عودة استراتيجية: النتائج المتوقعة لجولة الرئيس الإيراني الأفريقية

اختتم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في 13 يوليو 2023، جولة أفريقية شملت ثلاث دول هي كينيا وأوغندا وزيمبابوي، في زيارة هي الأولى لرئيس إيراني إلى أفريقيا منذ 11 عاماً، غابت فيها أفريقيا عن أولويات السياسة الخارجية الإيرانية، عقب اهتمام ملحوظ شهدته فترة حكم الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، الأمر الذي عرّض الرئيس السابق حسن روحاني وحكومته لانتقادات داخلية تتعلق بشأن أداء الحكومة الإيرانية السابقة تجاه العلاقات مع القارة الأفريقية.

إذ كان أحمدي نجاد آخر رئيس إيراني يزور أفريقيا عام 2013. فيما يمكن اعتبار هذه الجولة عودة إيرانية لأفريقيا عبر بوابة الاقتصاد بامتياز، اعتماداً على عدة مؤشرات منها حجم الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعت بين إيران والبلدان الثلاث، وتكوين الوفد المرافق للرئيس الإيراني، والذي غلب عليه الطابع الاقتصادي ومرافقته لرجال أعمال في القطاع العام والخاص. فيما مهدت لهذه الجولة الرئاسية، جولة سابقة لوزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان في 27 أغسطس الماضي، شملت مالي وتنزانيا وزنجبار.

تأتي الجولة الأفريقية لرئيسي في إطار استراتيجية إيرانية تسعى إلى التوسع في العلاقات الدبلوماسية انطلاقاً من دول الجوار، ومحيطها الإقليمي، وتهدف بالأساس إلي مواجهة تأثير وتداعيات العقوبات الأمريكية المشددة، تلك العقوبات التي كبلت الاقتصاد الإيراني ووضعته في مواجهة أزمات متصاعدة منذ عام 2018، عقب الانسحاب الأمريكي المنفرد من الاتفاق النووي الموقع بين إيران والقوى الدولية، عام 2015، وذلك من خلال فتح مسارات دبلوماسية متشعبة من شأنها تخفيف حدة عزلتها الدولية إلى جانب الهدف الأهم المتمثل في تقليل تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

وقد سبقت هذه الجولة أيضاً، جولة مماثلة قبل شهر لأمريكا اللاتينية بدأت في 11 يونيو الفائت وشملت دول التحالف البوليفاري فنزويلا وكوبا ونيكارجوا، تلك الدول التي تؤسس علاقات قوية مع إيران، غير أن الاهتمام بتوطيد هذه العلاقات قد تراجع في ظل أولوية العلاقات مع الغرب وإحراز تقدم في ملف الاتفاق النووي الذي تبنته حكومة الرئيس حسن روحاني.

وتسعى إيران إلي تحقيق هذه الاستراتيجية في أفريقيا علي وجه الخصوص اعتماداً علي ثلاث محاور، لعل أولها: انتقاد التعامل الدولي مع ما تواجهه الدول الأفريقية من مشكلات هيكلية أمنية وسياسية واقتصادية، والحرص على أن تكون المشكلات الأفريقية حاضرة في الخطاب الإيراني، دون الانخراط في حل هذه المشكلات خلال السنوات الماضية التي انشغلت فيها إيران بمحيطها الإقليمي وتعظيم نفوذها فيه، ومن ثم استفادة إيران من أخطاء الغرب في تناوله لأزمات القارة الأفريقية، وذلك من خلال إقامة تحالفات مع دول تتسم علاقاتها مع الغرب بالتوتر مثل مالي وبوركينا فاسو وزيمبابوي.

وثانيها: العمل بمنهج الاستقطاب للشباب الذي يشكل أغلب ديمغرافية القارة الأفريقية، من خلال مؤسسات تعليمية، ودعوية، وتقديم منح لتلقي التعليم في إيران، في جامعاتها الدينية، وهو عامل يتصل بشكل مباشر بمبدأ تصدير الثورة ونشر التشيع، وهو ما نجحت فيه إيران إلى حد كبير في عدد من الدول الأفريقية.

وثالثها: تبني النمط الصيني في العلاقات الخارجية، لاسيما القائم علي التعاون التنموي والخدمي، وذلك من خلال نشر مؤسسات رعوية في الدول الأفريقية تقوم علي منح المساعدات وتقديم الخدمات التعليمية والصحية والخاصة برعاية المحتاجين، تحت راية مبدأ رعاية المستضعفين، ذلك المبدأ الذي تعتمده إيران لتفسير ممارسات التدخل في الشئون الداخلية لبعض الدول.

