عادل عسوم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم فى السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين} 65 البقرة.
للمفسرين رأيان فى معنى هذا المسخ، قال الغالب بأنه مسخ مادى، وقالت قلة بأنه مسخ معنوى، غالب المفسرين بأن الذين خالفوا أمر الله من بني اسرائيل بعدم صيد السمك يوم السبت مسخهم الله فأصبحوا قردة وخنازير (تحولا حقيقيا)، أما بقية المفسرين فقد قالوا بأن التحول كان في أخلاقهم وطبائعهم فأصبحت كأخلاق وطباع القردة والخنازير، واني لأرى القول بالمسخ (المعنوي) في الطباع هو الأرجح والله أعلم.
ورد فى تفسير القرطبى “أن هذا الرأى مروى عن مجاهد فى تفسير هذه الآية أنه إنما مسخت قلوبهم فقط، وردت أفهامهم كأفهام القردة.
انتهى
ولقد وقعت على قول لعالم الفقه والحديث سفيان بن عيينة رحمه الله عندما سمع قول الله: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم} 38 الأنعام ، قال: ما في الأرض آدمي إلا وفيه شبه من البهائم، فمنهم من يهتصر اهتصار الأسد، ومنهم من يعدو عدو الذئب ومنهم من ينبح نباح الكلاب، ومنهم يتطوس كفعل الطاووس.
وقال الخطابي رحمه الله معلقاً: ما أحسن ما تأول سفيان هذه الآية واستنبط منها هذه الحكمة، وذلك أن الكلام إذا لم يكن حكمه مطاوعاً لظاهره وجب المصير إلى باطنه، فنحن نعلم بأن الحيوانات ليست مثل بني آدم؛ لأن بني آدم في الظاهر يختلفون عن الحيوانات اختلافاً كلياً، فإذن هناك أمور في الباطن تتشابه فيها طبائع الآدميين مع بعض طبائع الحيوانات، وهذا من إعمال الفكر والتدبر في مخلوقات الله، ولذلك نجد الله تعالى قد ضرب لبعض بني آدم أمثلة شبههم بها بالحيوانات فقال جل في علاه عن نفر من الناس: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} 176 الأعراف، وشبه أناساً آخرين بأنهم مثل الحمار يحمل أسفاراً.
وخاطرتي اليوم تدور حول ذلك وتعنى به، ولقد خلصت إلى (قناعة) بنظرية/رؤية بمشاركة الإنسان – في الكثير من سماته وطبائعه – للحيوان الذي يشبهه في شكله العام، والأمر ليس بأطلاق وتعميم، إنما مؤطر ببعض الشروط والتفاصيل، ولعلي أضيف إلى تفسير سفيان بن عيينة بأن المسخ قد يحوي -ايضا- بعض المشابهة الجسدية وفي الهبئة العامة للمسوخ لتجد شبهه بحيوان ما جليا منذ أول نظرة أو تعامل.
هذه ال (قناعة) عضّدتها تجارب شخصية لي، وقد أعتدت التعويل عليها كثيرا عندما أضطر إلى تعامل (لحظي) مع شخص ما يتعذر لي الوقت الكافي لسبر غور شخصيته، وللعلم فإن جل أسفاري كانت ولم تزل خاصة بعملي، ولقاءاتي دوما تكون مع مسئولين في شركات ومصانع متفرقة في ارجاء العالم، وأصدقكم القول بأن نسبة الإيجاب والصحة في تطابق السمات الحقيقية للشخصية التي ألتقيها مع الصورة الأولية التي أرسمها لها تكاد تفوق ال90%!
ومما يجدر بي ذكره أنني أحب ساعات الإنتظار في المطارات long layovers.
وفي الذاكرة صورٌ للعديد مطارات العالم تحتشد بالناس على مختلف جنسياتهم وأشكالهم وألوانهم، وأخال أن حبي للانتظار في المطارات مرده هوايتين:
1-القراءة؛ إذ أعتدت حمل عدد من الكتب لقراءتها خلال الرحلة على متن الطائرة، أو أثناء فترة الانتظار في صالات المطارات
Travel halls /lounges
2- حب التعرف على أصول الناس وسماتهم وجنسياتهم من خلال أشكالهم وتقاطيع وجوههم ونبرات الصوت وبعض الكلمات التي أسمعها أثناء تحادثهم.
