ماذا يعني وقف الحرب في السودان وكيف نبدأ؟

تثير حرب السودان الجارية مخاوف دولية وإقليمية عن إمكانية احتضان البلاد الملتهبة جماعات إرهابية مرة أخرى. في الأسبوع الماضي، حذّر قائد البرنامج الأمني في الهيئة الحكومية للتنمية (الإيغاد) من استغلال الجماعات الإرهابية الفراغ في السودان للتمدّد، وهي مخاوف يبرّرها التاريخ القريب للإرهاب في السودان، البلد الذي صنّفته الولايات المتحدة دولة راعية للإرهاب 27 عاماً.لا أحد يريد استمرار الحرب في السودان، فقد سفكت الدماء، وأهلكت الحرث والنسل، ودمّرت معايش الناس وغيّبت الدولة وشرّدت الملايين. ولكن لا يكاد أحدٌ يفهم كيف يمكن إنهاؤها، فقد خلت المقترحات التي تدعمها الدول والمنظمات والفئات الداعية إلى وقفها من خطّة واقعية لتحقيق هذه الغاية، حيث تتكرّر دعواتهم إلى وقف انطلاق النار، وهو لا يعني بالضرورة وقف الحرب. فكل الدعوات على الساحة تقوم على مفهوم خاطئ لطبيعة هذه الحرب التي تصفها السرديات السائدة عن الحرب بأنها قتال بين “طرفين”، أو حتى بين جنراليْن، هما سواء في الخطأ والإجرام. ولكن هذه الرواية تهمل أهم مركّب في هذه الحرب، أنها في معظمها حربٌ بين مليشيا الجنجويد وقطاعات واسعة من الشعب السوداني، دور الجيش فيها غائبٌ أو مهمّش. وكان هذا أوضح ما يكون في حالة غرب دارفور، حيث ارتكبت المليشيا الإبادة الجماعية في حق إثنية المساليت. في الخرطوم أيضاً، كانت غالبية هجمات الجنجويد على المواطنين المسالمين، الذين قتلت وعذبت واختطفت منهم الآلاف، واغتصبت من النساء المئات، واختطفت عشرات من الفتيات يروج أنهن في حالة استرقاق. وقد اعترف أحد كبار قادة الجنجويد بأن 80 فتاة على الأقل خُطفن وهجّرن للاسترقاق الجنسي في دارفور، وأنه عجز عن استردادهن. وترتكب المليشيا جرمية إضافية بمساومة أهل الفتيات بمبالغ ضخمة مقابل إرجاعهن، من دون أن تفي بذلك. (وتستخدم المليشيا الابتزاز ضد المدنيين في حالات أخرى كثيرة، عند اختطاف الأفراد، أو نهب السيارات، ثم مساومة الأسر على “فدية”. وفي أحيان كثيرة، يختطفون الشخص أو يحبسونه في منزله، ثم يطلبون فدية مالية باهظة مقابل إطلاق سراحه).

أجبرت المليشيا كذلك قطاعات كبيرة من سكان العاصمة السودانية على ترك منازلهم، ومنعت الكلّ من الذهاب إلى العمل، ونهبت المنازل والمتاجر والأسواق، وقطعت الطريق. وعموماً تصرفت كطاعون من التوحّش لم ينج منه بريء ولا مُذنب. احتلت المليشيا كذلك المستشفيات والمرافق العامة والخاصة، واختطفت الأطباء والكوادر الطبية الأخرى، وعذّبت وقتلت منهم كثيرين. احتلت كذلك محطّات المياه ومرافق الكهرباء والجامعات والمدارس والمتاحف والمراكز الثقافية، وأحرقت ونهبت مؤسّسات عديدة.

وعليه، لم يكن وقف القتال بين الجيش والمليشيا ليوقف أيا من هذه الجرائم المحرّمة دولياً في الحرب والسلم معاً. صحيحٌ أن اتفاق جدّة الإنساني الموقع من الجيش والمليشيا في 11 مايو/ أيار الماضي قدّم مقترحات عملية وصحيحة لخطوةٍ أولى لوقف الحرب، تبدأ بوقف جرائم المليشيا، المتمثلة في احتلال المستشفيات ومراكز الخدمات، ومنازل المدنيين، وأيضاً قطع الطريق والعدوان على المدنيين ونهب ممتلكاتهم، وكل أصناف العدوان على المدنيين، وفي مقدمتها جرائم الاغتصاب وكل أشكال العنف ضد النساء.

