إنهاء الحرب لا يقوم على الحياد الزائف.
تحاول قوى الحرية والتغيير التي قالت أنها محايدة في موقفها من طرفي النزاع كما تسميهما، تحاول هذه القوى في هذه الحرب نشر تضليل يفترض أن هذا الحياد هو الموقف الذي سيقود لإنهاء الحرب،
والحياد الزائف يظهر في خطابها وفي كافة بياناتها منذ يوم الثالث عشر من إبريل حين دخول مليشيا الدعم السريع واحتلالها لمطار مروي،
هذا الحياد عند هذه القوى السياسية له أسس وثوابت محددة سنوضحها، ثم نوضح إلى أي مدى تمتلك هذه القوى السياسية قابلية لإنهاء الحرب؟
وأن حيادها الحالي هو السبب الرئيس الذي يجعلها جزء من المشكلة لا جزء من الحل.
الحياد عند هذه القوى السياسية يرتكز على شعار (لا للحرب) ويفترض هذا الحياد والشعار أن الحرب كانت خيار من ضمن خيارات، وهذا الافتراض خطأ لأن الحرب قامت أصلا بدون مشاورة أحد، فالحرب تحدث ولها أسباب ومن أهمها تلك العملية السياسية النهائية الخطيرة والتي أنتجت الاتفاق الإطاري، لكن حين تنشب الحرب وينفجر الصراع فإنها تصبح واقعا لا خيارا،
وتصبح تهديدا خطيرا للبلاد ووجودها كله، خصوصا مع هذه الحرب التي تقوم بها مليشيا على درجة عالية من الكراهية لهذه الدولة، وحينها يجب اتخاذ موقف واضح ومنحاز للوطن. فماذا فعلت هذه القوى السياسية؟
أولا: تبنت رواية وخطاب عن الحرب مماثل لرواية وخطاب المليشيا المتمردة. وهذا شيء واضح للجميع.
ثانيا: قامت بمساواة الجيش الوطني بالمليشيا وبدون أي تمييز.
ثالثا: لم تهتم بالانتهاكات المتصلة بالمليشيا بل عزلت نفسها عن هذا الميدان تماما وأصرت على مساواة الجيش والمليشيا في الانتهاكات. وهذا ظهر في آخر بيان لها كذلك.
رابعا: تحول فعلها السياسي للخارج وقامت بجولة مرت فيها بعدد من العواصم ولم تنجح في بلورة موقف عملي حتى الآن. لكنها تتحرك بذات روح وثقافة الاتفاق الإطاري الذي ثبت فشله.
خامسا: في بيانات مواقفها لا تظهر أي نوع من التعلم والتغيير بل تظهر تمسكا شديدا يمنعها من رؤية العيوب.
سادسا: لم تعد تؤمن بالعمل السياسي الجماهيري بل عزلت نفسها تماما عن موجة الغضب الشعبية وتمترست خلف حلول الخارج.
ما سبق هو وصف لطبيعة الموقف الذي تدعيه قوى الحرية والتغيير، والسؤال هنا هل يقود هذا الموقف لإنهاء الحرب؟
نحن نقول إن إنهاء الحرب هدف استراتيجي واجب وأخلاقي من جهة ويقوم على الانحياز لا على الحياد، وكذلك إنهاء الحرب عملية لها مراحل وعناصر مترابطة أشد الترابط؛ لذلك نرفض النظر لها كمجرد مطلب معزول عن السياق الشامل للحرب، فإنهاء الحرب ليس مجرد حدث أو هدنة أثبتت التجارب استحالتها، وقد أثبت تاريخ السودان أن منهج المعالجات الجزئية لا يقود للسلام.
إنهاء الحرب عندنا متصل بخارطة طريق ورؤية شاملة تمتلكها القوى المدنية وتحشد لها التأييد الشعبي، وكذلك الدعم الدولي والإقليمي وتؤسس على مبادئ وثوابت وطنية وغايات أخلاقية تقود للآتي:
١- بقاء الدولة السودانية.
٢- تماسك القوات المسلحة والتأكيد على أنها الجيش الوطني.
٣- حل معضلة وجود مليشيا الدعم السريع وتمردها.
٤- وقف نزيف الدم السوداني.
٥- وضع خارطة طريق عملية تخاطب واقع ما بعد الحرب وتمهد لاستعادة المسار السياسي
كل من يؤمن بتلك الأسس الوطنية فإنه سينظر لعملية إنهاء كعملية في حقيقتها لا تُبنى على حياد زائف، بل تقوم أساسا على الانحياز، فالانحياز يكون لبقاء الدولة الوطنية ولوجود جيش وطني واحد هو القوات المسلحة ومنع أي تشكيل عسكري خارج منظومتها، وكذلك الانحياز لوقف نزيف الدم السوداني وإعادة الإعمار والبناء ومن ثم استعادة المسار السياسي بأسس نتلافى فيها عيوب كل المراحل السابقة.
ستظل قوى الحرية والتغيير هي تلك القوى التي لا تتفق مع كل ما سبق ذكره، فمقدماتها عن الحرب لن تقودها لتبني رؤية صحيحة حول إنهاء الحرب، وحيادها الزائف لا يؤهلها لموقف وطني، وعنادها وغطرستها وتقويها بالخارج وعزلتها عن الشارع يفقدها مصداقية وتمثيل، ثم تطابق خطابها وخطاب المليشيا وتساهلها البائن مع الانتهاكات وعدائها الواضح للجيش كل ذلك سيمنعها من تبني موقف وطني يدعم وينحاز لبقاء الدولة السودانية ومستقبلها.
الخلاصة:
إذا لم تُراجع قوى الحرية والتغيير مقدماتها ومرتكزات خطابها، وإذا أصرت على عدم الانحياز لخيار بقاء الدولة وتماسك قواتها المسلحة وإذا لم تعترف بالخلل البنيوي في وجود المليشيا فإنها في الحقيقة تموضع نفسها كجزء من الحرب، وكداعم سياسي للمليشيا وكقوى سياسية مُساندة للتمرد ومُساهمة في حصار وإضعاف السودان، وبالتالي فإنها ليست جديرة بالحديث عن عملية إنهاء الحرب.
هشام عثمان الشواني