*تقرير الحرب، بعد مرور أكثر من سبعين يوماً*
(حرب السيطرة على العاصمة الخرطوم)
(١)
*الانتشار – الكمين المُحكم الدائم*
سؤال: أين هي قوات الدعم السريع بالعاصمة؟
جواب: الدعم السريع حينما بدأ تمدد في ظرف ثلاثة أيام من بداية الحرب بكل مساكن ومرافق المدينة، ثم قام باسقاط مقرات الجيش بها مقراً تلو المقر..
عليه الجواب: أنه هو موجود في جميع أنحاء ولاية الخرطوم.
بينما حاول الجيش المحافظة، على مقراته في بادئ الأمر، قبل أن ينقل جميع جنوده وقادته لمعسكرات الجيش الحصينة، للبدأ في إدارة المعركة من هناك.
الدعم السريع نزل في ارتكازات، تكاد تكون في كل تقاطع أو شارع كبير، أو مداخل للطُرق السفرية، التي تربط العاصمة ببقية مدن السودان..
وهنا فقط يصير لا خيار للجيش غير القدوم له أرضاً والاشتباك معه وطرده من المدن الثلاث، إن استطاع ذلك..
فسلاحي الجو والمدفعية لايمكنهما مسح تواجد الدعم بجميع أنحاء المدن، وهذه هي الخطة التي عمل بها الدعم السريع منذ بداية الحرب وتمسك بها حتى هذه اللحظة.
وكلما دخل الجيش من محور، تجمع شمل الدعامة في دقائق قليلة وكبدوا زحف الجيش أسراً وتقتيلاً مستخدمين كثافة النيران، وتعدد محاور الهجوم كالنحل المتلم إلى قطعة رحيق، حيث كل صناديق الجيش وتشكيلاته العسكرية التي يدخل بها للمدينة، يتم تفكيكها بثوانٍ عبر كم التاتشرات المزودة بالمدفع الثنائي، التي تتوارد من كل صوب وارتكاز ومقر ومستتر ومنزل نحو ميدان المعركة الذي دخل به مُتحرِك الجيش.
وحيث كل *”الدعامة المشاة”* الساكنين كمجموعات صغيرة في باطن الأحياء يتوافدون سريعاً لساحة المعركة حاملين معهم كماً ضخما من قاذفات قنابل الـ RPG ورافعي رشاشاتهم المزودة جميعها بمنظار تصويب..
الدعم السريع عبر انشاره هذا يجعل هجوم الجيش أشبه بالهجوم على ارتكاز صغير لعدد ثلاثة تاتشرات والاشتباك مع جنودها في انتظار توارد العشرات من السيارات المقاتلة والمآت من المشاه ضده حاملين القنابل المقذوفة، ووالشبابيك التي سريعا ستتحول لنوافذ قنص ضد المتحرك.
هكذا كانت الأيام الأولى في بداية الحرب..
(٢)
*خط الاحتماء – الجزع المتين*
الدعم السريع الآن يعسكر في الشريط الممتد لكبري شمبات شرقا وغربا له.
سُمك هذا الشريط السكني حوالي ٣ شوارع عن شماله وأخرى جنوبه..
بالدقة هو يعسكر في بحري من حول شارع الزعيم الأزهري من لفة الشعبية وحتى لفة المدارس. وفي امدرمان يعسكر حول شارع الزعيم الأزهري من لفتين ببيت المال شماله وحتى الدايات جنوبه.
هذا الشريط الذي عرضه حوالي ٤ شوارع لصيقة يمر بمنطقة الشهداء ومن ثم بشارع العرضة مرورا بتقاطع ود البشير ومن ثم بسوق أمدرمان ومن ثم بالسوق الشعبي ومن ثم لسوق ليبيا يوصل لداخل طريق التحدي..
ويتحصن دونها فقط في المباني السيادية، والمصفاة، والاذاعة، وبعض محطات الكهرباء.
لكن جميع معسكراته الأساسية المحصنة من القصف، قد فقدها في معارك الاسابيع الماضية.