وللتوثيق، أعدّ النص الأولي لمقترح البروتوكول الإنساني فريق شاركت فيه فئة من السودانيين، فيهم أكاديميون وناشطون مدنيون ومسؤولون سابقون، مع مجموعة من الدبلوماسيين والمستشارين الأفارقة والدوليين، وسلّمت للوسطاء عبر الرئاسة الكينية. وكان المشروع تحت رعاية غير رسمية من الاتحاد الأفريقي.

وبالطبع، وقف جرائم الحرب هو المفتاح لوقف الحرب، لأن الأفعال المصنّفة جرائم حرب مرفوضة أصلاً، حتى لو كانت الحرب شرعية، وهي جرائم لا تسقُط بالتقادم. وبالتالي، لا يحتاج إيقاف جرائم الحرب اتفاقا، فهو واجب. ومن مسؤولية المجتمع الدولي التدخّل لإيقافها، باستخدام القوة. فعلى سبيل المثال، هناك مسؤولية دولية بموجب ميثاق الأمم المتحدة بالتصدّي جماعياً لأي جريمة إبادة جماعية، مثل ما وقع في غرب دارفور وما زال جارياً، وما تتعرّض له مناطق أخرى في دارفور. فاتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها من أولى الاتفاقيات التي وقّعت في إطار الأمم المتحدة، وكان وقف الإبادة أحد أهم مبرّرات إنشاء المنظمة. وقد عزّز هذا الهدف في عام 2005 بإقرار مبدأ مسؤولية الحماية في اجتماعٍ خاص للجمعية العامة للأمم المتحدة على مستوى القمّة. وكان السودان من المشاركين في تلك القمّة على مستوى الرئاسة.

على أن الالتزام المشهود بالبروتوكول الإنساني من الموقعين على الاتفاق لم يتبعه تنفيذٌ له من الطرف المتهم بكل هذه الجرائم، وهو مليشيا الدعم السريع (الجنجويد). وقد قدّمت المليشيا حججاً متغيّرة باستمرار لتنصّلها من هذا الالتزام، مرّة بالقول إنها تحتاج حماية “دولية” حتى تنسحب؛ وثانية بالإنكار والزعم أنها لا تحتلّ أي منشأة عامة أو منزل خاص، وأنها بالعكس تحرس المستشفيات، وأن المنازل التي هاجمتها هي لأنصار النظام السابق (رغم أن المليشيا كانت أحد أهم أنصار النظام السابق). وثالثاً بالتنصّل ممن يقومون بهذه الجرائم بحجّة أنهم “متفلتون” لا سلطان لها عليهم. وفي الغالب الأعم، بتجاهل تام لهذا الشرط، والادّعاء أن ما في يد المليشيا هو مكاسب حرب، لا يمكنها التنازل عنها بدون مفاوضات. ولم تمارس الجهات ذات الصلة، خصوصا الاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد، ومؤتمر دول الجوار، ورعاة مفاوضات جدّة، أي ضغوط ذات معنى على المليشيا لتنفذ التزاماتها.

في الوقت نفسه، لا تكاد الجهات السياسية التي تبنّت دعوة لا للحرب تذكُر هذه المسألة، فعندهم وقف الحرب مقدّم على وقف جرائمها. بمعنى آخر، هم يعنون بوقف الحرب أن يتوقّف الجيش عن التصدّي لجرائم الجنجويد، والسماح لهذه الجرائم بأن تستمرّ وتتزايد وتتفاقم وتتّسع، بينما تستمر المفاوضات بين “الطرفين” من أجل “وقف الحرب”. بمعنى آخر، تُستخدم هذه الجرائم كورقة ابتزاز لتحقيق مكاسب سياسية للمليشيا وحلفائها السياسيين، بغرض أن تكافأ المليشيا على استمرار جرائمها بمنحها نصيباً من السلطة يحميها من المساءلة والمعاقبة على هذه الجرائم. وهذا ما رفضه الشعب السوداني بأغلبيته الساحقة قبل الجيش، فقد لاحظ سكان العاصمة السودانية أن هجمات المليشيا على منازلهم وممتلكاتهم وأشخاصهم تتصاعد مع كل هدنة جزئية، وجأر المواطنون بالنكير على قيادة الجيش كلما عُقدت هدنة أو فكّرت فيها، ما يعني أن ما يسميه بعضهم “وقف الحرب” هو فقط وقف ردع مرتكبي جرائمها ومعاقبتهم، واستمرار العدوان على المدنيين بلا هوادة.

