لماذا يعجز طرفا النزاع في السودان عن حسم المعركة؟

تشهد مدن العاصمة السودانية الثلاث (الخرطوم وأم درمان وبحري) تصعيداً واسعاً في عمليات القتال، تصحبه حرب كلامية من طرفي الصراع (الجيش وقوات الدعم السريع) تتضمن التحذير والوعيد بإحداث ضربات موجعة لإنهاء المعارك التي أكملت يومها الـ100، في وقت يوجد وفدا الجانبين المتحاربين في جدة للتفاوض حول وقف موقت لإطلاق النار (هدنة) لفترة طويلة، بحسب ما رشح من معلومات في إطار الوساطة السعودية – الأميركية.

لكن كيف يقيم المراقبون العسكريون والسياسيون مجرى سير المعارك الجارية الآن بين القوتين، ولمن ترجح كفة القتال؟

المتخصص في العلوم السياسية الزمزمي بشير قال “هناك تصعيد في عدد من المحاور بمدن العاصمة الثلاث، والواضح أن قوات الدعم السريع اتجهت في الآونة الأخيرة لشن معارك من أجل الكسب الإعلامي، وكأنها تقول: ما زلنا موجودين في ساحة المعارك”، بينما يعتمد الجيش في استراتيجيته القتالية على العمل ببطء وتكتيك معين بواسطة فرق ومجموعات العمل الخاص، التي تمتلك مهارات عالية في القتال وإلحاق الأذى بالعدو، كما تمكن الجيش من فك الحصار عن مقر سلاح المدرعات في الخرطوم من خلال نشر قوات مشطت المناطق القريبة منه مثل جبرة والشجرة والصحافة، إضافة إلى فك الحصار أيضاً عن سلاح المهندسين بأم درمان، في حين بقيت قاعدة وادي سيدنا في أم درمان بعيدة من الاستهداف من قوات الدعم السريع لوجود عازل وهو النيل الذي شكل لها حماية”.

وتابع بشير “كانت استراتيجية الجيش في السابق تعتمد على الدفاع، لكن الآن اتخذ أسلوب الهجوم برياً بمساندة قوات العمل الخاصة في كل مدن العاصمة. تزامناً امتدت المعارك إلى دارفور وكردفان عبر سلاح الجو، حيث تم استعادة حامية كاس الواقعة في ولاية جنوب دارفور، فضلاً عن تسديد ضربات قوية لقوات الدعم السريع في مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، بالتالي لم تعد تلك القوات (الدعم السريع) في مأمن”.

وزاد “من الصعب تقييم سير المعارك الجارية الآن بين القوتين المتحاربتين، لكن الشيء الواضح أن الجيش بات في وضع أفضل لأسباب عدة، منها نجاح الاستنفار الشعبي للانضمام إلى صفوف القوات المسلحة، والتحاق مجموعات من المعاشيين العسكريين للجيش واسترجاع عدد من الضباط للخدمة بخاصة في سلاح المدرعات”.

ومضى المتخصص في العلوم السياسية في القول “كل المؤشرات تبين أن هذه الحرب التي تأثر بها المواطن بشكل مباشر لن تستمر طويلاً، وأنها ستنتهي باتفاقية تقضي بخروج قوات الدعم السريع من منازل المواطنين والمستشفيات والمرافق الخدماتية، إذ يلاحظ أن قوات الدعم السريع تسعى إلى إيجاد مخرج لها من هذا القتال”.

من جانبه، أوضح القيادي في قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) عروة الصادق، أن “التصعيد الحالي بلغ ذروته سواء على الصعيد الميداني أو الإعلامي، إذ نشاهد يومياً تطوراً في المعارك من قبل طرفي النزاع، فكل طرف يحاول استنفاد كل ما لديه من قوة وقوات وعتاد للاستحواذ على مواقع ومساحات في أرض المعركة. ما نلاحظه من خلال حركتنا المحدودة في مدن العاصمة الثلاث أن هناك انتشاراً كبيراً لقوات الدعم السريع في شوارع وأحياء مدينة بحري، ما عدا منطقة حطاب في أقصى الشمال التي يهيمن عليها الجيش السوداني، أما في الخرطوم فيفرض الجيش سيطرته على سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة في الخرطوم، والجزء الجنوبي من منطقة جبل أولياء، بينما توجد “الدعم السريع” في منطقة طيبة وصولاً إلى مايو وسوبا.