تعد الجولة الرئاسية الإيرانية لكل من كينيا وأوغندا وزيمبابوي، في هذا التوقيت تطبيقاً حرفياً لاستراتيجية توسيع العلاقات الدبلوماسية الإيرانية حول العالم، في توقيت حرج تسعى فيه إيران لتحقيق نجاحات خارجية، ربما تعمل في النهاية على تخفيف الضغوط الداخلية على المستويين الاقتصادي والسياسي، في ظل تصاعد حدة العقوبات الأمريكية والغربية المفروضة عليها. وتتوقع طهران أن تحقق من خلال هذه الجولة للرئيس إبراهيم رئيسي هدفين أساسيين، هما:

1- اقتناص فرص مؤكدة للتعاون والاستثمار: تعد الدول الثلاث التي زارها الرئيس الإيراني، غنية بالثروات، على الرغم من مؤشراتها الاقتصادية المتواضعة بالمقارنة بما تمتلكه من مقومات اقتصادية، وفي هذا الإطار، تجد إيران فرصاً مهمة للاستثمار في مجالات الطاقة والزراعة والتقنيات، وهو ما أكد عليه رئيسي خلال جولته، بقوله: “من الضروري تطوير العلاقات الاقتصادية مع أفريقيا، لاسيما في مجالات الزراعة والتقنيات والهندسية والعسكرية”. وأوضح أيضاً أن “حصة إيران من الاقتصاد الأفريقي ضئيلة جداً، وأن حجم الاقتصاد الأفريقي يبلغ 1200 مليار دولار، بينما حصة إيران منه لا تتجاوز ملياراً و200 مليون دولار”.

وفي ظل ما حققته الجولة من نتائج على صعيد توقيع اتفاقيات تعاون، يتوقع أن يزيد حجم التجارة الإيرانية مع الدول الأفريقية إلى أكثر من ملياري دولار خلال ما تبقى من هذا العام – حسب ما أعلنته وزارة الخارجية في بيان لها عقب انتهاء جولة رئيسي- في حين أن حجم التجارة بين إيران وأفريقيا غير متوفر لعقد مقارنة مع المستهدف تحقيقه في المستقبل.

فعلى سبيل المثال، وقعت إيران وأوغندا 4 وثائق للتعاون. اشتملت على الإعفاء من التأشيرات، والتعاون الزراعي، وإنشاء اللجنة المشتركة الدائمة، كما وقعت إيران مع زيمبابوي عدداً من الوثائق لتوسيع التعاون الثنائي في مختلف المجالات، منها مجالات ريادة الأعمال، والسلامة المهنية، وتقليل حوادث العمل، والعلوم، والتكنولوجيا. ومع كينيا وقعت إيران 5 اتفاقيات تعاون، ومذكرات تفاهم في مجالات عدة، على رأسها الاقتصاد، والطب البيطري، والاتصالات، والثقافة، ومصايد الأسماك، والتعليم المهني، كما تم الاتفاق على قيام إيران ببناء مصنع لتجميع السيارات، بالإضافة إلى إنتاج سيارات إيرانية بأسماء سواحلية في كينيا. كما تم خلال زيارة الرئيس الإيراني المركز الايراني للإبداع والتكنولوجيا في العاصمة الكينية نيروبي الإعلان عن نسختين لطائرة مسيرة ايرانية، تستخدمان في المجال الزراعي، نسختها الأولى تستخدم لرش المبيدات الزراعية ، ونسختها الثانية تستخدم لإجراء المسح الزراعي وذلك في إطار التعاون التقني بين البلدين.

وبدورها، أشارت المشرفة على مكتب تمثيل منظمة الترويج التجاري الإيرانية لدى أفريقيا ليلا باجبان، أن زيارة الرئيس الإيراني إلى الدول الأفريقية، تمثل فرصة استثنائية لتوسيع العلاقات التجارية الإيرانية مع أفريقيا في مجالات مناجم الذهب والماس موضحة إمكانية حصول إيران على هذه الموارد عبر تجارة المقايضة مع دول أفريقيا، مؤكدة على أن المناجم في أفريقيا تشكل إحدى الفرص المواتية لأجل تطوير التعاون بين إيران وهذه الدول، إلى جانب صناعات النفط والغاز والبتروكيماويات، التي تم تنشيطها حديثاً في بعض دول أفريقيا، بما يشكل فرصة جيدة لكي تساهم طهران في عمليات التنقيب والاستثمارات المتعلقة بهذا الشأن.

