إستراتيجية الجيش كانت المحافظة على القوة وليس الأرض
في الحرب الأولوية القصوى ليس حماية المواطنين وإنما تجنب الهزيمة العسكرية. قد يبدو ذلك صادماً للوهلة الأولى؛ ولكن لو فكرنا ما سيحدث بعد الهزيمة العسكرية ستزول هذه الصدمة.
لو انهزم الجيش سنكون قد خسرنا كل شيء؛ ستتم استباحة البلد بلا أمل في الخلاص، فقد انتهى الجيش. وحينها لن تجد جيشاً لكي تلومه على أي شيء.
سيبقى تجنب الخسارة، خسارة الحرب، هو أهم محدد لتحركات الجيش، بافتراض أنه يعمل بمهنية عسكرية. ضمن هذا الإطار نفهم محافظة الجيش على مقراته وقوته كأولوية على الانتشار وحماية كل المناطق المدنية بما يقتضيه ذلك من مواجهات عسكرية مفتوحة داخل الأحياء السكنية.
بالتوازي مع حالة الدفاع والاحتفاظ بالقوة وبالسيطرة على بقية المناطق على امتداد السودان من أقصاه إلى أقصاه فقد عمل الجيش باستمرار على تدمير المليشيا ضرب مقراتها وأسلحتها وجنودها حتى وصلت إلى الوضع الذي نراه الآن.
الجيش استمر في مراكمة القوة البشرية. إستمرت معسكرات الجيش في عدد من الولايات في تخريج دفعات جديدة، ثم جاء الاستنفار وتم فتح معسكرات على امتداد السودان، كل ذلك اثناء الحرب.
الآن بدأت معسكرات الاستنفار تخرج المجاهدين بعد جرعة تدريبية كافية وتعلُّم استخدام السلاح وضرب النار. كذلك عمل الجيش طوال الفترة السابقة على حشد قوات إلى العاصمة وتخومها من الولايات. بعض القوات التي تم تجميعها كان أفرادها في الدعم السريع من القوات الخاصة التي تم استيعابها في الدعم السريع في وقت سابق، ولكنهم انسحبوا من الدعم السريع.
فالجيش لم يحتفظ بقوته فقط وإنما عمل على تقوية نفسه وحشد قوات إضافية، وبكل تأكيد فإن الجيش بعد ثلاثة أشهر ونصف من الحرب أقوى منه عند بدايتها في 15 أبريل. في المقابل الدعم السريع على العكس من ذلك استُنزفت قوتها المادية والبشرية.
لو كان الجيش حاول تأمين كل العاصمة بأحياءها المدنية وشوارعها أو بعض منها لكان سهل على المليشيا مهاجمة معسكراته والاستيلاء عليها. تخيل القوة الموجودة في المدرعات مثلاً وقد انتشرت في الشوارع لتحمي أوسع منطقة ممكنة. ماذا يعني ذلك؟
يعني إخراج قوة كبيرة وتفريغ المعسكر؛ لن يمنع ذلك المليشيا من التسلل وشن هجوم على المعسكر وربما الاستيلاء عليه. ستكون بقية القوات منتشرة في الشوارع والأحياء بدون أي معنى وبدون قيادة مثلما هو الوضع الآن مع المليشيا.
إستراتيجية الجيش كانت المحافظة على القوة وليس الأرض. الجيش استطاع أن يحافظ على قوته كاملة تقريباً، وعمل في المقابل على ضرب قوة المليشيا. صحيح المليشيا انتشرت على الأرض ولكن النتيجة كانت تبدد قوتها. الجيش انكمش على نفسه واحتفظ بقوته ويستطيع أن يهاجم ويضرب بقوة في اللحظة المناسبة.
حليم عباس