معسكراته بـ (صالحة، وطيبة وسوبا)، وتحصنه الاساسي الحالي هو الإذاعة وأنفاق الكباري، بما فيها نفق كبري ود البشير الذي تم تنظيفه بالأمس مبدئياً.
بالنسبة لخطته العسكرية، وهي التمدد في المناطق السكنية بكل انحاء مدن الخرطوم الثلاثة، تفادياً للقصف بسلاح الجو أو الدك بسلاح المدفعية..
ثم (الفزعة) من داخل المناطق السكنية المجاورة للتجمع وضرب أي قوة تمشيط أرضي أو متحرك إمداد..
واستخدام السلاح *”الرشاش الثنائي”* ملم ٢٣ كمضاد للطيران وتحييده وابعاده عن التحليق القريب لأراضيه.
وهو السلاح الأساسي الذي كان يستخدمه الدعم السريع في كل الاشتباكات، مما يعينه على تكثيف النيران، وابعاد الاسناد الجوي..
مقابل عتاد الجيش الذي كان يشتبك بالدبابات (التي أفشلتها شوارع المدينة ووفرة الـ RPG المحمول على الكتف) ورشاشات الدوشكا، التي هي أقل قدرة ومدى وكثافة من الرشاش الثنائي)..
لذلك كانت جميع اشتباكات الفزعة تلحق بالجيش انهزامات وخسائر فادحة..
إلا أن اليوم لا يخفى على أحد أن *”الرشاش الثنائي”* إختفى من يد الدعامة!!
بعدما نسفه الطيران وما زال ينسفه، فعيب الثنائي مقارنة بالدوشكا، هو ان الثنائي غير قابل للفك والحمل بالإيدي، بل يسقط في العادة مع سقوط المركبة التي تحمله (مع سقوط البوكس)، بينما الدوشكا يتم فكه وحمله والتنقل به والارتكاز به في اي موقع بسهولة.
من الملاحظ جدا لعين الشخص المتابع العادي المقيم بولاية الخرطوم، مدى تقلص واختفاء مضادات الطيران..
وبينما تظهر مقاطع الفيديو الأخيرة للحرب، ان الجيش هو الذي صار يظهر وتحمل عرباته لسلاح الثنائي، بينما الدعامة ندر ما تجد لهم في مقطع جديد بكاسي مزوده به، بل فقط تحمل بكاسيهم الآن دوشكات، من التي غنموها من الجيش نفسه.
ومن الملاحظ جدا للشخص المتابع العادي لفديوهات ومقاطع الحرب، ان الدعم السريع الذي كان يظهر أنه يستخدم من السلاح الشخصي بنادق أمريكية وأجنبية جميعها أو أغلبها مُزوَّد بمنظار تنشين *”تصويب”*. إلا أن من الواضح الآن في كل مقاطع الفيديو الحديثة، بما في ذلك مقطع “مُعايدة” الدعم السريع بعيد الأضحية، أن جنود الدعم السريع ما عادوا يملكون سوى (الكلاشنكوف) العادي، وأن جميع بنادقهم الحديثة المزودة بمناظير التنشين ما عادت موجودة!!
(٣)
*خلخلة الجذع – وتجفيف الجذور*
عموماً الوضع الحالي في الميدان، هو أن التمدد الجغرافي للدعم السريع الذي كان يقيه أي دخول للجيش، وكثافته التواجدية لـ *”عددية الجند”* التي كانت تمكنه من الفزع السريع والتصدي لهجومات الجيش ومتحركاته،
قد فقدهما معاً..
فقد كثافة الانتشار، وفقد القدره على التمدد الجغرافي..
وحيث صار هذا التمدد الجغرافي خصماً عليه في صد العمليات النوعيةوالمباشرة للجيش.
فقد صار الجيش الآن يهجم ويقبض ويأسر ويكيل الخسائر وينسحب قبل أن يتمكن الدعم السريع من ايجاد التجمُّع الكافي من المقاتلين لصده بسبب تفرقهم على بقعه واسعة من الأرض دون الكثافة الكافية التي بدأ بها حربه.
