أحب عنابر العناية المركزة لأنني أجد فيها نوعا شديد الخصوصية من العدالة ونموذجا مصغرا لما يمكن ان نطلق علية مجازا دار الحق الأرضية ، قد يبدو ذلك الحب غريبا بعض الشيء خصوصا لما تتمتع به العناية المشددة من سمعة مخيفة حيث ارتبطت في أذهان الناس بكونها ذلك المكان المخصص للحالات الميؤوس من شفائها بينما أنظر انا للعناية على انها المكان الذي يمكنك ان تراقب فيه عن كثب معجزات الخالق اليومية في قلوب خلقه وكل من عمل بالعناية يوما يعلم جيدا ذلك السيناريو المتكرر للحالة التي يتوقع الجميع طبقا للمعطيات الطبية انها في الساعات الأخيرة ثم وفي صباح اليوم التالي تجد السرير خاويا فتظن ان الله قد استرد وديعته فتتنهد متحسرا ثم تلتفت لتجد المريض يتجول في العناية بمساعدة التمريض ليخبرك الطبيب المقيم باسما انها كانت ليلة سعيدة تلاحقت فيها الأحداث المبهجة من استعادة القلب لقدرته على الضخ ثم امتلاء كيس جمع البول ثم استعاده الوعي والفصل من على جهاز التنفس الاصطناعي كل هذا يحدث في ساعات بقدرة الخالق الذي نفخ فيه من روحه مرة أخري.
أحب هذا المكان الذي يتساوي فيه قلب الوزير مع قلب الغفير ، قلب الباشا الذي طالما بحث المئات عن واسطة للجلوس معه خمس دقائق مع قلب عم محمد بائع حلوي غزل البنات الذي أجري جراحة عاجلة نظرا لانسداد الشريان الرئيسي لقلبه بشكل شبه كامل حتي كان قلبه يضخ بلا امداد دموي تقريبا ! يرقد الباشا بجوار عم محمد ويرقد بجوارهم ذلك الرجل المهم الذي أعرفه جيدا وأعلم انه يمتلك شبكة معقدة من العلاقات ولكن لا مجال لها ها هنا فلا توجد واسطة ممكنة لشفاء القلوب ولا لتسريع التئام الجروح ولا لزيادة كفاءة عضلة القلب وانما نقف جميعا بين يدي الله لندعوه أملين ان يجري أسباب الشفاء على ايادينا فهو وحده على كل شئ قدير.
دكتور
Hany Mehany