وحقيقة الأمر، لو لم تكن هناك حربٌ لوجب أن تشن هذه الحرب بحسب مواثيق الأمم المتحدة لوقف جرائم الإبادة والعدوان على المدنيين وتعطيل الخدمات الضرورية وعمل الدولة، فالحروب لم تشرّع إلا لرد العدوان. ولكن بعض دعاة “السلام” غالباً ما يكونون دعاة سلام المعتدين، كما في “سلام أوسلو” المزعوم، الذي يُطلق يد المعتدين، ويغلّ أيدي أصحاب الحق، فقد تحوّل “الاتفاق” المزعوم إلى نكبة جديدة، تعيد نهب ما بقي من فلسطين، بعد ما كان “حلّ الدولتين” يقوم على التسليم للصهاينة بمكاسب النكبة الأولى، على أن يتوقّفوا عن إعادة تمثيل النكبة، ونهب ما بقي من فلسطين من تحت أقدام أهلها، وهي للمفارقة ما كان في أيدي العرب أصلاً عندما انطلق الكفاح الفلسطيني. إلا أن “السلام” أصبح درعاً لسلب ما بقي وتشريد من صمد، فهو سلام كامل للمستوطنين وناهبي الأراضي والمعتدين على أهل فلسطين، وحرب مستمرّة على “المسالمين” وعلى “سلطتهم”.

لحسن الحظ، لم تقبل القيادة السياسية والعسكرية السودانية بهذا المنطق، بل أصرّت على وقف الجرائم أولاً، وردع الفئة المارقة ووقفها. وفي الحقيقة لو كان هناك طرفٌ يحقّ له أن يطالب بوقف الحرب لكان الجيش السوداني أولى بذلك، فجنوده وضبّاطه ظلوا في رباط دائم منذ هجمة الجنجويد الغادرة على القيادة العامة للقوات المسلحة في يوم 15 أبريل/ نيسان المشؤوم، فلم يتمكّن أي منهم منذ تلك الهجمة من رؤية أسرته، كما أنهم مثل بقية موظفي الدولة لم يتلقّوا أي رواتب. وقد لقي الكثيرون منهم بارئهم طلباً للشهادة، من دون أن يروا أحبّتهم أو ينعموا حتى بلقاء وداع. وكثير منهم يقاتل على بطن خاوية، بسبب إشكالات معروفة. وقد صبّ الجنجويد وداعموهم الكثير من السخرية عندما أسروا جنديين شابين، فلم يكن في جيب أحدهما سوى بصلاتٍ يقتات بها. وأطلقوا على الجيش السوداني الهمام لقب “جيش البصل”، سخريةً وتهكماً، كون الجنجويد وأنصارهم كانوا متخمين من نهب البيوت والمصارف والمتاجر وكل صنوف الكسب الحرام. ولكن الجيش آثر، قيادة ومنتسبين، المواجهة المكلفة، وهو موقفٌ حظي بدعمٍ شعبيٍّ كاسح. ولعمري إنه نبل جنود يقاتلون دفاعاً عن الوطن وأهله، وهم يحرِمون أنفسهم من لقاء الأحبّة، وحتى مما يسد الرمق. ولا بد أن يسجل لجيش السودان وقيادته أنهم يضحّون بأنفسهم بدون منّة، في حين يتّخذهم سخرية بعض من يزعمون أنفسهم “قادة” سياسيين ودعاة مدنية، ولكنهم يؤيدون، للأسف، هذه البريرية التي فرّوا إلى الخارج من نيرها. ولولا تضحية هؤلاء الشباب لأصبحوا جميعاً بين سبايا وأقنان لهذه المليشيا البربرية. لحسن الحظ، يقدّر الشعب السوداني، بأغلبيته الكاسحة، هذه التضحيات، متمسّكاً بدعمه غير المشروط للجيش في هذه الحرب ضد الجريمة والمجرمين، وضد أنصار استمرار جرائم الحرب، وهم ينادون نفاقاً بوقفها. وقد علّق أحد المراقبين، أخيرا، على احتفاء حسابات دعاة وقف الحرب بهجمة المليشيا على مقر سلاح المدرّعات في الخرطوم، والتصفيق له، حتى إذا هزمت المليشيا ودحرت، عاد هؤلاء إلى دعوة “لا للحرب”.

وإذا كان هناك تقصير للحكم وقيادة الجيش فهو التخلي عن المركب الدبلوماسي في الدفاع عن حرية شعب السودان وأمنه. صحيح أننا شهدنا تحرّكات دبلوماسية، خصوصا بعد تولي مالك عقار منصب نائب رئيس مجلس السيادة. وقد حمل خطاب عقار الأسبوع الماضي إشارة إلى هذه اليقظة. وبالقدر نفسه، كان لخطاب ممثل السودان في الأمم المتحدة، الدبلوماسي المخضرم، الحارث إدريس، وقع طيب في مجلس الأمن والرأي العام السوداني.