لذلك في الشهر قبل الحالي، كان الدعم السريع في محلية شرق النيل يعسكر فقط في مدخلها الجنوبي عند كبري المنشية، وطرفها الشمالي عند الـحي ٢٣، وفي بقيتها يقوم فقط بتمشيط ومتابعة خفيفة.
أما في بحري فقد ارتكز في مدخلها الجنوبي (حلة حمد كبري المك) وفي طرفها الشمالي منطقة الحلفايا، وممشطاً لبقية مناطقها..
ولذلك عندما قام الجيش بعملية نوعية في الوسط بكافوري، ومستشفى حاج الصافي، قضى عليها وأخلاها في دقائق معدودة وانصرف مستخدماً لـ (انزال جوي، ومروحية مقاتلة أبادة جميع الدعامة الذين كانوا متواجدين حول وجوار مستشفى حاج الصافي وسينما الصافية).
ليتجمَّع بعدها الدعم في نفس مواقع العملية في محاولة للحفاظ على مناطق تواجده.. لكن بعد ان اكمل الجيش مهمته وانصرف..
الدعم السريع هو ليس مُخيراً في هذا الانتشار، بل هو مجبور عسكرياً عليه، فإما يقلص دائرة تواجده، فيتعرض لإبادة عبر الطيران والمدفعية، وإما أن يحمي نفسه عبر الانتشار والتمدد.
الدعم السريع الآن في ورطة حقيقية، فقد صارت أعداده ونوع عتاده، غير كافيين للتصدي لأي قوة كبيرة تهجم عليه من محور واحد، ويحتاج فعلاً لجهد كبير جدا لكي يتمكن سريعاً من جمع آليات وعربات قتالية وجنود كافيين للتصدي في الوقت المناسب، وأصبحت قواته نسبة *”لقلة عدد الجنود في تغطية مساحات الولاية”* تتعرض للهزيمة في كثير من مناطق الهجوم الفجائي للجيش، وتضطر الارتكازات المتقدمة للانسحاب مخلفة ورائها الكثير من الجرحى والقتلى والسيارات المعطوبة نتيجة الاشتباك (الأمر الذي لم يكن يحدث سابقاً في الشهرين الأوائل من الحرب) وما أن تتمكن قوات الدعم السريع المتناثرة من “الفزع” للحضور من أجل التصدي حتى تجد أن المعركة قد انتهت، وأن الجيش قد عاد وانصرف لمواقعه الحصينة.
وهذا ما حدث بآخر معركة مباشرة خاضها في الحلفايا، حيث عبر الجيش بكبري الحلفايا، وكبدهم الخسائر حتى هربوا ثم انسحب، في الوقت الذي زامن فيه ذلك تمرير الجيش لمتحرك امداد قوامه أربعة آلاف جندي بطريق آخر كمدد لمعسكر سلاح الإشارة حيث تمكنت فزعة الدعم السريع القادمة من معسكر الجيلي للحاق بزيل المتحرك، حسب (الفيديوهات) التي شاهدتها ليوم معركة كبري الحلفايا، مقاطع شارع الهوا، وكوبر، والكبري، وتحقيق الدعامة مع أسير الجيش الذي أسروه وبثو مقاطع تحقيقهم معه بأنفسهم.
الآن الدعم السريع يدفع ثمن تمدده الجغرافي الواسع جغماً لجنده وعتاده بالعمليات الخاصة للجيش، ويدفع مقابل هذا التمدد كذلك ثمناً آخر هو *”بطء وضعف الفزعة”* وتأخرها وقلة جندها، للدرجة التي اضطر فيها الدعم السريع لتكليف فرق منه لاخراج دعامته من المنازل لحصرهم والزامهم باللحاق باشتباكات المعارك، وما زال عدد كبير منهم يحتل البيوت ولا يفزع نهائياً!! وما زال جزء منهم يقوم بغادرة الخرطوم خلسة، وما زال منهم من يتفق مع عصبيته بالهروب الجماعي، لدرجة ان أحد الارتكازات الضخمة للدعامه المقاربة من *”محطة سراج بالفتيحاب”* تفاجأ المواطنون بسيارات وسلاح الارتكاز في موقعها مكتنزة بالعتاد دون جند (لقد زاغوا بهدوء)!! تبخروا *”حسب وصف الناقل لذاك الخبر”* .
