لم تكن قمة دول الجوار السوداني التي عُقدت في القاهرة الخميس الماضي حدثًا عاديًا، بل كانت حدثًا مفاجئًا، وهامًّا في نفس الوقت، فهي قد خاطبت الكثير من المحللين، وصناع القرار كما أنها جاءت بعد جهود بُذلت في جدة، وفي الاتحاد الإفريقي.
كانت القاهرة معنية منذ البداية بمخاطر اللحظة، وتفاقم الصراع في السودان مما يهدد بخطر الحرب الأهلية والتقسيم، وهو ما عبر عنه الرئيس السيسي في حكمته أمام مجلس السلم والأمن الإفريقي الذي عقد لبحث الأزمة السودانية الشهر الماضي. ولقد تابعت القاهرة منذ اليوم الأول للأزمة في 15 من أبريل كافة الجهود التي تبذل من أطراف إقليمية وأممية لوقف إطلاق النار، وضمان وصول المساعدات الغذائية والدوائية إلى السودانيين، واستقبلت أكثر من 250 ألف وافد من الأشقاء ليصل عدد السودانيين في مصر بذلك إلى نحو خمسة ملايين سوداني.
ومع تأزم الوضع، وامتداد الصراع إلى العديد من المناطق السودانية، والتخوف من محاولات التدخل الدولي في الشأن السوداني، خاصة توافق قمة “الإيجاد” الرباعية من البحث في إرسال قوات إفريقية للفصل بين المتنازعين، ورفض الجيش السوداني لذلك، استكملت القاهرة اتصالاتها، وجهودها بهدف التوصل إلى صيغة مقبولة تنهى الأزمة وتحول دون التدخل الأجنبي في الشأن السوداني، وكذلك الحيلولة دون الاقتراحات المرفوضة من الحكومة السودانية على رأسها فرض حظر جوي ونزع المدفعية الثقيلة لقوى الصراع في السودان، حيث اعتبر الجيش السوداني أنه المقصود من وراء هذه الإجراءات المعلنة من قبل البعض.
كان طبيعيًا والحال كذلك أن تكثف مصر من اتصالاتها مع دول الجوار لعقد قمة عاجلة وسريعة تضع حدًّا لمسألة التدخل الخارجي الذي لن يزيد الأوضاع إلا تدهورًا، وفي نفس الوقت تقدم روشتة مقبولة للحل عبر عنها الرئيس السيسي في خطابه أمام القمة التي عقدت الخميس الماضي والتي تضمن البيان الختامي للقمة كافة النقاط التي طرحها الرئيس. ولقد استهدفت القمة، وفقًا للبيان، وقف إطلاق النار، وضمان وصول المساعدات الغذائية والدوائية إلى داخل السودان، وتشكيل آلية وزارية ستعقد أول اجتماعاتها في تشاد خلال الأيام القليلة القادمة، ورفض التدخل الأجنبي والتوصل إلى حل سياسي شامل ينهي الأزمة.
وقد رحبت الحكومة السودانية وقوات الدعم السريع بالبيان الختامي، وأعربا عن استعدادهما للتعاون مع الآلية الوزارية لتنفيذ هذه التوصيات، وهو أمر شكل بداية هامة ودعمًا لما جرى الاتفاق عليه في القمة، مما دفع الكثير من البلدان العربية والدولية إلى إعلان دعمها لهذه التوصيات.
لقد بدأت القاهرة على الفور اتصالاتها لتحديد موعد الاجتماع الوزاري في تشاد وتم الاتفاق على نقطتين هامتين كبداية لجدول الأعمال. – الأول: البحث في تهدئة سريعة بين الأطراف المتنازعة لحين التوصل إلى اتفاق دائم، ومستدام لإطلاق النار.
– الثاني: ضمان وصول المواد الغذائية والدوائية بشكل آمن إلى المواطنين السودانيين داخل البلاد. وقد أجرت القاهرة اتصالات مكثفة مع الجانبين (الجيش السوداني والدعم السريع)، بهدف ضمان المشاركة في هذه الاجتماعات، وأيضًا الالتزام بتنفيذ المقررات. أيًا كان الأمر فإن القاهرة الحريصة على السودان وأمنه واستقراره استطاعت بحكمة القيادة وقدرتها على احتواء الأزمات أن تعقد هذه القمة لدول الجوار المضارة أصلاً من التطورات الراهنة على الأرض السودانية، وأن يتوصل مع قادة هذه الدول إلى رؤية مشتركة لاقت قبولًا لدى كافة الأطراف.
بقي القول: إن هذه القمة، ونجاحها هو أبلغ رد على هؤلاء الذين ملأوا الدنيا ضجيجًا، وهم يتساءلون: أين هو الدور المصري مما يحدث على أرض السودان؟!
مصطفى بكري – صحيفة الأسبوع