انشغل كثيرون بطرح العديد من الأسئلة حول الكيفية التي غادر بها قائد الجيش مباني القيادة العامة إلى منطقة وادي سيدنا العسكرية في شمال أم درمان، وتعددت الروايات حول الأسلوب الذي اتبعه البرهان في خطوته التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، وجعلت بعض أبواق الدعم السريع يهذون بحديث خرافةٍ، يفتقر إلى التماسك ويجافي العقل والمنطق، ليعكس إحباطهم وتخبطهم ووجعهم وقلة حيلتهم، بعد أن قضت نقلة الشطرنج المتقنة على تصريحاتهم الفارغة عن حصارهم للقيادة العامة واختباء القائد العام منهم في (البدروم)، وعن أنه لن يستطيع مغادرته إلا بموافقة حميدتي.. أو كما ذكر مسيلمة العصر الحديث.. يوسف عزت لإحدى الفضائيات!
* الحقيقة تؤكد أن حديث متمردي الدعم السريع عن اختباء البرهان (في البدروم) خوفاً منهم لم يخلُ من السخف، ولم يغادر محطتي المكابرة والغباء اللتين توقف فيهما قطار الخطاب الإعلامي الساذج للتمرد أكثر من أربعة أشهر، لأن البرهان أعلن على الملأ في عدة فضائيات ومنذ اليوم الأول للحرب أنه موجود داخل مباني القيادة العامة للجيش، كاشفاً موقعه ومحدداً مكانه بدقة شديدة وبلا مواربة، والمختبئ الخائف المرتعب لا يفعل ذلك، ولا يكشف مخبأه لخصومه.
* غني عن القول أن وجود القائد العام للجيش داخل مباني القيادة العامة للجيش كان أمراً طبيعياً لا ينبغي لأحد أن يستهجنه أو يبدي استغرابه له، وإلا لجاز استهجان وجود السيف في غمده، ودخول الخنجر في جفيره، إذ لا ندري في أي مكان كانوا يريدون لقائد الجيش أن يستقر إذا فارق عرينه وجافى مباني قيادته؟
* أكان مطلوباً منه أن يهيم على وجهه في الطرقات كالمتسولين ليقود معركة الكرامة من تحت (شجرة) لا يعرف موقعها إلا من يختبئ تحتها، أو من داخل منزل مُحتل ومنهوب يمتلكه مواطن منكوب مثلما فعل قائد التمرد عندما استقر داخل (بدروم) منزلٍ فخمٍ في حي الخرطوم (2)؛ تعود ملكيته لرجل الأعمال الشهير (و. م)، هرباً من ملاحقة سلاح الطيران له في أولى أيام الحرب، أم كان مطلوباً منه أن (يفِز) من ساحة المعركة ويهرب من الخرطوم ليلاً كما فعل عبد الرحيم دقلو عندما (عرَّد) إلى تشاد تاركاً قواته المشتتة لمصيرها المحتوم في الخرطوم؟
* المعلومة التي لا يدركها كثيرون تفيد أن قادة الجيش طالبوا البرهان مراراً وتكراراً بمغادرة مباني القيادة العامة كي يمارس مهامه الرسمية الأخرى كرئيس لمجلس السيادة، ويتمكن من متابعة أداء أجهزة الدولة وضمان تقليص فواتير الحرب الباهظة على مواطنيه، ويضطلع بأدواره السياسية على المستويين الإقليمي والدولي، ليترك لهم مهمة إدارة المعركة لكنه رفض إلحاحهم بعنادٍ أغضب بعضهم، قبل أن يستجيب لهم ويخرج في الوقت الذي رآه مناسباً للخروج، مُسلِّماً نائبه الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي زمام قيادة غرفة العمليات المركزية، ومتحولاً لتفقد حمايات الجيش في وادي سيدنا وكرري والمرخيات والمتحركات الثلاثة المتمركزة في تخوم البقعة،
ويتجول في أحد أحياء محلية كرري ويتناول كوب قهوة في الشارع العام، قبل أن يتحول إلى مدينة عطبرة لاحقاً كي يتفقد حامية المدفعية، ويزور جرحى العمليات، ويؤدي واجب العزاء في بعض شهداء الوطن والواجب، وفي مقدمتهم اللواء الفارس الشهيد ياسر فضل الله وغيره من أبطال الجيش الذين قدموا دماءهم وحياتهم عربوناً لوطنٍ فدوه بأعلى ما يملكون.
* نعود للعملية التي أصابت المتمردين في مقتل، وحولت كل أباطيلهم وترهاتهم التي تتحدث عن اختباء القائد في البدروم إلى سراب، ونذكر أنها تمت في التوقيت الذي اختاره البرهان، وبالكيفية التي وضعتها لها قيادة الجيش منفردةً، وأن تنفيذها تم بأعلى درجات الكفاءة، وبخبرات عسكرية سودانية صرفة، وبإتقانٍ يدير الرؤوس، وجسارةٍ ضمختها دماء زكية لاثنين من أبطال القوات المسلحة، مضوا إلى ربهم شهيدين ليلحقا بزمرة الأبطال الذين سبقوهما على درب الشهادة، عندما فدوا قائدهم بأنفسهم، وأبطلوا مخطط الغدر اللئيم الذي استهدف اغتيال قادة الجيش واختطاف الدولة والسلطة بانقلاب عسكري لئيم وغادر، تم التخطيط له بعناية، والتحضير له على مدى شهور طويلة داخل السودان وخارجه (إن الله لا يصلح عمل المفسدين).
* لم ينسق الجيش مع أي جهة عندما قرر تنفيذ العملية المتقنة، ولم يستعن بأي جهة محلية أو أجنبية، مثلما لم يستأذن أحداً قبل أن ينقل قائده من حاميةٍ إلى أخرى، في الوقت الذي اختاره القائد.
* ما ذكره البرهان عن مشاركة عدد من وحدات من الجيش السوداني في تلك العملية صحيح ودقيق، وسيأتي التوقيت المناسب لاحقاً لنكشف فيه عن التفاصيل الدقيقة، والتخطيط المتقن، والتنفيذ الذي تم باحترافيةٍ لا نستغربها من جيش عريق اشتهر بالانضباط، وعُرف أفراده بالكفاءة والشجاعة والإقدام، على مدى ما يقارب المائة عام.
* وللمواهيم الذين زعموا أن البرهان خرج (بتوافقٍ مع عدة جهات) نقول إنكم لم تجافوا الحقيقة مع أنكم قصدتم لي عنقها، وانتويتم قصم ظهرها، فصدقتم وأنتم الكاذبون، لأن البرهان لم يتوافق فيها إلا مع طاقمه وأركان حربه وفرسان جيشه الذين نفذوا قرار القائد باتقانٍ يقارب درجة الكمال!
* المحصلة النهائية تفيد أن البرهان في الخرطوم موجود.. وفي بحري موجود.. وفي أم درمان موجود.. وفي عطبرة موجود.. مثلما هو موجود الآن في بورتسودان.. فأين يوجد حميدتي وشقيقه عبد الرحيم الآن؟
د. مزمل أبو القاسم