من خلال تجربتي الشخصية في العسكرية الامتدت قرابة الاربعتاشر سنة داخل السودان بداية بمدرسة الإستخبارات بالقيادة و مرورا بالشرطة و مباحثها كنت شاهد و مشارك في عدة عمليات و احداث عسكرية و جنائية من مسارح عمليات لمسارح جريمة .. التجارب دي علمتني كتير خلاص .. علمتني إنو في ضباط و عساكر لا يمكن تقدر تعرف قيمتهم و معدنهم إلا في المعارك و المداهمات .. ممكن تشتغل مع عسكري او ضابط فترة طويلة جدا و تكون شايفو أسد .. بمجرد ما الشغلانة تسخن ح تلقاهو قلب غنماية .. و في ضباط و عساكر تكون بتكرهم عديل كده لكن اول ما القصدير يدور ح تلقاهم بحموك و يتقدمو قدامك و تشوف منهم رجالة و شجاعة في الكتب و القصص ما موجودة .
الزول ده من اولاد نهر النيل منطقة ابو سليم بالدامر .. كان زمان في هيئة العمليات بالجهاز و نزل منها قبل ٨ سنوات .. كان يجيد استخدام جميع انواع الاسلحة و محترف في قتال و فنون حرب المدن .. و لامن القائد العام للجيش اعلن نداء الجيش كان اول زول يلبي النداء و يمشي يقدم نفسه و يدق كراعو بمعهد و قيادة المدفعية و يقدم كل اوراقه .. ناس المدفعية قالو ليهو لامن نجهز الموجودين و نفوجهم للخرطوم ح نتصل عليك .. قال ليهم ( ما عندي تلفون ) قالوا ليهو راجعنا كل اسبوع .. لكن الزول ده ما قدر يصبر .. نفذ مخزون الصبر عنده .. قلت ليكم امبارح في ناس ما بتقدر تستحمل انو تسمع و تشوف الكوماج و تقعد ساي .. اها الزول ده ما قدر يقعد .. مش الحج عندو منادي .. كمان الشهادة عندها منادي .. ما اي زول بنادوهو ( حي على الفداء ) .
الزول ده لا عندو تلفون ولا عندو حق مواصلات .. جازف ملح لحدي شندي و من شندي ملح لحدي امدرمان و شالها كداري لحدي العرين في وادي سيدنا .. وصل هناك بي هدومه اللابسها و شهادات خبرته في كيس بلاستيك .. و طوالي انخرط مع اخوانه و دخل معركة امدرمان الاخيرة .. كان بيغطي على اخوانه و يتقدم و يمسح ليهم السكة بكل جسارة و سط امطار الرصاص لحدي ما ارتقى شهيدا” .. لحدي ما حقق هدفه و نال مراده .. ما وقفته ٣٥٠ كيلو متر من تحقيق هدفه و تلبية النداء .. ما وقفه الفلس و عدم التلفون .. ما عمل لينا لايف و هو ماشي يسلم نفسه .. ما اخد ليهو سيلفي قدام المدفعية عطبرة .. كان عنده موعد مع الشهادة في امدرمان ما بيقدر يخلفو .. ما بيقدر يتأخر .. و اختلط دمه بي مطر امدرمان و ترابها .. و فدى اخوانه القبضو العميد المتمرد حمدان .
زول لا عندو قروش ولا عندو تلفون .. عنده خبرته القتالية بس .. كان ممكن بي خبرته يبيع القضية و يلتحق بالمليشيا ذي النقيب الباع وطنه عشان بطنه .. كان ح يشيل احدث تلفون و يركب احدث موديل و يشتري احسن بيت .. لكن اختار آخرته .. اختار الوطن .. اختار الشهادة .
ربنا يتقبلك الحبيب البطل الشهيد عبد الرازق البحاري .. ربنا يعوض شبابك بالجنة .. قدمت لينا دروس و عبر في التجرد و الشجاعة و الإستبسال و الوطنية .
نزار العقيلي