تلخّصت خريطة الطريق التي أعلنها عقار في نقاط ليس عليها كثير خلاف. وهي، أولاً، إيقاف الحرب وفصل القوات بعيداً عن المناطق المدنية. وثانياً، فتح الطريق أمام وصول العون الإنساني للمتأثرين بالحرب في كل أنحاء السودان. وثالثاً، دعوة كل القوى المدنية إلى حوار سياسي لا يُقصي أحداً. ورابعاً، تشكيل حكومة انتقالية لا تكون ساحة للصراع حول السلطة، وإنما تتكفّل فقط بمهمتين، إيصال الخدمات الضرورية إلى كل السودانيين، والعمل لعقد مؤتمر سياسي جامع للاتفاق على إطار دستوري يسمح بانتخابات تعيد السودان إلى مسار الحكم الديمقراطي.

وقد أكّد عقار في خطابه على أمور ثلاثة، وهي تحذير أنصار النظام السابق من التعلق بوهم إمكانية عودة ذلك النظام الذي كانت إخفاقاته ظاهرة، من دون أن يكون ذلك عائقاً أمام مشاركتهم الكاملة في العملية السياسية كمواطنين. وثانيهما، دحض أوهام مليشيا الدعم السريع وأنصارها أنهم يقاتلون من أجل الديمقراطية وإعادة صياغة الدولة السودانية، مذكّراً إياهم بأن ما ارتكبوا من فظائع في حربهم وضع هوّة كبيرة بينهم وبين الشعب السوداني عليهم العمل على ردمها. وثالثاً، التأكيد على أن الهدف المشترك للجميع ديمقراطية كاملة وجيش واحد مهني مهمّته حماية الدستور.

ورغم ما تعرّضت نقاط عقار من نقد حاد من الإسلاميين باعتباره أفردهم بالنقد، ومن رفض من الدعم السريع وأنصاره، بدعوى عدم اعترافهم بشرعية النظام القائم وموقعه فيه، إلا أنها نقاط يصعُب الالتفاف حولها، ولا بد لأي مبادرةٍ لإعادة السلم إلى البلاد أن تتعامل مع النقاط التي أثارها. وما يمكن أن نضيفه إليها، وهو مضمّن في خطاب عقار، أن إيقاف جرائم الحرب مقدّم على وقفها، لأن أي “وقفٍ للحرب” بخلاف ذلك يكون معناه الوحيد السماح للمليشيا بالاستمرار في جرائمها هو أسوأ من الحرب.

وكنت قد قلت في أول تعليق لي على خطاب عقار بأنه يمثّل عودة إلى العقل وصحوة دبلوماسية لحكومة الأمر الواقع في السودان، فقد كانت الحكومة مسكونة، للأسف، بهوس النظام السابق بأن كل العالم الخارجي معادٍ، وبسردية بشّار الأسد بأن هناك “مؤامرة كونية” ضد السودان، وتآمراً يشارك فيه الجميع ضد سيادته وأمنه. وهذا وهمٌ لا أساس له، خصوصا وأن الجيش والسلطة الحالية يقفان بوضوح مع الشعب السوداني ومطامحه المشروعة في الأمن والحرية، وضد تغوّل مليشيا إقطاعية بربرية، شهد العالم كله على جرائمها، فللحكومة الحالية سند شعبي كبير، ولو أنه كان يلزم أن تطرح قضيتها بوضوح، أن هدفها استعادة الديمقراطية، وليس عودة إلى نظام الإنقاذ المجرّب أو استغلال الزخم الشعبي للحفاظ على نظام عسكري، وهو بدّد خطاب عقار الشكوك حوله.

والخطوة المنطقية حاليا الانفتاح على المجتمع الدولي، واستقطاب دعمه في محاربة العصابة الجنجويدية الإجرامية، خصوصا أمام جرائمها في دارفور والخرطوم. ويتطلّب هذا التوقف عن الخطاب غير الحكيم في الزعم أن السودان “محاصر”، وأن الجميع يتآمر ضده، لأن الجهات المتآمرة فئة قليلة معزولة، فلا أحد يؤيد ما تقوم به المليشيا م فظائع وجرائم، والحكومة هي التي تحاصر نفسها بهذه السرديات المحبطة، والتي للأسف يردّدها كثيرون من الصحافيين والمعلقين الموالين للحكومة.

