انقلاب النيجر: أسبابه وأبعاده وتداعياته .. الهوسا تشكل النسبة الأكبر من سكان النيجر

وأخيرا، قد تحاول الحكومة العسكرية الجديدة إجراء تغييرات يمكن أن تؤثّر في التوازن السياسي في النيجر, ولكن أحد الدروس المستفادة من هذا التطور أن النخبة الحاكمة غالبا ما تفضّل مصالحها على المصلحة العامة, كما أن التجارب الديمقراطية في عدد من الدول الإفريقية تتجاهل كيفية التعامل بشكل بناء مع المظالم الحقيقية التي يواجهها مجتمعات هذه الدول, رغم أن مجرّد إجراء الانتخابات لا تضمن الإجابة على المظالم العامة أو أسباب الاحتجاجات واستياء المواطنين. وهذا لا يعني بالطبع أن العسكر أنفسهم الذين يأتون إلى السلطة عبر الانقلابات وباستغلال شكاوى المواطنين مستعدون لترسيم المسارات البديلة لمعالجة تلك المظالم أو إعادة الأمور إلى نصابها اللائق.

اندلعت حالة من التوترات في النيجر يوم الأربعاء 26 يوليو، حيث قام أفراد من الحرس الرئاسي بقيادة الجنرال عبد الرحمن تشياني (ويدعى عمر تشياني في بعض التقارير)، بإغلاق الطرق المؤدية إلى مقر إقامة الرئيس النيجري ومكاتب القصر الرئاسي في نيامي. وفي ساعة متأخرة من ليلة 27 يوليو ، بدا اكتمال عملية الانقلاب العسكري الذي قادته مجموعة من أعضاء الحرس الجمهوري للرئيس محمد بازوم، حيث أعلن العسكريون تشكيل مجلس انتقالي تحت اسم “المجلس الوطني لحماية الوطن”، وظل الرئيس محمد بازوم محتجزًا في مقر إقامته ، كما تم تعليق العمل بالدستور وحظر التجول في العاصمة، وأغلقت الحدود. وقد أثار الانقلاب موجة انتقادات دولية، وخاصة من الحلفاء الغربيين الذين يرون في بازوم حليفًا استراتيجيًا في منطقة الساحل المضطربة بأنشطة الجماعات الإرهابية.
أسبابه والضباط الرئيسيون في المجلس العسكري

تُرجع معظم التقارير المحلية في النيجر السبب وراء هذا الانقلاب العسكري إلى خلافات سياسية داخل الحكومة، حيث قرر الرئيس الحالي محمد بازوم إجراء تغييرات في الجيش النيجري، واستبدال رئيس أركان الجيش ورئيس الدرك الوطني في أبريل 2023. وقرر بازوم أيضًا إبعاد الجنرال تشياني من قيادة الحرس الرئاسي تدريجيًا، مما أدى إلى انقسام داخل الحرس ودفع ببعض أعضائه إلى الانقلاب ضده.

أما المجموعة العسكرية التي احتجز الرئيس بازوم, فهي تابعة للحرس الرئاسي النيجري, وهي وحدة نخبة خاصة تتكون من حوالي 700 جندي مدربين. ويقود هذه الوحدة الجنرال تشياني الذي جُنِّد في الوحد عام 2011, وينتمي إلى منطقة تيلابيري غربي النيجر بالقرب من الحدود مع مالي, كما يعدّ أحد حلفاء الرئيس السابق محمد إيسوفو الذي حكم النيجر حتى عام 2021. ويوصف الجنرال أيضا كشخصية مثيرة للجدل في السياسة النيجرية, حيث قاد المقاومة التي أحبطت محاولة انقلاب فاشلة في مارس 2021 عندما حاولت وحدة عسكرية الاستيلاء على القصر الرئاسي قبيل أداء بازوم، المنتخب وقتذاك، لليمين الدستورية كريس للبلاد.

وفي يوم الجمعة الموافق 28 يوليو 2023 عيّن عبد الرحمن تشياني نفسه رئيسًا للحكومة الانتقالية بقيادة “المجلس الوطني لحماية الوطن”، وذلك بعد يومين من إطاحة وحدته بـبازوم, الرئيس المنتخب ديمقراطيًا. وأشار المجلس العسكري إلى أن السبب وراء خطوتهم هو تدهور الوضع الأمني, رغم التحسّن الملموس من تعامل النيجر لأنشطة المسلحين مقارنة بجيرانها في مالي وبوركينا فاسو قبل الانقلابات فيهما. وهذا الزعم من قبل المجلس العسكري يدعمه الاعتقاد الشعبي السائد بأن التعامل مع الاضطرابات المتزايدة بحاجة إلى الإجراءات الصارمة العسكرية فقط نظرا لسيطرة الحركات الإرهابية على الأراضي وشن هجمات في المنطقة الحدودية الثلاثية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو. بينما هناك من يشكّ في ما إذا كان المجلس العسكري سيحقق نجاحًا أكبر في مواجهة الإرهابيين مقارنة بحكومة بازوم.