وكم أجد نفسي مدينا لأسفاري عندما أمايز بين عدد الكتب التي قرأتها خلالها، وكذلك لعمق استيعابي لمحتوياتها.
أما (ولعي) بالتعرف على سمت الآخرين؛ فمرده قراءات في علم النفس، وبعض المصنفات التي تتحدث عن (رؤى) في خفايا النفس البشرية مثل التي وردت عن سفيان بن عيينة رحمه الله.
فالذي يشبه الثعلب (مثلا) في شكله العام، أو في تقاطيع وجهه، أجده يتصف بالمكر والدهاء؛ رجلا كان أو امرأة!.
والذي يشبه الكلب في شكله العام، أو في تقاطيع وجهه، أو في شكل المشية؛ أجده يتصف بالأنانية وحب الذات، رجلا كان أو امرأة!.
وكل ذلك مسخ من الله لهؤلاء الناس لشيء سبق إلى علم الله أنهم سيفعلوه فيه اغضاب لله.
وأحسب أن الأمر -على اجماله- يرتبط بفطرية الطبائع والسمات لدى الحيوان، وقد يسعى الانسان إلى ترقية موجبة لوجدانه أو طبائعه وسماته العامة من خلال الأقتداء بأمثلة أو إعتمار منهج أو فكر يرقى به ولكن من بعد توبة ترضي الله عن مناط وسبب غضبه تعالى عليه.
وقد خلق الله الحيوانات وقدر لكل منها سمات ظلت مميزة لها منذ الأزل، والله تبارك في علاه لايخلق كائنا أو يمنح صفة عبثا،
وقد تناول العديد من فلاسفة المسلمين صفات الحيوان من مدخل التفكر في الخلق، وأبانوا بأن هناك رابطا قويا بين صفات الحيوان وسمات الآدميين، فإن أكرمه الله أعانه على التسامي عن سمات الحيونة ليرتقي بانسانيته، أما ان كان مغضوبا عليه فإن الله قد يمسخه ليصبح كالحيوان أو أضل:
{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} 44 الفرقان.
والحيوان مهما رُوّض فأنه لاينفك عن السمات التي جبله الله عليها لكون هذه السمات جينية وجِبِلّة،
لننظر حولنا لنرى في العديد منا شبها ببعض الحيوانات، ان كان في البنية العامة، أو التقاطيع الخارجية، أو حتي في طريقة المشي، اضافة إلى الطباع. واختلاف الأنسان عن الحيوان كامن في تمييزه بمنحة العقل، ويقال أيضا بأن الكتابة والقراءة تعد سمة وهبة مميزة لبنى آدم، وبني آدم يمكنه الإرتقاء والسمو بنفسه ليصل إلى مصاف الملائكة، ولكن – أيضا- بيده أن يصبح كالأنعام أو أضل سبيلا!.
النفس الكلبيّة:
لعلي كنتُ من أكثر الناس حبا للكلاب في صغري، وبالطبع يجمع أهل الغرب، وكثير من أهل الشرق على كون الكلب أنبل حيوان على الأرض وفاء وحبا لصاحبه، ولاغرو لدينا العديد من قصص الوفاء للكلاب في محيطنا الصغير، لكنني عندما كبرت وقرأت عن بغض النبي صلى الله عليه وسلم للكلاب؛ ماكان مني الاّ أن نأيت بنفسي عن حبها، وعندما قُدّر لي معرفة صفات الكلاب وجدتها من أخس الطباع!
يقول ابن سيرين في طبائع النفوس:
الكلب لو صادف جيفة تشبع ألف كلب لوقع عليها، ومنع عنها سائر الكلاب، فلا تقربها الكلاب إلا على كره منه وغلبة، ولايسمح لغيره بشئ منها، همه شبع بطنه من أي طعام أتفق: ميتة أوغير ذلك، خبيث أو طيب، ولايستحي من قبيح، ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، ان أطعمته بصبص بذيله ودار حولك، وان منعته نبح في وجهك وبعد عنك.
وورد في صحيح مسلم بأن سفيان بن عيينة قال لما سمع قول الله عز وجل في الآية 38 من سورة الأنعام: {…وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ}.
