عادل الباز: نقابة المنتحرين تواصل عروضها!!
1- وأنا أشاهد مؤتمر الحرية والتغيير بالقاهرة (التي عادة يدخلها الناس بسلام آمنين إلا هؤلاء جاؤوا إليها بذلة صاغرين)؛ تذكرت المسرحية الرائعة (نقابة المنتحرين) التي عرضت فى ثمانينيات القرن الماضي، تلك المسرحية من تأليف الأستاذ النعمان حسن أحمد، وإخراج الأستاذ عادل حربي، يالها من عمل.. استمتعنا بها وقتاً طويلاً في أزمنة المسرح الجميل.
المسرحية تتحدث عن جماعة تضم أطيافاً متنوعة من الناس قررت الانتحار، كلٌ بسببه.. وخلال المسرحية سرد كل حكايته بطريقة درامية كوميدية، وكل حكاية كانت لها متعتها الخاصة.. لا أذكر عدد المرات التي شاهدت فيها تلك المسرحية التي كانت تضحكني ولا زالت حد الدموع تماماً، كالحالة التي تنتابني كلما حضرت مؤتمراً صحفياً لقحت، ذات الحالة من الضحك المتواصل مضاف إليها حالة من الغثيان.
2
كابتن كابو (عبد الحكيم الطاهر)، والمبدع عيسى تيراب (شآبيب الرحمة على قبريهما) أبرز نجوم المسرحية كانا يفجران الصالة بالضحك، خاصة حين يطل كابتن كابو من على خشبة المسرح متأبطاً (كرته) التي فكت تماماً كياسر عرمان (الذي يتمتع بكراهية قومية، بحسب محمد محمد خير)، ويتبعه عيسى تيراب الشاعر، بمشيته العجيبة وهو الذي لم يتبق له سوى بقايا شعر رديء ومستهلك تماماً كصاحب اللساتك التي أشعلها حرباً وناراً وهرب.. كانت إطلالة عيسى وكابتن كابو تثير الضحك دون أن ينطقا بكلمة، تماماً كإطلالة ياسر عرمان والسنابل وشلة المنتحرين.. أي والله.
3
هل انتحرت الحرية والتغيير أم نحرها الفلول؟.. لم تكن بحاجة إلى من ينحرها، لقد تكفل عباقرتها بالمهمة بالكامل، انتحرت يوم أن باعت الثورة رخيصة في مساومات الكراسي، ضعف الطالب والمطلوب.. انتحرت حين خانت شعارات الثورة فنحرت الحرية واتخذت من السلام صكاً للبقاء في السلطة، وجعلت العدالة هزوءاً، انتحرت حين باعت دم شهدائها ومنحت القتلة صكوك الغفران، وأخيراً تحالفت معهم، انتحرت حين خانت وطنها ورهنت سيادته للسفارات (سفارة سفارة) ووصلت لمحطة انتحارها النهائي يوم أن تحالفت، بل وتآمرت مع مليشيا الجنجويد وأضحت تحت خدمتها تبرر جرائمها وتدافع عنها وتصنفها كقوى ديمقراطية!!
الغريب أنها إذ تواصل مسيرتها المنتحرة والمندحرة تهرب من المعركة لتستجدي نصرة الأجنبي وتترك شعبها في براثن الموت.. هل هذه قوى سياسية أم نقابة منتحرين تمارس الكوميديا السوداء؟!
4
من بين حشد الهراء الذي فاض به البيان الختامي بعد لقاء القاهرة عديم الجدوى استوقفتني فقرتان، الأولى تتعلق بالحرب، والثانية بحزب المؤتمر الوطني (الإسلاميين) وما حزنت له فعلاً أن جماعة المركزي لا زالت، بعد كل ماجرى؛ تسبح عارية في بحر الأكاذيب وتتخفى في ثياب شعارات ومقولات رثة، ولا زالت ترغب في أن تغطي الشمس بغربال، وكل ذلك يشي أنها لم تتعلم من تجربتها القاسية شيئاً، ولا تزال تقف عند محطتها القديمة، محطة الكراهية والإقصاء.
5
ذكر البيان الختامي في فقرته الأولى (أدان الاجتماع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي نتجت عن هذه الجرائم القتل والسلب والنهب واحتلال البيوت التي قامت بها قوات الدعم السريع، وجرائم القصف الجوي والاعتقالات التعسفية للناشطين وحماية أنشطة وفعاليات وفلول النظام البائد من قبل القوات المسلحة).
أغفلت هذه الفقرة ثلاث قضايا، قضية اغتصاب النساء، إذ لم تأتِ على ذكرها مطلقاً بين الانتهاكات، والسبب لأن المتهم الوحيد بارتكابها هو قوات الدعم السريع الحليفة. والقضية الثانية هي تجاوز البيان بصورة مخجلة قضية الإبادة التي تعرض لها المساليت في دارفور، وأهملت حتى الترحم على الوالي المغدور خميس أبكر رحمة الله عليه، رفيقهم في الإطاري، أيضاً لأن المتهم الوحيد بقتله هو المليشيا المتمردة الحليفة.. ثم حاولت أن تساوي بين الأخطاء المحدودة للجيش وجرائم المليشيات التي تتخذ من بيوت المواطنين دروعاً حامية، وأنهم بلا خجل أشاروا لاعتقالات الناشطين المحدودة وهي ليست لناشطين، بل لقوادين يدلون المليشيا على منازل الضابط لقتلهم وسحلهم، خمسة آلاف معتقل بحسب رويترز في سجون المتمردين يعانون أهوال لا يتحملها بشر.
6
في الفقرة الثالثة يطالب البيان بـ (ضرورة تصنيف المؤتمر الوطني وواجهاته كتنظيم إرهابي جراء جرائمه التي ارتكبها منذ تقسيم البلاد والإبادة الجماعية انتهاءً بإشعال حرب 15 أبريل والسعي لاستمرارها وتغذية خطابات الكراهية والعنصرية وتقسيم البلاد).
ويل ثم ويل للمطففين، عجزوا عن إدانة المليشيا التي ترتكب الابادة والاغتصاب والاحتلال وتقتل وتنهب وبحثوا عن حزب (محلول) ليطالبوا (من) بـ(تصنيفه كحزب إرهابي)!!
الإسلاميون الذين يدافعون مع قواتهم وشعبهم عن حرائر السودان ويقاتلون بجسارة في حواري الخرطوم، يُصنفون كإرهابيين، والذين يغتصبون ويقتلون ويحتلون المنازل يصنفون كـ(ديمقراطيين)!!. بالله شوف عدم الاستقامة الأخلاقية والسياسية هذه!!
هل مثل هذه البيانات يمكن أن تصدر عن قوى سياسية مسؤولة؟ أم تصدر عن شلة من ناشطين عطالى عن أي موهبة ومسئولية، يُقدمون على كل ما يمكن أن يخذل شعبهم ويخزيهم ويرتكبون من الأفعال والأقوال ما يؤهلهم بجدارة لعضوية نقابة المنتحرين سياسياً، والذين سيقبرون حين يقرر الشعب مصيره، ويا ويلكم يوم الشعب (يحكم) نفسه!
عادل الباز