يواصل مشروع قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية في الأردن، المقدم من جانب الحكومة، إثارة الجدل في الأوساط الأردنية، وذلك رغم إدخال تعديلات عليه وتمريره من قبل اللجنة القانونية في مجلس النواب، انتظارًا لبدء مناقشته غدا الخميس في الجلسات العامة للبرلمان.
وطالبت منظمة هيومان رايتس ووتش في بيان، ومعها أكثر من 10 منظمات أخرى، الاثنين، الحكومة بسحب مشروع القانون لما يمثله من تهديد لحرية التعبير على الإنترنت وإمكانية الوصول إلى المعلومات، كما يمكن أن يكون تمهيدًا لرقابة على الشبكة العنكبوتية في البلاد.
كما انتقدت الولايات المتحدة مشروع القانون، وحذرت في بيان، الثلاثاء، من “المفاهيم الغامضة” التي قد تقوّض جهود الإصلاح السياسي والاقتصادي في الأردن. ويرى أردنيون أن مشروع القانون بشكل عام مفيد، لكنه بشكله الحالي يضم مواد من شأنها الإضرار بالحريات العامة وحبس الإعلاميين، لكن الحكومة من جانبها أكدت في تصريحات عدة أن مشروع القانون يهدف إلى حماية المجتمع والتعامل مع الجرائم الإلكترونية، ولا علاقة له بحرية الصحافة. وقال النائب السابق بالبرلمان الأردني، نبيل غيشان، إن مشروع القانون “إيجابي بنسبة 70 بالمئة”، مضيفًا في تصريحات للحرة أنه جيد فيما يتعلق بالمواد التي تتعرض للعنف واختراص الخصوصية والابتزاز وحماية الأطفال، وما إلى ذلك.
وأوضح أنه يرى أن كل “مخالفات وسائل الإعلام ليست قضايا جنائية، وعلى المتضرر فيها التوجه للقضاء، ومن حقه الحصول على التعويض المالي الذي تحدده المحكمة، لكن لا يجب أن يكون هناك توقيف أو حبس”. وأقرت اللجنة القانونية بمجلس النواب مشروع القانون بعد تعديلات طفيفة عليه، شملت تخفيض العقوبات المغلظة والغرامات المالية بأكثر من 20 بالمئة، وإضافة مادة جديدة متعلقة بالابتزاز، بحسب ما نقلته وكالة “عمون” المحلية”.
وأشارت الوكالة، نقلا عن مصدر برلماني، أنه “تم الاستجابة لمطالب نقابة الصحفيين وتخفيض العقوبات والغرامات الواردة في مواد 15 و16 و17 من مشروع القانون إلى 50 بالمئة”. ويرى رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحفيين الأردنية، يحيى شقير، أن الحكومة بالأساس أصدرت مشروع القانون دون أي حوار مع “المعنيين مثل نقابة الصحفيين والمجتمع المدني”. وأضاف في تصريحات للحرة: “بالنسبة للصحفيين والإعلاميين ونشطاء حقوق الإنسان والمجتمع المدني اقترح تسميته قانون تسكير الأفواه الإلكتروني. الأمل في مجلس النواب ألا يمرر مثل هذا القانون ويعالج مثالبه ويستمع للخبراء”.
كما أشار إلى أنه حال تمرير المشروع، بهذا الشكل، فإنه يعتقد أن “ترتيب الأردن بمجال الحريات سيتراجع وسيكون للمرة الثانية ضمن لائحة أعداء حرية الصحافة العشرة كما حدث عام 1997، عندما جرى إقرار قانون مؤقت للمطبوعات، تسبب في إغلاق 13 صحيفة، لكن محكمة العدل العليا آنذاك قضت بعدم دستورية القانون كاملا فارتفع ترتيب الأردن بمؤشر دولة القانون”. كما أوضح غيشان أن مشروع القانون “رغم كل الضجة المثارة بشأنه، تم إقراره من قبل اللجنة القانونية بمجلس النواب بتعديلات طفيفة، لا تفي بالغرض ولا تجعل منه إيجابيًا”. ويناقش مجلس النواب غدًا مشروع القانون، وحال إقراره سيتم إحالته لمجلس الأعيان ومن ثم إقراره قانونًا نافذًا بعد توقيع العاهل الأردني عليه.
