نحو استعادة معاييرنا التي ضاعت مع ثورة ديسمبر .. نريد أن نواصل تطورنا من حيث انتهت ثورة الإنقاذ لا من حيث انتهت ثورة ديسمبر
فمن الأمور الكثيرة التي يجب أن تحدث بعد الحرب استعادة معاييرنا السياسية والأخلاقية وتطلعاتنا لما يجب أن يكون عليه الواقع والتي انحطت بها ثورة ديسمبر إلى أسفل سافلين حتى أصبحنا نتمنى عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه أيام الإنقاذ.
ولذلك، فأقترح أن نعود لنبدأ النقد من نظام الإنقاذ من جديد وليس من واقع ما بعد ثورة ديسمبر المنحط. نبدأ بنقد عيوب نظام الإنقاذ التي هي بمثابة محاسن بالنسبة لما بعدها، وبممارسات الإنقاذ التي كانت في النهاية ممارسات نظام سياسي يمكن أن يقود نقدها لشيء مفيد وأفضل، عكس ممارسات سلطة قحت التي هي عبارة عن عبث لا يرقى حتى إلى مستوى القابلية للنقد.
نحن كنا ننتقد أداء نظام الإنقاذ على الرغم من أنه كانت هناك دولة، وأردنا جميعاً إصلاحها والتطور نحو الأفضل؛ ففي ذلك الوقت كان الحلم بواقع أفضل ممكناً ولذلك عندما أصبحت الرغيفة بواحد بجنيه خرج الناس وتظاهروا؛ لأن الواقع لم يكن قد انحط إلى الحد الذي يجعل التفكير في الأفضل بلا معنى كما حدث بعد ديسمبر.
كنا نريد حريات أفضل من الحريات الموجودة في ظل الإنقاذ، ولكننا في عهد الثورة اكتشفنا أن الحريات كانت أفضل في زمن الإنقاذ.
وكنا نريد نظام صحي أفضل من ذلك الموجود في زمن الإنقاذ، ونظام تعليمي افضل، وكهرباء افضل وطرق افضل، وتنمية افضل، وأمن افضل، ولكننا بعد الثورة اكتشفنا أن ما كان موجوداً هو أفضل ما يُمكن فانحطت أحلامنا وانحطت معاييرنا لدرجة أننا نتمنى أن نعود لتلك الأوضاع.
ولذلك لابد مسح ثورة ديسمبر كلها من ذاكرتنا، وكأنها لم تحدث، ولنبدأ من جديد رحلة البحث عن واقع أفضل؛ أفضل من أيام الإنقاذ لأن أيام ثورة ديسمبر لا تصلح للقياس وللمقارنة.
نريد ساسة ورجال دولة افضل من ساسة ورجال الإنقاذ. نعم يجب أن ننقد وان نحاسب تجربة الإنقاذ وقادة الإنقاذ ولكن وفق معايير ما قبل ديسمبر وليس ما بعدها، وفق معايير زمن الإنقاذ وليس زمن قحت؛ حين كانت الرقابة القبلية على الصحف تُعد تضييقاً على الحريات وليس زمن لجنة التمكين حيث يتم إغلاق الصحف ومصادرتها بقرار من اللجنة سيئة الذكر. وحين كان الاعتقال بموجب قانون مجاز في البرلمان يُعد انتهاكاً للحريات والحقوق وليس حين أصبح الناس يقبعون في السجون لشهور وسنوات ويموت بعضهم من الإهمال وسط تبرير شماتة وسخرية قطيع الثورة الكبير.
لا نريد أن تكون توقعاتنا من الحكومة هي توقعات قطيع “شكراً حمدوك” حيث يصبح وصول باخرة دقيق أو وقود انجازاً يتم الاحتفاء به في الصفحات، وكلنا نتذكر بواخر “منعم سليمان” الوهمية، وكنا في زمن الإنقاذ لا نعرف أن توفير الوقود والدقيق والكهرباء هو شيء يحدث اساساً؛ كنا نتصرف وكأن هذه الأشياء توجد هكذا من تلقاء نفسها بدون حكومة. وفي هذا السياق أتذكر كيف قلل أحد الإخوة من أهمية التنمية التي كانت تتم في زمن الإنقاذ قائلاً هذه اصلاً من طبيعة اي دولة؛ أي أن هذه أشياء تحدث بشكل تلقائي بمجرد وجود الدولة، أي دولة. إكتشفنا بعد الثورة أن هذه الأمور ليست بتلك التلقائية التي نظنها وأن وراءها عمل ومجهود لم يكن مرئياً لنا، ولكن تجربة قحت جعلتنا نرى أشياء كثيرة.
أحد الإخوة من المؤتمر الوطني قال عن حق أنتم تنتقدون الإنقاذ على اساس معايير مثالية غير واقعية بينما يجب أن تحاكموا الإنقاذ بالواقع، قارنوا الإسلاميين بالآخرين من الأحزاب الأخرى وتجربة قحت تحديداً وليس بالمثاليات المجردة. وهو محق هنا. ولكن الإنقاذ ذهبت، ماذا سيفيدنا مقارنتها بقحت الآن؟ لن يفيدنا بشئ، ولذلك يجب أن نحاكم الإنقاذ بمعايير مثالية أو إذا كانت معايير واقعية فمن واقع الإنقاذ وليس واقع ما بعد ديسمبر.
حقيقة ديسمبر هي حالة انحطاط يجب أن نتجاوزها لنستعيد حساسيتنا الحقيقة وجديتنا تجاه الأمور. نريد واقعاً أفضل من الإنقاذ وليس واقعاً أفضل من ديسمبر.
حليم عباس