حرب السودان .. مرحلة اللاعودة

تنزلق الحرب في السودان مع اقترابها من إكمال شهرها الثالث، إلى مرحلة اللاعودة، بعدما باتت من “أكثر أنواع الحروب وحشية”، وفق توصيف أممي، في ظل غياب أي مؤشرات على حراك دبلوماسي فاعل سينجح بوقف هذا الصراع، وإن كانت الأنظار تتجه إلى ما ستسفر عنه قمة دول الجوار التي تستضيفها مصر اليوم الخميس.

وبالتوازي مع ذلك، لا يبدو أي من طرفي القتال، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، قادراً على حسم المعركة لصالحه، في ظل توازن عسكري بينهما، بما يحوّل القتال إلى حرب استنزاف يدفع المدنيون الثمن الأكبر لها بارتفاع فاتورة الضحايا من السودانيين الذين لم يستطيعوا الفرار من المعارك.

والأخطر أن المعارك لم تعد منحصرة في بقعة جغرافية معينة، كما كانت في البداية بتركزها في العاصمة الخرطوم، بل امتدت إلى مناطق أخرى ولا سيما في دارفور وشمال كردفان، مع دخول العامل القبلي فيها وما يعنيه ذلك من مزيد من العنف والقتل العشوائي البعيد عن التوثيق في ظل انقطاع الاتصالات.

ورغم أن دول الجوار خصوصاً تستشعر خطر تداعيات الحرب السودانية عليها، وبدأت في الفترة الأخيرة خصوصاً، حراكاً يستهدف وقف إطلاق النار كمرحلة أولى لحماية المدنيين والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية، لكن هذا الحراك الذي لم يسفر عن أي نتيجة حتى اليوم.

واللافت أن هذا الحراك يترافق مع حديث بات يتردد على لسان مسؤولين أمميين ومن دول الجوار عن “فراغ” في الدولة في السودان، وهو ما دفع مراقبين لعدم استبعاد أن يتحول هذا التحذير اللفظي إلى تدخّل عسكري إذا تم التوصل إلى اتفاق دولي على ذلك لوقف الحرب في حال تواصلت لفترة طويلة.

وباتت أرقام الضحايا المعلنة بشكل شبه يومي في السودان أكبر بكثير من بدايات الحرب، فقد أفيد عن مقتل نحو 31 شخصاً بقصف يومي الجمعة والسبت الماضيين في أم درمان، تبادل الجيش والدعم السريع الاتهامات بالمسؤولية عنه.

واعتبرت واشنطن، في بيان صادر عن سفارتها في الخرطوم الثلاثاء الماضي، أن مقتل مدنيين جراء غارات جوية في بحري وأم درمان “واحدة من أخطر هجمات القتال بالسودان حتى الآن”. ورأت أن “أي انتصار عسكري تترتب عليه تكلفة بشرية غير مقبولة وأضرار بالبلاد”.

كما تحدثت صفحة على “فيسبوك” تسمى “وزارة الصحة – ولاية الخرطوم” عن مقتل 34 مدنياً بينهم أطفال، في قصف عشوائي مساء الثلاثاء الماضي على السوق الشعبي في أم درمان. فيما أعلنت وزارة الصحة السودانية عبر صفحتها على “فيسبوك” أن “الصفحة التي نشرت الخبر هي صفحة مزيفة ولا تتبع لنا في وزارة الصحة”.

ومنذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، فقدت الوزارة السيطرة عليها ويقال إنّ موالين للحكومة السابقة التي كان يرأسها عبد الله حمدون هم من يحتفظون بكلمة السر ويديرونها. وأفيد أمس الأربعاء عن سماع أصوات طائرات مقاتلة وقصف مدفعي في أم درمان وبحري، اللتين تشكلان مع الخرطوم العاصمة الكبرى.

كما وردت أنباء عن اندلاع قتال في الأيام الماضية بين الجيش وفصائل “الحركة الشعبية لتحرير السودان” المتمردة في ولاية جنوب كردفان، وفي ولاية النيل الأزرق بالقرب من الحدود مع إثيوبيا، مما أدى إلى موجات نزوح من تلك المناطق أيضاً

وأدى القتال إلى تدمير مناطق واسعة في العاصمة وإلى موجات من الهجمات في دارفور. وتعرض المدنيون لجرائم نهب وحالات انقطاع للتيار الكهربائي ونقص الغذاء والماء وانهيار الخدمات الصحية وتزايد جرائم العنف الجنسي.

وأظهرت تقديرات المنظمة الدولية للهجرة أن عدد النازحين بسبب الصراع، تجاوز ثلاثة ملايين. وجاء في البيانات التي نشرت في وقت متأخر أمس الأول الثلاثاء أن أكثر من 2.4 مليون نزحوا داخلياً، وعبر أكثر من 730 ألفاً الحدود إلى بلدان مجاورة. وفر معظم هؤلاء إما من العاصمة الخرطوم، أو من دارفور حيث تصاعدت أعمال عنف عرقية.