ما في الأرض آدمي إلا وفيه شبه من البهائم…
فمنهم من ينتصر انتصار الأسد…
ومنهم من يعدو عدوَ الذئب…
ومنهم من ينبح نباح الكلاب…
ومنهم من يتقوس كفعل الطاوس.
قال الخطابي رحمه الله معلقاً:
ما أحسن ما تأول سفيان من هذه الآية، واستنبط منها هذه الحكمة، وذلك ان الكلام إذا لم يكن حكمه مطاوعاً لظاهره وجب المصير إلى باطنه، فنحن نعلم بأن الحيوانات ليست مثل بني آدم، لأن بني آدم في الظاهر يختلفون عن الحيوانات اختلافاً كلياً. فإذاً: هناك أمور في الباطن تتشابه فيها طبائع الآدميين مع بعض طبائع الحيوانات، وهذا من اعمال الفكر والتدبر في مخلوقات الله عز وجل.
لقد ضرب الله لبعض بني آدم أمثلة شبههم بها بالحيوانات، فقال سبحانه في نفر من الناس:
{فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} الأعراف 176.
وشبه أناساً آخرين بأنهم مثل الحمار يحمل أسفاراً…
ومن كلام ابن القيم رحمه الله في مواضع متعددة من كتبه، قال رحمه الله:
ومن الناس من نفوسهم نفوس حيوانية، وذلك مثل الجهال بالشريعة، الذين لا فرق بينهم وبين سائر الحيوانات إلا في اعتدال القامة ونطق اللسان -هذا هو الفرق الوحيد وإلا فإنهم يشبهون الحيوانات- ليس همهم إلا نيل الشهوة بأي طريق أتت.
النـــــفس الحماريـــــــــة:
يقول ابن القيم رحمه الله
لم تخلق ألا للكد والعلف…
كلما زيد في علفه زيد في كده…
أبكم الحيوان
وأقله بصيرة
ولهذا مثل الله به من حمله كتابه
فلم يحمله معرفة ولا فقها ولاعملا
النــــــفس السبعيــــــــــة:
غضوب همه العدوان على الناس وقهرهم بما وصلت أليه قدرته طبيعته تتقاضى ذلك كتقاضي طبيعة السبع لما يصدر منه…
النـــــفس الفأريـــــــــة:
فاسق بطبعه مفسد لما جاورها تسبيحه بلسان الحال:سبحان من خلقه للفساد!!!
الرؤيـــا وارتباطهــــا بالحــــيوان:
يقول أبن سيرين أن الرسول صلى الله عيه وسلم رأى في قصة معركة أحد بقرا تنحر، فكان الشهداء من المسلمين في تلك المعركة فإن البقر-والقول لأبن سيرين- أنفع الحيوانات للأرض، وبها صلاحها وفلاحها مع مافيها من السكينة والمنافع والذل (بكسر الذال) فانها ذلول مذهلة منقادة غير أبية…
وقد رأى أبن الخطاب رضى الله عنه كأن ديكا نقره ثلاث نقرات، فكان أن طعنه أبو لؤلؤة المجوسي، والديك في الرؤيا رجل أعجمي شرير إلا إذا رُأي يصيح وسط خضرة أو ماء فإنه إيذان بأمر حسن قد قرب حدوثه.
أنتهى قول أبن سيرين
ومن الناس من طبعه طبع الخنزير، يمر بالطيبات فيتجاوزها إلى الخبائث وهكذا الكثير من الناس؛ يسمع منك ويرى من المحاسن أضعاف المساوئ فلا يحفظها ولاينقلها ولا تناسبه، فإذا رأى سقطة أو كلمة عوراء؛ وجد بغيته ومايناسبها فجعلها فاكهته وشغله الشاغل…!!!
ومن الناس من هو على طبيعة الطاووس…
ومنهم من هو على طبيعة الجمل أحقد الحيوان…
ومنهم من هو على طبيعة الدُب خبيث وحقود…
أما أحمد طبائع الحيوان فهي طبائع الخيل، فهي أشرف الحيوان نفسا وأكرمها طبعا، وكذلك الأغنام، والخراف.
وقد حرم الله أكل لحوم السباع وجوارح الطير لما تورث أكلها من شبه نفوسها بها.
أنظر كتاب مدارج السالكين لأبن القيم.
عادل عسوم