الجنجويد ورسالة الخراب
الصنيعة الكيزانية المسماة بالدعم السريع ، هي في الأصل (جنجويدا يلبسون يونيفورم) على حد وصف الباحث والمحلل الأمريكي كاميرون هدسون ، فعندما كان الجنجويد في 2005 يرتكبون أفظع الجرائم والإنتهاكات في دارفور كانت الدولة بتنظيمها الحاكم وجيشها وأجهزتها الأمنية والإعلامية ، يصفون ما ينشره الإعلام الغربي وقتها عن الإنتهاكات بأنه هجمة غربية إمبريالية على الدولة وتوجهها ، ومن جانب آخر كانوا يروجون لأن الحركات المسلحة تسعى لتصفية اقليم دارفور من القبائل العربية بتجريمها .
والحقيقة أن لا الإعلام الغربي ولا (جورج كلوني) كانوا مخطئين في رصد الإنتهاكات ، ولا الحركات كانت ساعية لإنهاء الوجود العربي في دارفور ، وليس هناك مخططا لما يسمى ب (دولة الزغاوة الكبرى) كما كان يشاع وقتها ، فالجنجويد كانوا آلة الدولة التي أستخدمتها وعبأتها جيدا لمواجهة التمرد بدعاوى (معركة الوجود) ثم أنفلت كيان الجنجويد وتمددت صلاحياته في أوقات الحرب والسلم إلى أن صار قوات لها قانون ولديها حظوة وأثرة بين أجهزة الحكم .
حتى نهايات عهد البشير كان الجنجويد قوة تمثل (الشر الضروري) لمواجهة التمرد ، الشر الذي لا بد من وجوده ليمثل الطرف القذر الذي ينفذ أجندة الدولة بلا أي مسؤولية أخلاقية للجيش والأجهزة النظامية ، وكان النظام السياسي وقتها يمتلك كافة (الصواميل) مع كلمة السر لتفكيك الكيان إن هو خرج عن المسار المرسوم له ، لكن بعد سقوط البشير خرج الأمر عن السيطرة وتحول الجنجويد لقوة سياسية وإقتصادية هائلة ذات علاقات خارجية وداخلية معقدة .
لا يمتلك الجنجويد مشروعا سياسيا ولا منظومة فكرية خارج عباءة السلطة ،
فمن قبل كان حدود طموحهم المشاركة في حكم اقليم دارفور مع غيرهم ، أما الآن فطموحهم تجاوز حتى حكم السودان نفسه إلى وسط وغرب أفريقيا بالتعاون مع الكفيل الخليجي والغربي ، يريد الجنجويد من حرب 15 أبريل أن تضعهم كسلطة أمر واقع وشر لا بد من التعامل معه بالنسبة للمجتمع الدولي والإقليمي ، وكما هو معلوم فإن منظومات العمل الأفريقي الفاسدة لا مانع لديها من تقبل فكرة الإنقلابيين إن كانوا مرضيا عنهم من الأقطاب الغربية .
لذلك وبعد فشل مخططهم العنصري البغيض يسعى الجنجويد لإحداث أكبر قدر من الخراب في الدولة السودانية ، خراب يجعل من المستحيل للسودان العودة لما قبل 15 أبريل ، فالمال الجنجويدي أفسد المجال السياسي والمجتمعي بالكامل قبل الحرب ، وبعد الحرب لم يسلم سوداني أو سودانية من بندقية الجنجويد ، تهجيرا وقتلا وإغتصابا وإبادة جماعية وتطهيرا عرقيا ونهبا للممتلكات وترويعا للآمنين .
أختطف الجنجويد القرار السياسي للدولة قبل الحرب ، وبعد الحرب يريدون تنفيذ عملية إحلال وإبدال للمكون السياسي والمجتمعي بالكامل ، وهي عملية أسوأ من أسوأ نظريات المؤامرة التي يمكن أن يتخيلها العقل السوداني الذي كان يراهن على وطنية هذه القوات وبُعدها عن تنفيذ مغامرة مميتة كالتي تخوضها الآن ، مغامرة ستنعكس آثارها سلبا لفترة طويلة ويتمدد جرحها ليشمل أبعادا غير عسكرية .
وسواء أقتربت ساعة الحسم أم أبتعدت فإن القوات المسلحة السودانية تمتلك رصيدا شعبيا وحاضنة مجتمعية هي كل السودان ، وكل يوم تزداد وتيرة التعبئة الشعبية بما يضعف فرص الجنجويد في البقاء لمدة أطول ، وكل إنتهاك في حق المدنيين يزيد من السخط الشعبي تجاه الجنجويد ويكتب نهايتهم بأسوأ سيناريو ، ولن تبلغ رسالة الخراب الجنجويدي مداها ما دامت القوات المسلحة قادرة على المواجهة وتحقيق التقدم وإحداث أكبر قدر من الخسائر في صفوف أعداء الوطن والإنسانية .
يوسف عمارة أبوسن
1 أغسطس 2023