وأضاف الصادق “أما في أم درمان فنجد أن الجيش يحكم سيطرته التامة على منطقة وادي سيدنا حتى كرري والثورة وسلاح المهندسين، فيما توجد الدعم السريع في الأحياء القديمة ومنطقة الإذاعة والتلفزيون وشارع العرضة والأربعين وصولاً لأمبدة والفتيحاب وسوق ليبيا والصالحة”.

ولفت إلى أن “المشهد الماثل أمامنا يؤكد أن الجيش يسيطر على معظم ولايات السودان البالغة 18 ولاية، ما عدا دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق التي تشهد اضطرابات من وقت لآخر، وهو ما يؤكد أن المعركة لم تعد محصورة في الخرطوم فقط، فكل طرف يريد أن يبسط سيطرته على مواقع جديدة لاستخدامها ورقة ضغط في التفاوض، لكن من الصعب القول إن هناك كفة راجحة لصالح أي من الجانبين، فإذا كانت الدعم السريع تسيطر بقواتها على الأرض فالجيش يسيطر على السماء بواسطة الطيران الحربي والمدفعية”.

وأردف القيادي في قوى الحرية والتغيير “هذا يعني أنه لا يوجد طرف كاسب للمعركة سوى إحراق السودان، فإذا كان هناك منتصر سيجلس على ركام ودمار البلاد، لكن المؤكد أنه لا يوجد حل إلا عبر التفاوض السلمي وهو ما يجد الدعم من قبل المجتمعين الدولي والإقليمي. ومعلوم أن الطرفين يتواصلان عبر الميسرين في جدة، حيث يتوقع أن تكون هناك مخرجات جديدة تقود إلى هدنة طويلة، ومن بعدها يجلس الجميع في لقاءات مباشرة لبحث وقف إطلاق نار دائم، واستئناف العملية السياسية لاستعادة الانتقال إلى المسار الطبيعي، وتأسيس سلطة مدنية تقود الفترة الانتقالية لاستكمال حلقات السلام، وتحقيق الانتعاش الاقتصادي والعدالة، وإجراء التحقيقات اللازمة في كل ما ارتكب من فظائع على مستوى الخرطوم وولايات البلاد التي شهدت جرائم حرب كمنطقة الجنينة”.

في السياق، أشار عضو تجمع قدامى المحاربين السودانيين، اللواء (معاش) معتصم العجب أن “حدة المعارك المشتعلة الآن بين طرفي النزاع مسألة طبيعية تحصل في كل الحروب، بخاصة قبل أي اتفاق لوقف إطلاق نار موقت (هدنة) أو أي لقاءات للتفاوض، حيث تكون هناك معارك شرسة وأكثر ضراوة. وفي تقديري أن الأدوات التي يستخدمها الجيش السوداني في هذه الحرب لن تحسم المعركة، فحرب المدن تواجه بقوات مشاة مجهزة من ناحية التسليح والتدريب والتهيئة العسكرية للجنود، وهي من أسوأ أنواع الحروب لأنها تعتمد على الكر والفر وطول فترات إحكام السيطرة على المواقع واستردادها، بالتالي غالباً ما تكون الخسائر وسط المدنيين والبنى التحتية كبيرة في حال استخدام سلاح الطيران، مما يعد قراراً خاطئاً لعدم جدواه، وكذلك الحال بالنسبة إلى سلاح المدفعية”.

وواصل العجب “بالنظر إلى سير المعارك نجد أن الدعم السريع تسيطر على مرافق عدة ومساحات شاسعة، لكنها في حال انكماش وعدم مقدرة على فرض نفوذها وسيطرتها التامة على تلك المواقع، لذلك من الصعب جداً أن يحسم أي من الطرفين هذه المعركة لصالحه”.

ورأى عضو تجمع قدامى المحاربين أنه “من أنسب الحلول لهذه الأزمة ما ورد في مبادرة الإيغاد من مقترحات تشمل خروج القوات المتحاربة من الخرطوم، ثم تأتي حكومة انتقالية تؤسس لجيش قومي ومهني، ودمج كل القوات خارج منظومة المؤسسة العسكرية وفق الأسس والضوابط الخاصة بالجيش، لكن لا بد من قوات دولية تفصل بين القوتين، فضلاً عن حظر الطيران والمدفعية”.

إسماعيل محمد علي – اندبندنت عربية

Exit mobile version