2- ضمان استمرار المكانة المتميزة في القارة الأفريقية: وصفت وزارة الخارجية الإيرانية الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني لأفريقيا بأنها “نقطة انطلاق جديدة” يمكن أن تعزز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول الأفريقية. كما وصفت الخارجية الإيرانية الدول الأفريقية الثلاث التي شملتها الزيارة بأنها تتقاسم مع إيران “وجهات نظر سياسية مشتركة”، وبصفة خاصة الموقف من الغرب، لاسيما زيمبابوي المحطة الأخيرة في جولة رئيسي، والتي استقبلته استقبالاً شعبياً، بنشيد “سلام فرمانده”، وخلال الزيارة أشاد الرئيس الزيمبابوي إيمرسون منانجاجوا، بدور إيران في دعم بلاده لحصولها علي استقلالها عام 1980، فيما تشترك زيمبابوي في العزلة السياسية المفروضة على إيران، كما تخضع أيضاً لعقوبات أمريكية وأوروبية خانقة بسبب عمليات كسب غير مشروع، وانتهاكات لحقوق الإنسان.

ويمكن القول بأن لاستقبال رئيسي في زيمبابوي دلالات عدة علي الدور الذي تلعبه القوة الناعمة الإيرانية في أفريقيا بآلياتها المختلفة، والتي يأتي على رأسها الهلال الأحمر الإيراني، ومؤسسات المرشد، وجامعة المصطفى، التي تقوم بنشاطات متعددة تتنوع بين خدمات اجتماعية مجانية عبر شبكة واسعة من المستشفيات ودور رعاية للأيتام، فضلاً عن إدارة أكثر من 100 مدرسة دينية، إلى جانب مساعدات مالية تقدمها إيران للحكومات في عدد من الدول الأفريقية.

ففي زيمبابوي، على سبيل المثال، يشرف الهلال الأحمر الإيراني على مشفى كبير، في العاصمة هراري، ومثلها مستشفى آخر في كامبالا، عاصمة أوغندا، افتتحها وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف في نوفمبر 2017، وخلال زيارة رئيسي لكينيا واضطلاعه على أنشطة الهلال الأحمر الإيراني هناك، وصف رئيسي الأنشطة الإنسانية والعلاجية التي يقوم بها الهلال الأحمر الإيراني في أفريقيا بأنها “فريدة من نوعها”. هذا بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه إيران من خلال مؤسسات تعليمية ومراكز إسلامية في تدريب رجال الدين الأفارقة وإخضاعهم لدورات تدريب في فروع جامعة المصطفى المنتشرة فيما يزيد عن 17 دولة أفريقية.

ولطالما كانت الدول الأفريقية ساحة للتنافس الدولي والمعارك الدبلوماسية للحصول على أكبر قدر من كعكة الثروات الأفريقية التي تمتلكها دول لا تتمتع بالاستقرار السياسي والاقتصادي، تخضع أغلبها لمواءمات سياسية، وتعتمد على الدعم الخارجي. وفي هذا الإطار، شهدت القارة عقب الحرب على أوكرانيا محاولات عدة للدول الغربية من جهة، وروسيا من جهة، لكسب تأييدها لمواقفهما. إلى جانب الهند والصين اللتين توظفان استثمارات ضخمة في البنية التحتية في أفريقيا. وبالتالى تسعى إيران للحفاظ على مكانتها لدى دول القارة، وتعزيز نفوذها فيها. فيما تجدر الإشارة إلى أن إيران قد اعتمدت في أحيان كثيرة على أصوات الدول الأفريقية داخل الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها، للتصويت إلى جانب إيران في معاركها داخل المؤسسة الدولية.

وفي النهاية، يمكن القول إن توجهات إيران الحالية نحو القارة الأفريقية تعكس الخطاب الذي تبناه الرئيس الإيراني منذ بداية توليه منصبه في أغسطس 2021، عندما دعا خلال الأسبوع الأول من توليه وبالتحديد في 6 أغسطس 2021 إلى زيادة التعاون مع الدول الأفريقية، مؤكداً أن حكومته ستُفعِّل بجدية مجالات التعاون مع الدول الأفريقية، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول إمكانية إعطاء إيران الأولوية لأفريقيا في هذا التوقيت الذي تسعى فيه إلى تحقيق مكاسب فورية من عودة علاقاتها مع أطراف إقليمية مهمة، وبالتالي إمكانية استعادة العلاقات مع حلفاء قدامى وشركاء تجاريين تراجعت علاقاتهم مع إيران بعد عام 2013، بما يعني أن الجولة التي قام بها رئيسي ترجح أن التحركات الإيرانية الواضحة تجاه أفريقيا يمكنها أن تعزز حضورها في القارة السمراء مجدداً خلال الفترة المقبلة.

رانيا مكرم
خبيرة – مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

Exit mobile version