انتقادات دولية
وانتقدت منظمة هيومان رايتس ووتش، و12 منظمة حقوقية أخرى، في بيان يوم الاثنين، مشروع القانون الأردني، واعتبروا أنه “يهدد الحقوق الرقمية، بما فيها حرية التعبير والحق في المعلومات، ولن يحقق في النهاية أهداف الحكومة الأردنية المعلنة المتمثلة في التصدي للأخبار الكاذبة، والكراهية، والقدح والذم على الإنترنت.” وأوضح البيان أنه “نظرا للطبيعة القمعية والغامضة والمعقدة للقانون المقترح، ينبغي للمشرعين الأردنيين التشاور مع مجموعات المجتمع المدني لاستكشاف طرق بديلة تحترم الحقوق، لمعالجة المخاوف المشروعة حول خطاب الكراهية والمعلومات المضللة، التي لا يواجهها الأردن وحده”.
ويسعى القانون الحالي، المكون من 41 مادة، إلى استبدال قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2015 المؤلف من 15 مادة فقط، وأشار بيان المنظمات أن المشروع يشمل “أحكاما عدة تهدد حرية التعبير، والحق في المعلومات، والحق في الخصوصية، فضلا عن تشديد الرقابة الحكومية على الإنترنت”. وأصدرت وزارة الخارجية الأميركية من جانبها بيانًا ينتقد مشروع القانون، وقال المتحدث باسم الوزارة، فيدانت باتيل، أن مشروع القانون “يقيد حرية التعبير على الإنترنت وخارجه، وقد يؤدي إلى عرقلة الاستثمار المستقبلي في قطاع التكنولوجيا.. ويمكن أن يقوض جهود الإصلاح الاقتصادي والسياسي المحلية في الأردن”.
وترى الحكومة الأردنية أن القانون يسعى إلى “حماية المجتمع ومكافحة خطاب الكراهية والتعامل مع الجرائم الإلكترونية التي تضاعفت مرات عدة منذ العام 2015″، بحسب المتحدث باسم الحكومة، فيصل الشبول، في تصريحات سابقة نقلتها وكالة الأنباء الأردنية الرسمية (بترا). واعتبر الشبول أن “القانون لا علاقة له بالحريات الصحفية، بل هو للحماية المجتمعية ومسؤولية تنفيذه تقع على عاتق جهات عديدة حسب نوع الجرم”. ولفت إلى أن عدد الشكاوى الإلكترونية ارتفع من 2300 شكوى عام 2015 إلى نحو 16 ألفًا عام 2022، موضحًا أن عدد الشكاوى وصل إلى 8 آلاف منذ بداية العام الجاري.
لكن بيان المنظمات الحقوقية أشار إلى عدد من المواد في مشروع القانون تستخدم مصطلحات وصفتها بأنها غير دقيقة وغامضة وغير محددة، مثل “الأخبار الكاذبة”، و”التسهيل أو الترويج أو المساعدة أو الحض على الفجور”، و”اغتيال الشخصية”، و”إثارة الفتنة”، و”النيل من الوحدة الوطنية”، و”ازدراء الأديان”. وأشارت إلى أن هذه النصوص “لا تفي بمتطلبات القانون الدولي الخاصة بصياغة النصوص القانونية بدقة كافية للسماح للأفراد بتنظيم سلوكهم بمقتضاها”.
كما أشارت إلى أن “مثل هذه البنود الغامضة تفتح الباب أمام السلطة التنفيذية الأردنية لمعاقبة الأفراد على ممارسة حقهم في حرية التعبير، ما يجبر القضاة على إدانة المواطنين في معظم الحالات”.
“قناة الحرة”