⭕️ فصول وروايات العمل في حراسة السيد الرئيس عمر حسن أحمد البشير لم تكتب فصولها بعد رغم إلحاح الكثير من الأصدقاء والمعارف والأحباب على ضرورة التوثيق لهذه السنوات الثلاثة عشر للتاريخ وللأجيال القادمة.. ولكني ما بين التردّد واليقين (ووسادتي بللتها بالدمع السخين) على حال البلاد والعباد الذي لم يترك فرصة لالتقاط الأنفاس والتفكير في غير حرب التتار الجدد..
لكن الخبر الذي سيق لي ظهر اليوم الجمعة أعاد لي شريطاً من الذكريات مطلع تسعينيات القرن العشرين وأنا لأول عهدي بحراسة السيد المشير .. ألا وهو خبر استشهاد الباشمهندس جمال زمقان تقبل الله شهادته وكتبه وحشره في زمرتهم
⭕️ لم يكن للمشير البشير وقتاً محدّداً لنهاية يوم العمل (الدوام) شأنه في ذلك شأن موظفي حكومة السودان فهو موظف مثلهم تماماً يخدم (كالأفندية) من مكتبه سواءً بالقصر الجمهوري أو القيادة العامة أو قاعة الصداقة أو مجلس الوزراء .. وكنا نتناوب على حراسته نحن ضباط الحراسة بينما هو واحد ليس لديه بديل أو مستلم (ونتشاكس) ونتلاوم على تأخير بعضنا البعض اقتساماً للمسؤلية بالسوية وليس بالأقدمية.. وما أن يصل أحدنا إلى أحد المكاتب إلا ويمسك بالبرنامج يلتهم فقراته القليلة والتي تنبيك عن أن اليوم سينتهي مبكراً ..
لكن البرنامج غير المكتوب أو المكتوب (بالحبر السري) كان يفوق أحياناً ما تراه العين على الورقة التي بها ترويسة المراسم ومدير مكتب الرئيس.. إلا أن أشد ما كان يقلقنا في البرامج غير المكتوبة ظهور الباشمهندس عماد حسين والباشمهندس جمال زمقان في مكتب الرئيس انتظاراً لأن يؤذن لهما بالدخول للقائه.. في حساباتنا أن هذه الفقرة (الأخيرة) ربما امتدت لساعات لذا لم نكن نخف الامتعاض (ومص العرديب) وصبر الانتظار.. فقد كنا نجهل مع (الجاهلين) أن تاريخاً وإنجازاً ومجداً للسودان يدوّن ويسطّر
⭕️ كانا مهندسان شابان توأمان صنوان.. تماماً مثل الكيو يو في هجائيات اللغة الانجليزية فلا جمال بلا عماد ولا عماد بلا جمال .. شباب يعلوهم الطهر والنقاء والسماحة والجمال والبهاء.. يهتمان جداً بمظهرهما فقد كانا (آخر شياكة) يحملان الملفات واللابتوبات يوم أن كنا نستغرب ونستعجب من رؤية هذا الصندوق المستطيل وما يحويه من قدرات وإمكانيات..
علمنا آخيراً وبعد تكرار الزيارات أن الملف الذي تدور حوله المقابلات مع السيد الرئيس هو التصنيع الحربي.. سكب فيه الرجلان عصارة الفكر والإخلاص والتجرد والحيلة والذكاء والدهاء وجابا العالم.. لذا لم نستغرب ومدخلات التصنيع الحربي ترد عبر التعاقد مع مختلف الشركات العالمية والبلاد في خضم حصارٍ أمريكي خانق لا يترك شاردة ولا واردة .. والعالم كله متوجّس من شرطي العالم الذي يحسب الأنفاس ويدوّن (مخالفات المرور السياسية) فيقطع الايصالات هنا وهناك
⭕️ تعدّدت اللقاءات وكثرت وكانت تتخللها لقاءات مسائية وأحياناً زيارات للسيد الرئيس لمباني التصنيع الحربي بمختلف مواقعه.. إلى أن اكتمل المشروع وتم توطين كل الصناعات الدفاعية للقوات المسلحة الخاصة بالأسلحة الصغيرة وذخائرها بلا استثناء وامتد الأمر للمقذوفات من صواريخ موجهة وراجمات لينتهي بالطائرات والمسيرات..
جمال وعماد حفرا اسميهما نقشاً على صفحات تاريخ السودان المشرق وسفر الإنجازات الوطنية العظيمة وكل منهما يمثل صندوق أسرار إنشاء التصنيع الحربي من (الجيم) إلى (العين) وإن شئتم من الألف إلى الياء .. هذا التصنيع الذي جعل القوات المسلحة تقاتل معركتها ضد التتار الجدد اليوم وهي لا تخشى سيف عقوبات يقطع إمداد الأسلحة والذخائر أو يشترط التوقيع للبلاد بسئ المصائر
⭕️رحم الله الشهيد جمال محمد حسنين زمقان رحمةً واسعة وأسكنه فسيح جناته وحشره في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .. فقد قتل الرجل دون ماله وأهله وعرضه في أبرك أيام الله.. بينما باء قاتلوه بإثم مغلّظ هو إثم القتال والقتل في أول جمعة من شهر الله المحرّم حيث حرمة الأنفس والدماء..
فمن هؤلاء ..
بحق السماء؟
لواء ركن (م)
أسامة محمد أحمد عبد السلام