سياسية

سد النهضة: فشل مفاوضات القاهرة ومضمون المسودة الإماراتية

بشكل غامض انتهت جولة مفاوضات سد النهضة الثلاثية (مصر، السودان، إثيوبيا) الجديدة، التي استضافتها العاصمة المصرية القاهرة الأحد الماضي، كما بدأت.
بينما لم يقدم البيان الصادر عن وزارة الري والموارد المائية المصرية، الأحد الماضي، أي تفاصيل بشأن استئناف المفاوضات المعطلة منذ فترة طويلة، ولا أسباباً واضحة لغياب الاتحاد الأفريقي، الذي كانت تتم المفاوضات السابقة تحت مظلته، أكد المتحدث باسم الوزارة المصرية محمد غانم، مساء الاثنين، فشل الجولة، قائلاً إنها “لم تشهد أي جديد”.
في المقابل، أكدت إثيوبيا عبر وزارة خارجيتها في بيان أعقب انتهاء جولة مفاوضات القاهرة، أنها “تسعى لإنهاء مفاوضات سد النهضة مع ضمان حصتنا العادلة من مياه النيل”، في إشارة إلى تمسكها بتخصيص حصة متفق عليها، وهو الأمر الذي لا يزال محل رفض من جانب مصر، التي تتمسك بالحصول على حصتها المقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب.
وفي الإطار، كشفت مصادر مصرية مطلعة على ملف أزمة سد النهضة كواليس المفاوضات الأخيرة، مشيرة إلى أن “الوضع كان أسوأ مما ظهر في البيان الرسمي لوزارة الري المصرية، إذ فوجئ الجانب المصري بتراجع أديس أبابا عن موافقتها على بنود أبدت تجاوباً معها في المفاوضات التي استضافتها الإمارات (6 جولات بين منتصف العام الماضي ومطلع العام الحالي)، ضمن وساطتها بين الدول الثلاث من أجل الوصول لحل أزمة السد”.

مضمون المسودة الإماراتية
وقال مصدر فني بوزارة الري المصرية، اطلع عن قرب على نتائج جولات مسار أبوظبي، إن “استئناف المفاوضات جاء وفق مسودة إماراتية طرحتها أبوظبي خلال جلسات التفاوض التي استضافتها”، مضيفاً في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن المسودة “لاقت موافقة سودانية وقبولاً مصرياً مشروطاً، بينما تعاطت معها إثيوبيا باعتبارها غير نهائية بسبب اعتراضها على بعض بنودها”.

وكشف المصدر أن المسودة “جاءت في ثلاث صفحات، تضمنت ديباجة من فقرتين، تم التأكيد خلالها على مجموعة من البنود، التي يأتي في مقدمتها أن حل أزمة مياه النيل يكون أفريقياً والاعتراف بحق الشعوب في التنمية، والتعاون بين الدول الثلاث من أجل تحقيق أقصى استفادة ممكنة لشعوبها، مع التشديد على أن يكون السد في خدمة الجميع”. وتضمنت المسودة، بحسب المصدر، “بنوداً متعلقة بمشروعات زراعية واقتصادية، تجري بالشراكة بين الدول الثلاث، بالتعاون مع دولة الإمارات”.
وأوضح المصدر أن “المناقشات التي جرت بالقاهرة الأحد الماضي، شهدت تحفظات مصرية على صياغة بندين، أحدهما أشار إلى التكامل القائم على المنفعة المتبادلة”، مشيراً إلى أن “التحفظ المصري جاء لكون الصياغة تفتح الباب أمام فكرة تسويق المياه كسلعة تبيعها أديس أبابا للقاهرة لاحقاً”.
أما التحفظ الثاني فكان، بحسب المصدر، “بشأن أحد البنود الذي تفتح صياغته، وفقاً للمسودة الإماراتية، الباب أمام عدم اعتراف إثيوبيا بالاتفاقيات التاريخية التي تنظم إدارة المياه”.
في المقابل، أفاد مصدر بوزارة الخارجية المصرية بأن الوزارة “رفعت مذكرة بشأن تصور المسؤولين فيها لملف الأزمة، قبل جلسة المفاوضات الأخيرة، جرى خلالها التأكيد على ضرورة عدم توقيع مصر على أي وثائق أو تصورات أولية جديدة بشأن المحاولات الإقليمية لحل الأزمة تحت ما يسمى بمبدأ حسن النية، مشددة على خطورة مثل تلك الخطوة، ومشيرة في الوقت ذاته إلى ما حدث في أعقاب اتفاق المبادئ الموقع في 2015”.
وأوضح الدبلوماسي المصري في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “العودة الجديدة للتفاوض يمكن وصفها بعديمة الجدوى، خصوصاً أنها لم تتضمن أي إلزام للجانب الإثيوبي بالتوصل لحلول جادة في صالح كافة الأطراف”.
واعتبر في الوقت نفسه أن “أي مفاوضات تبدأ من دون قواعد واضحة وصارمة يصعب التملص منها، ستكون في صالح إثيوبيا بلا شك، إذ تمنحها مزيداً من المشروعية لأعمال السد، إضافة إلى منحها الفرصة لإطالة أمد الأزمة تحت غطاء المفاوضات”.
وفي السياق، قال وزير الري المصري السابق محمد نصر علام، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “الجولة الأولى للمفاوضات الثلاثية حول سد النهضة انتهت من دون نتائج معلنة، مع الإعلان عن اجتماع خلال الشهر المقبل في أديس أبابا. والإعلان المسبق أن المفاوضات ستنتهي خلال 4 أشهر سيناريو مكرر وإهدار للجهد وإظهار لوجه إثيوبي غير حقيقي بالسعي لاتفاق يرضي دولتي المصب (السودان ومصر)”.
وأضاف علام أنه “لا بد من وجود مراقبين دوليين ليعلنوا الحقائق للعالم، في ظل أن إثيوبيا تستغل اتجاه مصر لانتخابات رئاسية (مقررة في موعد لم يحدد من العام 2024)، وحاجتها إلى عقد هذه المفاوضات لمحاولة حل هذه الأزمة التي قد تتفاقم مستقبلاً”.
وقال إن “السودان أيضاً يبحث عن ضوء أمل في حالة الصراعات الداخلية العنيفة التي تهدد بقاء الدولة”، طارحاً العديد من التساؤلات “هل تحصل المفاوضات بتعليمات خارجية ليعم السلام والهدوء الصوري في المنطقة، كي تزداد الاستثمارات العربية والدولية في إثيوبيا؟ هل هناك مخطط تم إعداده لتوسعة دائرة هذه الأزمة وإدخال أطراف جديدة فيها من دول حوض النيل في ظل الظروف الحالية. هل تستشعر إثيوبيا ومَن خلفها أن الفرصة الحالية تسمح لها بالحصول على مكاسب تفاوضية مائية من مصر والسودان؟”.