ويضاف إلى ما سبق أنه رغم استناد المجلس العسكري الذي نفذ الانقلاب إلى الجنرال عبد الرحمن تشياني، رئيس الحرس الرئاسي، إلا أنه لم يكن حاضرًا أثناء الإعلان عن الانقلاب يوم الخميس, حيث تلا بيان الانقلاب أمادو عبد الرحمن ضابط في القوات الجوية النيجرية. ويتكون المجلس العسكري من العديد من الضباط ذوي الرتب العالية، وهو ما يرجح أن يكون الانقلاب نتيجة صراع داخلي أو محاولات السيطرة وتوسيع دائرة النفوذ المركزية. ويشمل هؤلاء الضباط الجنرال محمد تومبا من القوات البرية، والجنرال موسى سالاو برمو، قائد القوات الخاصة، ونائب القائد الأعلى للحرس الرئاسي، وأحمد سيديان مساعد رئيس الوزراء السابق بريجي رافيني، والعقيد إبراهيم أحمدو بشارو، أحد قادة الحرس الرئاسي, والعقيد عبد الكريم خيمة القائد الثاني للدرك الوطني والعقيد و إبّانكاويل أسّاحابا، المدير العام المساعد للشرطة.

جدير بالذكر أن الجنرال تشياني البالغ من العمر 62 عامًا أشار, أثناء ظهوره على التلفزيون الحكومي يوم الجمعة, إلى أن التدخل كان ضروريًا لتجنب “الزوال التدريجي والحتمي” للبلاد, أنه رغم سعي بازوم لإقناع الناس بأن “كل شيء يسير على ما يرام … إلا أن الواقع القاسي (هو) كومة من القتلى والنازحين والإذلال والإحباط”.

أبعاده المحلية والإقليمية والدولية
إن هذا الانقلاب سادس الانقلابات في غرب إفريقيا خلال ثلاث سنوات (واحد في غينيا واثنان في كل من بوركينا فاسو ومالي)، وهو ما أدّى إلى ظهور وصف “حزام الانقلاب” للإقلبم وسط مخاوف من تداعيات هذه التطورات على أمن منطقة الساحل, وهي حزام من الأرض يمتد من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر, والتي تعدّ النيجر جزءا رئيسيا منها. وهي من المناطق الإفريقية التي تعاني الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار الأمني في السنوات الأخيرة.

ومما يجعل هذا الانقلاب في النيجر مثيرا للاهتمام أنه أطاح بأول تجربة ديمقراطية للبلاد, حيث كان الرئيس بازوم أول رئيس منتخب يخلف رئيسا آخر في النيجر منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960. وقد انتهت هذه التجربة بعدما علّق المجلس العسكري دستور البلاد مع الجنرال عبد الرحمن تشياني رئيساً للدولة.

وتحظى النيجر بدعم الدول الغربية التي تنظر إليها على أنها حصن ضد نشر النفوذ الروسي في الساحل, حيث يعدّ النخبة الحاكمة وجنرالات البلاد حلفاء للغرب وشركاء فرنسا ضد النفوذ الروسي والمجالس العسكرية في الدول المجاورة. ولكن هذه النظرة الغربية والتعاون النيجري الفرنسي قد لا يدومان طويلاً؛ إذ منذ اليومين الماضيين بدأت النيجر تشهد تزايد الأعلام الروسية التي ترفرف بين بعض المواطنين والشعارات المرتفعة التي تنادي بـ “لا للإمبريالية” و “لا للقوات العسكرية الفرنسية”, حيث خرج مئات الأشخاص وتجمعوا أمام الجمعية الوطنية في نيامي للتعبير عن دعمهم للانقلاب، ويطالبون بتدخل روسيا وانسحاب القوات الفرنسية من النيجر.