هذا الواقع كان قد دفع مفوض الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، للقول يوم الاثنين الماضي، إن السودان يعيش حالة “حرب أهلية من أكثر أنواع الحروب وحشية”. وأضاف غريفيث، في تصريح لوكالة “أسوشييتد برس”، أن “العالم يحتاج إلى منتدى جديد لإجراء محادثات سعيا وراء وقف إطلاق النار في السودان”.

ووصف السودان بأنه “أصعب مكان في العالم بالنسبة للعاملين في المجال الإنساني من حيث الوصول إلى المحتاجين للدعم والمساعدة”. وحذر من أن “الأزمة ستزداد سوءا مع امتداد القتال إلى مناطق جديدة”.

من جهته، أعلن مدير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في تشاد بيار أونورا، في تصريحات للصحافيين أمس الأول الثلاثاء، إن 20 ألف شخص عبروا الحدود من السودان إلى تشاد الأسبوع الماضي فقط. ووصف المشاهد البائسة بالقول: “يمكننا أن نرى أنهم عانوا، وفَقَدت العديد من الأسر أفراداً منها، ولا نجرؤ حتى على سؤالهم، أين الرجال؟ وغالباً ما يكون الجواب من الأمهات أنهم قتلوا. لذا، نرى فقط العديد من النساء والعديد من الأطفال”.

وعن أسباب تصاعد القتال لا سيما في العاصمة، قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن قوات الدعم السريع مددت سيطرتها على الخرطوم، وفق ما نقلت عن سكان ومحللين عسكريين ومسؤولين إنسانيين.

وشرحت الصحيفة أنه كان للدعم السريع منذ البداية، وجود أكبر من الجيش على الأرض في الخرطوم وأم درمان وبحري. كما استولت هذه القوات على مصنع ذخيرة اليرموك في يونيو/حزيران الماضي، واستولت على مناطق شرق جسر حلفايا الاستراتيجي، وأخيراً على قاعدتي شرطة جنوب الخرطوم والاحتياطي المركزي، وفقا لسكان ومحللين.

بوزويل: مع استمرار الحرب، تحاول الدعم السريع جلب مزيد من القوات والمعدات إلى العاصمة من معقلها في دارفور

وقال مدير مشروع القرن الأفريقي في مجموعة الأزمات الدولية آلان بوزويل: “لقد وجهت قوات الدعم السريع ضربة قوية أولية للجيش”. لكنه لفت إلى أنه مع استمرار الحرب، تحاول الدعم السريع جلب مزيد من القوات والمعدات إلى العاصمة من معقلها في دارفور، مضيفاً: “نحن ندخل مرحلة جديدة من الصراع حيث تتحول الآن إلى حرب على خطوط الإمداد، وأم درمان في قلبها”.

وبحسب “نيويورك تايمز” سعى الجيش لتقويض تلك العمليات، وشن هجمات برية وغارات جوية مكثفة على معاقل شبه عسكرية، بما في ذلك قرب مجمع البث الحكومي في أم درمان. كما شدد الجيش وجوده بالقرب من المواقع الاستراتيجية التي يسيطر عليها بالفعل، بما في ذلك قاعدة وادي صيدنا الجوية خارج الخرطوم ومقر القيادة العامة. وخارج العاصمة، لا يزال الجيش هو المسيطر في شمال وشرق السودان. ومع ذلك، فقد شددت قوات الدعم السريع سيطرتها على دارفور.

وفي الأسابيع الأخيرة، احتلت الدعم السريع مدينة زالنجي، عاصمة وسط دارفور، وحققت انتصارات ضد الجيش في نيالا، عاصمة جنوب دارفور، بحسب سكان ومحللين ومسؤولين في الأمم المتحدة تحدثوا لـ”نيويورك تايمز”. وقال سكان وعمال إغاثة فروا من المدينة إن قوات الجيش نادرا ما غادرت قواعدها في غرب دارفور إذ اندلعت أعمال عنف في مدن مثل الجنينة. كما حاصرت قوات الدعم مدينة الأبيض، عاصمة شمال كردفان، حيث يوجد موقعان لهما قيمة استراتيجية: مطار ومصفاة نفط.

وشرح المحلل السياسي السوداني عبدالله رزق، في حديث لـ”العربي الجديد”، معطيات الصراع الراهن في السودان، قائلاً إن الحرب استقرت في مرحلة التوازن بين الطرفين، والعاصمة باتت مقسمة لمواقع نفوذ وكل واحد منهما يدافع عن مواقعه خصوصاً الجيش.

ولفت إلى أنّه “لم يحدث تغير نوعي في مجرى الحرب، لكنها باتت تأخذ طابع الاستنزاف” متوقعاً “أن تسعى الدعم السريع لاستجلاب قوات تابعة لها من الأقاليم لتعزيز قواتها في العاصمة، لكن الوضع الآن أشبه بتوازن القوة العسكرية، وبالتالي لم يتحقق أي تطور نوعي لصالح أي طرف لحسم المعارك، وما لم تتدخل أطراف خارجية لدعم طرف ما فالوضع سيستمر لبعض الوقت على ما هو عليه”.

