سودانية ترسم البسمة على وجوه الأطفال النازحين بدارفور

كل صباح يقصد أطفال جدد مسكن الشابة صفية الطيب، بمخيم “أبو شوك” للنازحين بالقرب مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (غربي السودان)، لترسم وجوههم في لوحات تجسّد ملامحهم وتنسيهم مرارة الحرب المتجددة في الإقليم هذه الأيام.

وصفية (20 عاما) طالبة بجامعة الفاشر -التي أغلقت أبوابها بسبب القتال في الإقليم- تنشط في العمل الإنساني التطوعي داخل المخيم، ولا تستسلم لدويّ الانفجارات وأصوات القنابل وظروف الفقر المحيطة بها.

واستطاعت الشابة أن تخفف بعض الضغوط على الأطفال من خلال شغفها وموهبتها الفريدة في الرسم، حتى أصبحت محل اهتمام الأهالي والأطفال في أزقة وطرقات أقدم مخيمات النزوح بدارفور.

تقول صفية للجزيرة نت إنها وُلدت عام 2003 وترعرعت في المخيم منذ بدايات الحرب القاسية لأسرة بسيطة مكونة من 6 أفراد، وفي منزل متواضع مشيد بالطين والقش. ولا تنسي أيام الحرب التي عاشتها في طفولتها والتي لم تمنعها من ممارسة هوايتها المفضلة الرسم.

ورغم صعوبة الأوضاع في المخيم، تمكنت صفية من الالتحاق بجامعة الفاشر لدراسة المحاسبة، إلى جانب الاستمرار في صقل موهبة الرسم لديها كما تقول.

وتابعت “أحاول جلب البهجة والسرور إلى وجوه الأطفال الصغار من خلال الأعمال الفنية التي أقدمها لهم لتخفف عنهم مرارة نشوئهم في ظروف الحرب”.

ويلهم نشاط صفية عشرات الفتيات في المخيم اللواتي يواجهن وضعا إنسانيا صعبا ولكن يبذلن جهدا للتخفيف عنهن وعن العائلات النازحة، وخاصة الأطفال، من حولهن.

وترى صفية أن تقديم الدعم النفسي للأطفال بالمخيم قضية ملحة خاصة للذين عاشوا ظروف النزوح بالاشتباكات الأخيرة. وقالت إن رسم وجوههم وشخصياتهم يساعد في إدخال البهجة على أنفسهم، والتخفيف من تأثير الواقع الصعب الذي يعيشونه في المخيم.

ويقول الاخصائي الاجتماعي الدكتور محمد سليمان حامد أتيم إن للحرب آثارا نفسية واجتماعية تظهر على الأطفال من خلال تصرفاتهم اليومية.

وأوضح أتيم -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن ما تقوم بها صفية من دعم نفسي واجتماعي لأطفال المخيم يعد واحدا من أهم البرامج التي تسهم في تخفيف المعاناة عنهم خاصة في ظل أوضاع الحرب التي يعيشونها.

وذكر أن للمتطوعين دورا كبيرا يمكن أن يلعبوه تجاه الصغار والنساء لإخراجهم من دائرة الخوف والقلق والضياع ونسيانهم تجاربهم الصعبة التي يعيشونها خلال الحرب خاصة فيما يتعلق بفقدانهم للمأوى والأصدقاء والعائلة، كما شدد على ضرورة تقديم المساعدات اللازمة للشباب المتطوع وتوفير الموارد اللازمة التي تمكنهم من إحداث تأثير إيجابي على حياة الأطفال الناجين من ركام الحروب في دارفور.

تقول صفية إن أكبر التحديات، التي واجهتها في رسم الأطفال، قلة الإمكانيات وعدم اهتمام الجهات المسؤولة بمثل هذه الأنشطة. وذكرت أنها لم تتلقَ دعما من أية جهة، وكل ما تقوم به من أعمال من جهدها الخاص، مشيرة إلى ارتفاع أسعار الورق والألوان والأقلام.

ودعت الخيّرين والمنظمات والهيئات الانسانية لمساعدتها “وتقديم الدعم النفسي والمعنوي للأطفال المتأثرين بالحرب في المخيمات”.

وتواجه فئات الأطفال والنساء تبعات الحرب التي اندلعت في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، إلى جانب تداعيات الحرب في إقليم دارفور منذ 2003. ويعيش أبناء الإقليم خاصة ظروفا إنسانية في غاية الصعوبة، أبرزها حرمانهم من حقوقهم في الحماية والعيش بسلام.

وطبقا لمصادر تحدثت للجزيرة نت، فإن هناك عشرات الأطفال لقوا حتفهم جراء المواجهات المسلحة بإقليم دارفور خاصة مدن الجنينة ونيالا وزالنجي. وذكرت أن أغلب هؤلاء الأطفال من المشردين في الأسواق فاقدي السند والمأوى قضوا جراء الأعيرة الطائشة، ولكن نظرا لانقطاع الاتصالات عن تلك المناطق منذ اندلاع الحرب لم تتحصل الجزيرة نت على إحصائيات دقيقة حول أعدادهم.

ويقول مدير عام وزارة الصحة شمال دارفور الدكتور عماد بدوي -للجزيرة نت- إن القتال الذي اندلع مؤخرا بمدينة الفاشر تسبب في مقتل نحو 13 طفلا وعشرات الأطفال الجرحى.

وذكر بدوي أن هؤلاء الضحايا نتاج القذائف والأعيرة النارية العشوائية التي اضطرت عشرات الأسر إلى ترك منازلها والذهاب لمناطق أخرى أكثر أمنا.

الجزيرة نت

Exit mobile version