء من هناك مجدداً نزولاً بإتجاه الجنوب وهكذا حتى الوصول إلى المعركة الأخيرة في شرق النيل. وفي هذه المعارك تخفيف للخسائر حيث يستطيع الجيش التقدم بثبات نحو أهداف مسبقة مع إنشاء نقاط دفاعية متحركة تقوم بتأمين المناطق المحررة مع ضمان تضييق الحصار على قوات الدعم السريع وتشتيت دفاعاتهم للتركيز على كبري شمبات واستغلال الفرصة للتقدم الاستراتيجي،
وفي سيناريو كهذا قد يأخذ الأمر ما بين 6-10 أسابيع في أفضل الأحوال، وستكون حدة المعارك معتمدة على تفاعل الميليشيا مع تقدمات الجيش وسط خنق الشريان الأساسي لهم وهو كبري شمبات.
بالطبع هناك سيناريوهات أخرى مختلفة لشكل معركة تحرير الخرطوم، ولكن في تقديري الشخصي هذه هي السيناريوهات الأقرب.
نصر الله قوات شعبنا المسلحة.
أحمد الخليفة