فشل مفاوضات القاهرة
بدوره، رأى نائب رئيس “المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية” في مصر مختار الغباشي أن “جولة مفاوضات القاهرة فشلت، كما ستفشل الجولة المقبلة في أديس أبابا، إذ فشلت كل المساعي الدولية والإقليمية، مثل مسعى الاتحاد الأفريقي الذي عمل على مدار عام، والولايات المتحدة والبنك الدولي، مع تهرّب الإثيوبيين في اللحظة الأخيرة عند توقيع الاتفاق”.
من جانبه، اعتبر الكاتب الإثيوبي هاشم علي حامد، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “أهم ملامح محادثات القاهرة الأحد الماضي بين دول حوض النيل الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)، هي إعادة الثقة في إمكانية التوصل إلى حل في قضية سد النهضة الذي يمثل تهديداً لحقوق كل من مصر والسودان المائية، وذلك بعد توقف للمحادثات استمر ثلاثة أعوام”.
وأضاف حامد: “أفضى فشل المحادثات السابقة إلى اتهام دولتي المصب دولة المنبع بعدم الجدية في التوصل إلى حل للقضية الضبابية في مستقبل سد النهضة، خصوصاً مصر التي تعتبر قضية المياه قضية حياة أو موت، حسب تعبير قيادتها”.
وتابع الكاتب الإثيوبي: “عموماً إن استئناف جولة المحادثات الجديدة في القاهرة، يعطي بعداً ودلالة على اهتمام طرفي المصب بإعادة جولات التفاوض في ظل غموض الموقف الإثيوبي، الذي يرى موضوع سد النهضة حقاً سيادياً، في مقابل إصرار دولتي المصب على إبرام اتفاقية قانونية، وتدخل مباشر في الجوانب الفنية المتعلقة بمسائل التخزين وغيره”.
ولفت حامد إلى أن “الموقف الإثيوبي تتضح أبعاده الجادة في إعادة وزير الري السابق السفير سيلشي بيكيلي لرئاسة وفد أديس أبابا مجدداً في جولة القاهرة”، مضيفاً أنه “من الملفت أيضاً في جولة القاهرة الجديدة مشاركة الحكومة السودانية في المفاوضات رغم الظروف السياسية التي يشهدها السودان، وهو ما يعطي دلالة على اهتمام القاهرة بتجديد محادثات ملف النهضة، إلى جانب تأييد ضمني للحكومة السودانية برئاسة الفريق عبد الفتاح البرهان”.
وأشار حامد إلى أن “هناك معلومات تأتي متضاربة حول حقيقة الملء الرابع لسد النهضة، الذي تشير بعض المصادر إلى بلوغه نسباً عالية، في حين أن الملء خلال السنوات الثلاث السابقة كان لا يتجاوز الـ17 مليار متر مكعب، علماً أن منسوب هطول الأمطار هذه السنة لم يكن كسابقاتها، وهو ما يؤكد أن قضية الملء أو حتى الطموح إلى منسوب عال للبحيرة لا يتحقق”.
وختم قائلاً: “تعطي محادثات القاهرة الأخيرة حافزاً للأطراف لإعادة التفاوض، تحديداً الجانب الإثيوبي، الذي يخشى تدخل أطراف دولية، وهو ما يعقد القضية ويوسع تداولها خارج نطاق الإطار الأفريقي الذي تحرص عليه أديس أبابا كإطار مناسب لها”.

العربي الجديد