” المجد للساتك، ولِمَنْ أشعل اللساتك ناراً واشتعل”!!
كانت تلك العبارة – من الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني – كاشفة عن الضحالة الفكرية وانعدام الرؤية السياسية العميقة لحلول قضايا الوطن لدى قيادة حزب جديد صغير ندب نفسه لتصدّر بلد كبير .
— ” الانتخابات مابتجيبنا.. وأكبر عدد من المتظاهرين – ضد الانقاذ – كان ألف شخص”!!
كان ذلك اعتراف من خالد عمر يوسف (سلك) لكنه لم يرعوِ فيلتزم حجمه، وأوغل في التحريض لتضخيم حجم (الثورة)!!
– وقتها، كان ممن رُوّج له وذاع صيته وفُتحت له منابر الخطابة من يُسمى “دسيس مان”.. جاهلٌ.. جعلوه زعيماً للشباب!!
وفي نفس الوقت حُشد بالعشرات شباب أغرار يسبون بروفسر مامون حميدة، وكذلك دكتور عبد الحي يوسف بأقذع العبارات أمام منازلهم وأسرهم!!
– انتشر سيل من الأكاذيب والافتراءات والتلفيق ضد كل من له صلة بالتيار الإسلامي.. قادح في نزاهتهم وذمتهم المالية.
كانت تلك وقائع تنبئ أن السودان مقبل على فترة عصيبة:
(١) يسود فيها قادة ضعاف الفكر، عديمي الرؤية. ويُضطهد فيها كل من يعارضهم مهما كان علمه وعمقه الفكري.
(٢) ثبت من سلبية passiveness رجال كبار في أعمارهم، إزاء حملات الكذب الممنهج ضد الإسلاميين ورميهم بكل بلية، أن مر السنين لم يورثهم حكمة وعقلاً أو إنسانية..كان مر السنين مجرد سنوات تراكمت على ظهورهم. أيقنت وقتها أن الناشطين وشيوخهم سيؤسسون “لثقافة الكذب” حتى يسود، وحينها لن يخجل من الكذب منهم أحدا.
(٣) كنت أراهن أبنائي أن الثائرين من جيلهم، التواقين للتغيير بصدق، سيصبحون مجرد ضحايا، وأن المخطط أكبر منهم.. وأراهنهم أنه ستبرز قيادات من نكرات، لا أنا عهدتها في الصف الوطني، ولا هم يعرفون لها نضالاً مشهوداً في الساحة السياسية.. وهذا بالفعل ما حدث.
(٤) قليلون من يعرفون أن الحملات الضارية ضد الخصوم أنفقت عليها دول غربية وخليجية مثل الإمارات والسعودية.. ولم يسمع أحد من متلقي رسائل السوشيال ميديا بشركة كمبردج أنيليتكا التي استأجرها الممولون لإعداد رسائل حملات التشويه والشيطنة، ووجود غرف إعلامية في الإمارات وأوروبا.
كان فحوى الرسائل أن الإسلاميين “حرامية”، وأنهم هرّبوا المليارات لماليزيا، وأن قيادات محترمة مثل بروفسر غندور باع كل أراضي جامعة الخرطوم لمصلحته، وما شاكل ذلك.
أما المحتوى الثاني المهم لديهم فكلمة: “مدنياااو” دون تعريفها للشباب، فطفقوا يهرفون بما لا يعرفون!!!
عملت شركة كمبريدج أناليتكا باستغلال الذكاء الصناعي Artificial intelligence فاستخدمت نظام Pots وretweet في تويتر، ونظام Fake Account في فيسبوك، ونظام البوت في واتساب.
وبفضل هذه الأنظمة أخذت رسائل الحملة تتدفق كهطول أمطار الاستوائية، تتساقط على السودان تساقطاً لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ .
وكان التوجه هو استهداف كل الخصوم السياسيين للتيار اليساري المسيطر، وكل من يُخشي اعتراضه.
وهكذا شملت الحملة كثيرين، ونجحت في تخويف الأكثرية لضراوتها وشمولها وعملها بطريقة:
“اضرب المربوط يخاف السايب”
والمربوط هنا، كان الإسلاميين تحديداً.
وبالفعل نجحت في شيطنتهم تماماً.
وجعلوا من الانتماء للإسلاميين “الكوزنة” وصمة يُعَيّر بها.
وكل من أبدا رأياً وُصف بعار Stigma “الكوزنة”.
وجراء هذا صُنف الكاتب الموهوب محمد عثمان إبراهيم، والألمعي حسن إسماعيل والمبدع الطاهر حسن التوم والصحفي الفارس خالد الأعيسر وأم وضاح وضياء الدين بلال ودكتور عبد الحي يوسف وآخرون ” ككيزان”… ويالها ويا لهولها من “سُبّة” وقتها!!!
وآتت الحملات ثماراً خبيثة، لدرجة أن الكثيرين إذا أرادوا الجهر برأي مخالف يبدأون حديثهم بالتبرؤ من الكيزان، وإلّا حاق بهم ما كانوا يحذرون.
ولم ينتبه الكثيرون لخطل ذلك الزيف إلّا بعد غزو مرتزقة حميدتي وتصدي الإسلاميين للغزو وهروب قادة قحت.
(٥) كان “احتكار الحقيقة” أبرز سمات النشطاء، ومن ثم تسفيه كل من عداهم.
وهكذا منعوا صديقي المرحوم بروفسر مالك حسين من اعتلاء المنصة لثلاث ليالٍ حسوما، وهو المعارض الشرس للإنقاذ، وهتفوا ضد مبارك الفاضل، وسخروا من دكتور غازي عتباني في ميدان الاعتصام.
كل هذا بغية السيطرة على عقول شباب أغرار، ومزيد تخويف لكبار، و”دُقْ القُراف خَلّي الجمل يخاف”.. وبالفعل خاف الجمل.
(٦) وحين انحط المسرح السياسي السوداني إلى مستوى: “كنداكة نحنّكا ليك” كان كل شيئ مباححاً.. فقد صورت كاميرات الجيش مشاهد مخزية للزنا واللواط وتناول المخدرات.
اشتكى العامل الذي يفتح مكتبة جامعة الخرطوم صباحاً أنه كان يجد الطبلة مكسورة وبداخل المكتبة يجد زجاجات البول.
وفي مسجد الجامعة، وجدت ملابس داخلية لفتيات، ومخلفات واقي ذكري، وكذلك الشأن في معهد الأشعة.
ولم يسستنكر كبار الكهنة شيئاً من ذلك.
عندها أيقنت أن السودان قد أُوغِل في مجاهل التّيه، وأن شعار: “حرية سلام وعدالة” إنما هو سراب بقيعة يحسبه ظمأى الشاب ماءً.
وكان من الطبيعي، بل الحتمي أن يهيئ التّيه لبروز وسيادة شخصيات من شاكلة وجدي صالح، وخالد سلك، والدقير، وعبد الله حمدوك، وود الفكي، وبت البوشي، وعبد الباري، وصديق يوسف، ومن إليهم.
يقول فقهاء الدين: ولأن السودانيين لم يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم، وانشغلوا بهتاف: “الجوع ولا الكيزان” سلّط الله عليهم سيل العَرِم، فاجتاحهم في صورة مليشيا الشتات الأفريقي، فأذاقهم لباس الجوع والخوف، بجحودهم، ومزقهم شر مُمَزّق.
♦️ ياسر أبّشر
———————————-
27 يوليو 2023