عن سرايا الهندي في بري الشريف

إن رسالة أعداء التاريخ وأعداء العراقة هي الدمار ، وهي أن يجعلوا عالي كل شئ سافله ، وسرايا الشريف التي تم قصفها هي قيمة وطنية ورمزية قومية لا يدركها إلا من يعرف قيمة هذا الوطن وقيمة أهله ، والسرايا تعد مرجعا تاريخيا وشاهدا على تضحيات أهلها وحسن بلائهم من أجل هذا الوطن في كل العصور .

عندما ذهب الشريف محمد الامين الهندي مبايعاً للمهدي في جبل قدير في العام 1880م ، تحرك من البطانة وأصطحب إبنه الشريف علي وكان عمره يقارب الثمانين عاما وتوفي فى رحلة العودة ليدفن بمنطقة الرهد أبو دكنة ، فواصل إبنه الشريف علي الذي استشهد في معركة سنار 15 نوفمبر 1884 ، ثم من بعد هؤلاء خاض الشريف يوسف الهندي معركة كرري بفرسه بعد أن خاض معارك الشرق مع الزاكي طمل ، وبعد أفول الدولة المهدية تم حبس الشريف يوسف في كوبر ، ثم صارت بري له منفى حين قرر المستعمر وضعه في الإقامة الجبرية ليكون تحت أعينهم خوفاً من ثورته .

حين كان الشريف يوسف في سجن كوبر كان يشفع لغيره من السجناء ويفديهم بماله ويخرجهم من السجن وكان حين يخرج لساحة السجن يتلقاه السجناء بطلبات الإفراج وسداد الدين والشُفعة في الجنح والقضايا الصغيرة ، وذات يوم خرج فأستقبله الناس كالعادة وعندما فرغ منهم ، رأي شخصا يجلس بعيدا تحت شجرته ، لا يهمه ما يحدث من تدافع ولا ترجي ، فذهب الشريف للرجل تحت شجرته :
– يا زول مالك؟ وات منك ؟ ومن وين ؟
= أنا همباتي ، شكري ، ومن البطانة ..
– طلبك شنو وداير شنو ؟؟
= ما بدور حاجة ، بدور لي (تُمباك) بس ..
فأندهش الشريف وقال له:
ما تستاهل ها القعاد والتفّة
تستاهلّك عنافياً بالبطاين لفّا
كان لا باكر ما جاك الضمان والإعفاء
مجبور الشريف كل يوم يجيبلك سفة
هذه بعض من قصص السرايا وأهلها ، تراكمات من أخلاق الرجال وما فيهم من مروءة وصدق وكرم وشهامة وكفاح وإيمان وفداء ، فإن تهدمت المباني ستظل المعاني صامدة وراسخة وباقية ، فالسرايا قلعة عز وحرية وصدق توجه .

ومن عائلة الهندي خرج الشريف عبد الرحمن الهندي محاربا فى جيش الشريف الحسين بن علي شريف مكة في العام 1874م ، ومن هذا البيت خرج الشريف إبراهيم ود الشريف يوسف الهندي الذي قال عنه شاعر البطانة الصادق ود الحلال :
خليفة يوسف أب بشرا بزيل الهم
إت منهم يا ود أب عطايا خم
ضباح الجزر بعد الخلوق تنلم
الليل والنهار سكينو ترعف دم
**
تلاتة من رفيقي بعاد
الخوف والبخل وطمع النفس في الزاد
دي البتسيها يا البتقضي كل أغراض
ضبح أمات سري ودفع النقي اب عقاد
..
ثم من السرايا خرج الشريف حسين وزير مالية السودان الأشهر والمعارض الصلد الذي قال لا في وجه من قالوا نعم ، والسياسي المرموق مهندس اللاءات الثلاث في العام 1967 وأيقونة النضال العربي والأفريقي ، ومنها خرج الشريف زين العابدين صاحب الأوبريت وصاحب السودانيين ، لسان حال الشعب وصوت مقاله ..

لذلك لا غرو أن تفتح السرايا صدرها للرصاص والقذائف وتتلقى ذلك بكل سرور إنابة عن من إفتداهم أهل السرايا بالدماء على مر العصور .

يوسف عمارة أبوسن
16 يوليو 2023

Exit mobile version