من زار بورتسودان ولم يجلس مع الوجيه “جمال عيد” المدير التنفيذي لغرفة التخليص الجمركي، زيارته ناقصة، فالرجل ذاكرة بورتسودان الحية، رآها تنهض وتتشكل وتتمدد، يحفظ آحياءها، ويعرف مشاهيرها، ويتميز بالمقبولية بين مكوناتها السكانية الأمر الذي جعله مفتاحا للتهدئة في كثير من النزاعات. جمال يعرف الفرص المتاحة في ولاية البحر الأحمر ويراهن على استقرارها “لو ما مستقرة، الحكومة بتنزح من الخرطوم وتجي هنا وعندها خيارات تانية؟”.
هذا ذكرني بعمود سابق كتبته بعنوان “معجزة بورتسودان”.
جلست معه على قهوة مسائية بالعجوة في “حي المطار” الأنيق الراقي، وطفنا في تاريخ المدينة والساحل كله وولاية البحر الأحمر، ما هي أسباب تسمية أحياء بورتسودان؟ لماذا ديم كوريا أسمه كوريا؟ ولماذا “ترب هدل” -والتي تعني النصف المظلم- كانت بهذا الأسم ثم صارت في قلب المدينة المضيء.
ما هو الخطأ في حكومات البحر الأحمر المتعاقبة؟ وما هو الصحيح؟ ما هي القرارات المطلوبة حاليا؟ ما هو التغيير الديموغرافي الذي حدث، والذي سيحدث، وما هي آثاره الإنتخابية والسياسية والأمنية والإقتصادية؟
ما أن أبدأ في تكوين السؤال وجمع كلماته المتناثرة في ذهني إلا ويكمل جمال السؤال، ويقول لي وهو يرشف في القهوة .. إنت داير تقول كدا وكدا .. ويواصل في الإجابة المقنعة، وفنجان وراء فنجان وارتشفنا بورتسودان.
جمال عيد … لا لون سياسي له سوى الوطن .. عاش فترة نميري الذهبية والتي جعلت من صفة “مايوي” صفة قومية لابن البلد الذي ينظم المهرجان الثقافي ويسهل للمستثمرين من الرأسمالية الوطنية المعروفة إقامة المصانع وافتتاح الشركات، لا سيما وأنه عمل في شركات مطابقة الجودة والمواصفات الدولية لفترة طويلة، مضت فترة مايو وعهدها الذهبي، وتدهورت الأوضاع ولكن بقيت القامات الوطنية المحترمة التي يحفظ الناس لها سابقتها وفضلها في العمل العام، جمال نموذجا.
التحية لجمال عيد، والشكر للوجيه نبيل عيد الذي نسق لي معه هذا اللقاء النادر.
مكي المغربي