استضاف نظام الحركة الإسلامية (1989 – 2019) أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة عدة سنوات في الخرطوم. وبحسب تقرير لجنة التحقيق الأميركية في هجمات 11 سبتمبر (2001) في نيويورك وواشنطن، فإن حسن الترابي دعا بن لادن إلى “استخدام السودان كقاعدة لعمليات القاعدة في جميع أنحاء العالم وللإعداد لها”. وحمل التقرير فصلاً بعنوان “بن لادن ينتقل إلى السودان”، تعقّب استثمارات الإرهابي الشهير في السودان وتعاون الأجهزة الأمنية معه، بل واحتيالها عليه أيضاً، فقد حاول “ضابط عسكري كان عضواً في الحكومة ” بيع يورانيوم لأسامة بن لادن ب 1.5 مليون دولار، وبعد فحص المادة ظهر أن العسكري كان محتالاً وقدّم مادة مزيفة لـ”القاعدة”.

كما دعم نظام الحركة الإسلامية تنظيم القاعدة في تنفيذ هجمات إرهابية ضد المدمّرة كول في اليمن، وسفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام. وبحسب حكم قضائي أميركي، “هناك أدلة قوية في هذه القضية قدّمتها شهادة الخبراء على أن حكومة السودان هي التي تسبّبت في قصف كول بموجب إجراءات سابقة لحكومة السودان”. ورغم طرد النظام السابق أسامة بن لادن، إلا أن الدعم المعنوي له لم يتوقف حتى بعد تصفيته، فقد تزعم نائب رئيس هيئة علماء السودان، الشيخ عبد الحي يوسف، صلاة الغائب على روح بن لادن، وأعلن أن كل من يشمت في موت بن لادن كافر.

في منتصف تسعينات القرن الماضي، أوقفت السلطات الألمانية في مطار فرنكفورت مهندساً سوري الجنسية من قادة القاعدة، وسلّمته للاستخبارات الأميركية. عاش المهندس في السودان سنوات، وكان يؤم المصلين بشكل غير منتظم في مسجد بحي الرياض، شرق الخرطوم، ويقدّم دروساً دينية للمصلين. وبجانب دعم نظام الحركة الإسلامية “القاعدة”، فإنه قدّم الدعم لتنظيمات إرهابية أخرى، مثل الجماعة الإسلامية المصرية في محاولتها الشهيرة اغتيال الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، في أديس أبابا، وهو الدعم الذي اعترف به قادة الحركة الإسلامية بعضهم ضد بعض.

وامتدّت علاقات الحركة الاسلامية السودانية مع التنظيمات الارهابية بعد ذلك في تحالفاتها الدولية مثل علاقتها بالنظام الإيراني وعمليات تصنيع السلاح وتهريبه. وهي تهمة لم ينكرها القيادي غازي صلاح الدين، حيث سأل “ما العيب في أن تكون لدينا مصانع سلاح إيرانية في السودان؟”. ورأى هذا منطقياً في مقابل الحصار الاقتصادي والمقاطعة الغربية. وفي 2011، تفاخر الرئيس السابق عمر البشير بأن نظامه دعم الجماعات الإسلامية الليبية بالسلاح. وظل هذا الدعم مستمرّاً حتى 2014، حين اتهمت ليبيا بشكل رسمي النظام السوداني بدعم جماعات إرهابية بعد القبض على طائرة عسكرية سودانية في مطار الكفرة، تحمل أسلحة متجهة إلى جماعات إرهابية في طرابلس. وفي الشهور التي سبقت الحرب الحالية، تعدّدت تهديدات الحركة الإسلامية السودانية لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة بالذبح والقتل، ما دعا البعثة الأممية إلى مطالبة السلطات السودانية بالتحقيق في الأمر.

التاريخ القريب المليء بالاستثمارات، والعلاقة القوية مع الأجهزة الأمنية والعسكرية السودانية، ومع الحركة الإسلامية السودانية النشطة حالياً في حالة الحرب هذه، والتي تستنفر منسوبيها لحمل السلاح والمشاركة في الحرب، كلها تجعل تحقق مخاوف عودة الجماعات الإرهابية إلى السودان مسألة وقت، خصوصاً مع حالة الفوضى والسيولة التي تشهدها البلاد، فمثل هذا الفراغ مغرٍ للجماعات الإرهابية المحاصرة في سورية وليبيا ومناطق غرب أفريقيا لكي تنتقل بعمليّاتها إلى بلادٍ تتساقط أركانها بسبب الحرب.

عبدالوهاب الأفندي – العربي الجديد

Exit mobile version