البراق النذير: زمن البعاعيت

اندهش مذيع قناة الجزيرة الأستاذ أحمد طه من مفردة (بعّاتي) التي استخدمها “سفير سوداني” في مقابلة تحشيدية، في وصفه لحميدتي حين أراد التأكيد على وفاته مع إلحاح المذيع على أن الرجل حي يرزق..

أحاول هنا أن أضع مساهمة متواضعة لتوضيح من أين أتت هذه الكلمة في الدارجة العربية السودانية، بعيداً عن الحوار التلفزيوني الذي أتى بهذه الكلمة على لسان رجل يفترض أنه دبلوماسي!

مفردة بعّاتي مشتقة من كلمة بعث يبعث ومبعوث في العربية الفصحى، وقد تحوَّر حرف الثاء في لسان أهل السودان لحرف تاء، فأصبحت بعت يبعت أي أرسل يرسل، ومنها جاءت بعّاتي في صيغة المبالغة أي من تكرر بعثه وعودته من جديد، وهي تشير لشخص خرافي خارق القدرات، يموت ويبعث في الحياة الدنيا لأكثر من مرة، وهناك الكثير من قصص الأطفال وحكاوي الكبار الذين يظنون في روايات البعَّاتي والسحَّار وترب البنية وخلافهم ويؤكدون أن بها بعض الحقيقة..

هناك عدد من الحروف تم تحويرها في الدارجة السودانية مثل حرف الضاد والذال والطاء وكذلك حرف الثاء الذي هو محور هذا المنشور. ومن الكلمات التي حوّر السودانيون حرف الثاء فيها لحرف تاء على سبيل المثال لا الحصر:
كلتوم وهي كلثوم في اللغة العربية الفصحى وتعنى الممتلئ الوجه والخد
وبحت ويبحت وبحات من الكلمة بحث يبحث وبحاث وباحث
وكلمة تار وهي من كلمة ثأر
والتريا وهي الثُريا

وحُترب وهي من حثرب أي بمعنى الماء الذي تعكر أو هو ما يبقى في أسفل الإناء أو القدر
حتَّهُ حتاً، وحِتة وحتت، ونحن نستخدمها في السودان لوصف الجزء أو القطع الصغيرة من الشيء أو ما تناثر منه وهو في اللغة العربية الحُث بضم الحاء أي المدقوق من مادة ما أو بقايا التبن والقش.

مفردة بعَّاتي تستخدم بالفعل في قصص الأطفال ككائن تخيفهم به الأمهات ويبتزهم الأهل من أجل فعل شيء يمتنعون عن فعله، وكان ذلك رائجاً في زمن مضى، ولكن يجوز عطفاً على حالنا اليوم أن نستخدم هذه المفردة في سياقات أخرى، فالبعَّاتي كائن يرتبط بالشر والأذى وهو معروف في حكايات الأطفال بقيامه بأفعال مُضرة تجاه من هم حوله، فهو يقتل الأطفال وذويهم ويقتل في بعض الحالات أطفاله هو وأهله ويخرِّب المدينة..

البراق النذير

Exit mobile version