وعن تصاعد العمليات، أشار إلى أن “قيادة الجيش قالت الأسبوع الماضي إنها ستبدأ عمليات تمشيط في أم درمان، ما جعل المنطقة مركزاً للمعارك، كما يواصل الجيش قصف مواقع الدعم السريع بكثافة في شرق النيل”.

رزق: لم يحدث تغير نوعي في مجرى الحرب، لكنها باتت تأخذ طابع الاستنزاف

وشرح رزق أن الحرب باتت منتشرة في قلب السودان، من مدينة الأبيض وبارا في ولاية شمال كردفان، إلى أقصى الغرب في نيالا بجنوب دارفور والجنينة في غرب دارفور. ولفت إلى أن “الحرب أدت إلى نزوح أعداد كبيرة من المواطنين، أما الذين بقوا فيعانون بشكل كبير لأنّ هذه المدن بما فيها الخرطوم تتعرض لشكل آخر من أشكال الحصار بسبب تناقص الغذاء ما يجعل الوضع الإنساني مأساوياً”.

وعن التحركات الإقليمية، قال رزق إنها تأتي من منطلق أن الحرب تؤثر على مصالح هذه الدول وأمنها، مضيفاً أن التدخل الخارجي في الصراع بات أمراً واقعاً ويأخذ شكل التحركات السياسية الراهنة، والتي قد تتطور إلى تدخل عسكري، إذا أخفقت الجهود بوقف الحرب يمكن دخول قوات أممية لوقف الحرب وحماية المدنيين وهي بنود تمت الإشارة إليها خلال الاجتماعات الإقليمية.
حراك في جوار السودان

وتستعد القاهرة لاستضافة مؤتمر جيران السودان اليوم الخميس لبحث تطورات الحرب في السودان وانعكاساتها على دول الجوار. ويأتي ذلك مع تصاعد الحديث عن فقدان الحكومة السودانية ثقة دول المنطقة، وهو ما قاله المبعوث الأممي إلى السودان فولكر بيرتس أمس، إذ اعتبر في تصريحات لقناة “الجزيرة” أنّ ما يسمى بالحكومة الحالية في السودان فقدت السيطرة على البلاد وثقة دول المنطقة، مشدداً على أن الأمين العام للأمم المتحدة هو من يقرر من يمثله في السودان، مشيراً إلى أن الحكومة السودانية منعته من دخول البلاد وهذا الأمر يؤثر على الجهود الأممية.

ويلقى مؤتمر القاهرة ترحيباً من السلطات السودانية، وذلك بعدما كان الجيش السوداني قد قاطع اجتماع اللجنة الرباعية برئاسة كينيا ومشاركة إثيوبيا وجيبوتي وجنوب السودان، والتي تقودها الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد).

وقال وزير الخارجية السوداني، علي الصادق، في تصريحات إعلامية أمس الأربعاء، إن بلاده تنظر “بإيجابية” لمبادرة الوساطة المصرية، معتبراً أنّ تحقيق أهدافها سيصعب في حال إقحام آخرين من خارج المنطقة. لكنّ المسؤول السوداني رأى أنّه “إذا كثرت أطراف المبادرة وتم إقحام آخرين من غير المنطقة فيها فمن الصعب تحقيق أهدافها”.

علي الصادق: ننظر “بإيجابية” لمبادرة الوساطة المصرية

واعتبر أن الرئيس الكيني وليام روتو، ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد “يريدان تحقيق بعض المكاسب في الإقليم”، مضيفاً أن “هذا لا يكون على حساب السودان”. والثلاثاء، أعلن السودان رفضه نشر أي قوات أجنبية على أراضيه، واعتبارها “قوات معادية”.

واستنكرت الخارجية السودانية في بيان، تصريحات لروتو قال فيها إن “الوضع في السودان يتطلب بشكل عاجل قيادة جديدة تكون قادرة على إخراجه من الكارثة الإنسانية” كما أعربت عن “دهشتها لتصريحات أبي أحمد بأن هناك فراغاً في قيادة الدولة، مما يفسر عدم اعتراف بقيادة الدولة الحالية”.

وأكدت “أن المساعدات الإنسانية المقدمة من الجهات الدولية تنساب وتصل المحتاجين، وأنّ حكومة السودان تظل حريصة على رفع المعاناة عن كاهل شعبها”. ونقل بيان الخارجية أن حكومة السودان تؤكد “رفضها لنشر أي قوات أجنبية في السودان وستعتبرها قوات معتدية”.

وتضمن البيان الختامي لقمة مجموعة دول “إيغاد” التي عُقدت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، دعوة دول قوات شرق أفريقيا للطوارئ (إيساف) إلى عقد قمة من أجل النظر في إمكانية نشر القوة الاحتياطية في السودان “لحماية المدنيين وانسياب المساعدات الإنسانية”. وكانت السلطات السودانية قد أعلنت مقاطعة وفدها الحكومي اجتماع لجنة “إيغاد” مطالبة “بتغيير رئاسة كينيا للجنة” المعنية بحل الأزمة في البلاد.

“العربي الجديد”

Exit mobile version