ويحاول الرئيس السابق محمد بازوم مقاومة الانقلاب بدعم من حلفائه، بما في ذلك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ايكواس) التي يقودها رئيس نيجيريا بولا تينوبو، والتي فشلت في التوصل إلى اتفاق مع قائد العملية الانقلابية. وفي المقابل، أعلن وزير الخارجية النيجري هاشم مسعود (العروف أيضا بـ مسعود حاسومي) نفسه رئيساً مؤقتاً للنيجر وناشد الشعب النيجري برفض الانقلاب ودعم المكاسب الديمقراطية. وأكدت المعارضة السياسية لنظام الرئيس المخلوع بازوم، والمنضوية تحت “اتحاد الوطنيين النيجريين” (UPN)، دعمها لـ “المجلس الوطني لحماية الوطن” وتدعو إلى التحرك يوم الجمعة بعد الصلاة لتنظيم مسيرة داعمة للمجلس الوطني لحماية الوطن (CNSP).

وقد عبرت دول الإقليم مثل نيجريا وبنين والسنغال وغينيا بيساو وساحل العاج عن قلقها إزاء الانقلاب في النيجر، وأدانه الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا وروسيا مع الدعوة إلى الإفراج الفوري عن بازوم. وهذه الردود العالمية تعكس احتمالات تفاقم الوضع الأمني في النيجر، كما تحمل دلالات جيوسياسية، وخاصة أن الدول الغربية بحاجة إلى الاحتفاظ بحليف في البلاد لحماية مصالحها الاستراتيجية وقواعدها العسركية وقواتها الأمنية في في منطقة الساحل بشكل عام وفي النيجر بشكل خاص.

وفي الوقت الراهن, يبدو أن نسبة الدعم لـ بازوم في أوساط المؤسسات العسكرية تتضاءلت, إذ تراجعت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة في النيجر عن رفضها للانقلاب, وأعلنت دعمها لـ “المجلس الوطني لحماية الوطن”، وحذرت من أي تدخل خارجي, وذلك في إشارة إلى فرنسا المتهمة أيضًا بخرق الملاحة الجوية النيجرية، وهو ما يشير إلى تقلبات الوضع السياسي والأمني في النيجر وعدم استقراره.

تداعيات الانقلاب:
تعتبر النيجر أكبر دولة في غرب إفريقيا، وهي دولة مهمة في النواحي السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والأمنية؛ فالبلاد اكتسبت في السنوات الأخيرة ثناءا كنموذج للاستقرار الديمقراطي النسبي، كم أنها تستضيف قواعد عسكرية فرنسية وأمريكية مما يجعلها شريكا رئيسيا للغرب وعنصرا أساسيا في أجندات مكافحة الإرهاب ضد الجماعات الإرهابية المختلفة المرتبطة بـ “تنظيم الدولة الإسلامية” و “القاعدة”. ومن الناحية الاقتصادية، تملك النيجر كميات كبيرة من اليورانيوم, حيث تنتج 7 في المئة من جميع الإمدادات العالمية, ويساهم بشكل كبير في اقتصاد البلاد, حتى وإن كانت عائداته لا يؤثّر كثيرا في مستوى معيشة النيجريين.

ومع الانقلاب العسكري في النيجر، يُتوقع أن يزداد الوضع الأمني تأثراً، حيث يمكن أن تتزايد حالات العنف وتفاقم الانقسامات الإثنية في البلاد. وقد يواجه العرب والمكونات الإثنية الأخرى، بما في ذلك التبو/القرعان والطوارق وغيرهم من الذين كانوا يتقاسمون السلطة مع الرئيس السابق محمد بازوم، أو الذين يشكون من التهميش, صعوبة في الحفاظ على نفوذهم. وقد يقلل هذا الوضع فرص الحوار والتوافق بين المكونات السكانية المختلفة، بما في ذلك الهوسا التي تشكل النسبة الأكبر من سكان النيجر.

وأخيرا، قد تحاول الحكومة العسكرية الجديدة إجراء تغييرات يمكن أن تؤثّر في التوازن السياسي في النيجر, ولكن أحد الدروس المستفادة من هذا التطور أن النخبة الحاكمة غالبا ما تفضّل مصالحها على المصلحة العامة, كما أن التجارب الديمقراطية في عدد من الدول الإفريقية تتجاهل كيفية التعامل بشكل بناء مع المظالم الحقيقية التي يواجهها مجتمعات هذه الدول, رغم أن مجرّد إجراء الانتخابات لا تضمن الإجابة على المظالم العامة أو أسباب الاحتجاجات واستياء المواطنين. وهذا لا يعني بالطبع أن العسكر أنفسهم الذين يأتون إلى السلطة عبر الانقلابات وباستغلال شكاوى المواطنين مستعدون لترسيم المسارات البديلة لمعالجة تلك المظالم أو إعادة الأمور إلى نصابها اللائق.

موقع الأفارقة للدراسات والاستشارات
محمد طاهر زين – صحفي من تشاد

Exit mobile version