شعرت بأحاسيس متناقضة وأنا أقرأ رسالة زميل صحفي بأنه غادر الخرطوم.
من المفرح حقاً أنه بخير، ومن المحزن أن العاصمة أوشكت أن تخلو من الصحفيين.
ساقت الأقدار معظم صحفيي ومراسلي القنوات والوكالات العالمية إلى خارج العاصمة قبل وبعد الحرب، فاقتصر النقل المباشر على ثلاثة مراسلين صحفيين في الخرطوم، ومثلهم في أم درمان.
لم تكن أصوات القذائف والقنابل رغم عنفها تخيف الصحفيين، وما كان انقطاع الكهرباء والمياه رغم بؤسها يُعجزهم أو يثنيهم، لكنها مضايقات من نوع آخر جعلتهم “ربما” يتخذون القرار الصحيح.
تركت بعض الأطراف المتحاربة معاركها وتفرغت للتضييق على الصحفيين.
صدق المتنبي حينما قال ” وتعظم في عين الصغير صغارها.. وتصغر في عين العظيم العظائم”.!
أصبح الصحفيون مقيدون في حركتهم، اتهامات الجيش عن يمينهم وابتزاز الدعم واعتداءاته عن يسارهم وقصفهما المتبادل فوق رؤوسهم، وانقطاع الاتصالات والإنترنت من تحتهم.
ظللت أتساءل، من أعطى بعض ضباط الجيش الحق في توزيع صكوك الوطنية على الصحفيين، بل من أوهمهم بذلك؟!
إن كان الأمر بهذه الفوضى، فمن حق الصحفي أيضاً اتهام بعض الضباط بالعمالة وعدم الوطنية.
ما يحكم هذه المسائل هو القانون وليس انطباعات شخصية تسيطر على قلة منهم فيتوهمون بأحقيتهم في الاتهام والتصنيف.
داخل العاصمة وخارجها، تعرّض الصحفيون للاعتقال وللتحقيق من استخبارات الجيش، صحيح أنه تم إطلاق سراحهم بعد ساعات من الاعتقال، لكنه كان نوعاً من التضييق.
تم منع بعضهم من السفر، وآخرين من الدخول.
أما الدعم السريع، الذي اعتدى على منازل مواطنين ونهب ما فيها، لم يفرق في اعتدائه أن المنزل ملك لصحفي أو طبيب، لذا لن نسمي ذلك اعتداءً مباشراً على الصحفيين، لكنه مارس انتهاكات مباشرة.
أفراد من الدعم السريع يمارسون الابتزاز على صحفيين، للسماح لهم بالتحرك والمرور، إذ لا بد من التعهد بقول مطلوبات معينة لصالحهم.
كما أنهم مارسوا الاعتقال والاعتداء والضرب على صحفيين وقد سُجلت حالة قتل لصحفي في الخرطوم، وصحفية في دارفور.
دمروا المكاتب الإعلامية ونهبوا ما فيها من كاميرات وأدوات.
لا يستطيع الصحفيون التحرك في الشوارع دون أن يتعرضوا لإيقاف وتضييق رغم آلاف القصص التي تستحق أن توثق وتُروى.
يكابدون للحصول على مياه وقليل غذاء، يمشون مسافاتٍ طويلة لانعدام المواصلات بهدف الوصول إلى مكان يلتقط شبكة، أثناء سيرهم يحاولون النجاة من القصف والرصاص، حينما يصلون لوجهتهم المحددة يجدون اتهامات مجانية من الذين لا يعرفون في الصحافة والإعلام.
شاهدت تسجيلاً من أحد أفراد الدعم السريع وهو يطالب قناة الحدث بأن “تتوقف عن الحياد” وأن “تكون غير محايدة”.
هو مثل آخرين كُثر، لا يفرقون بين الاثنين.
حقاً.. بئس الطالب والمطلوب…!
لينا يعقوب