(٤)
*اختيار أرض المعركة نصف المعركة*
تقول كتب تاريخ الحروب ((أن الذي يحدد ميدان المعركة هو الرابح لنهاية المعركة في غالب الظن)).
لذلك كل الجيوش تتعب جداً في تحديد المكان الذي ستخوض به الاشتباك.. فالتضاريس، والاعدادات من خنادق واتربة، واختيار الزمن، وحتى زاوية الضوء عند الهجوم والانسحاب، بل وحتى نسمة الهواء.. لها أثر في كتابة النصر، ناهيك عن أن الحرب خطة، وأن الخطة نفسها هي تخطيط المكان، او تخطيط أرض المعركة.
الجيش منذ أن بدأت الحرب كان يرفض خوض مواجهة مكشوفة بأي موقع، فقط يهجم في مكان غير متوقع وينسحب..
ثم يتحصٌّن بمقاره ومعسكراته الحصينة، حينما وعي الدعم السريع هذا الدرس، وبعدما احتل الكثير جداً من مواقع الجيش المنتشرة في كافة مدن الخرطوم، بعدها علم بأن الجيش لن يخرج إليه.. بل فقط سيواصل الجيش الجغم والاختفاء، القصف والهدوء، الغارات الجوية والاستطلاع..
كل استفزازات الدعم لإخراج الجيش لم تُفلح، وفعلا خسر الجيش الكثير من المباني والرمزية، لكنه ظل محافظاً على كل معسكراته الحصينة، بينما كانت أكبر ضربة موجعه للجيش، هي احتلال موقع الاحتياطي المركزي بالخرطوم، بعد انسحاب الاحتياطي المركزي تحت ضغط المعارك التي استمرت زهاء الثلاث أيام متوالية..
(٥)
معارك مدينة الخرطوم
الشجرة والاحتياطي
*النصر بثمن غالٍ*
خسر الدعم في هذه المعركة التي انتصر فيها الكثير من جنوده ومن آلياته الثقيلة، وكسب فيها النصر المعنوي وهو مهم جداً وفي حوجة ماسة له، بينما انسحب الاحتياطي المركزي دون ان يترك خسائر بشرية خلفه، وتشير التقارير لأن الاحتياطي المركزي بالكاد خسر عدد طفيفاً من جنده، وعددا أقل من الجرحى، وخرج من معركة الثلاث أيام منسحباً بكامل جنوده وتعداده وعتاده.. حتى حينما خرج لم تجد كاميرات الدعم السريع أي آثار هزيمة، غير سيارة واحدة محطمة كإجمالي الخسائر التي ألحقها الدعم السريع بالاحتياطي المركزي قبل انسحابه، بينما دخل الدعم السريع لمقر الاحتياطي المركزي تاركاً حوله عددا ضخماً من حطام سياراته المقاتلة وعدداً أكبر من الجثث المتناثرة، ولأول مرة لم نرى مطاردة لفلول المنهزمين تقتيلاً وأسراً، بل رأينا العكس، وهو أن الدعم مال لأن يتحصن بالموقع خوف طرد الاحتياطي له بهجمة مرتدة كما فعل به في إشتباكات اليوم الأول لنفس المعركة التي تكونت من ثلاث أيام، عموما حصل الدعم السريع على النصر المعنوي، وعلى غنائم كبيرة من السيارات والذخيرة، وهو نصر مهم ومهم جدا له، خاصة في ظل أيام تلي أيام
تقدم فيها الجيش مع الاحتياطي المركزي في مدينة الخرطوم بـ : سوبا، وبالجريف غرب، وبالكلاكلات، وبطيبة، وبجبرة وكل جنوب الخرطوم تلقيطاً وضرباً لمآت فلول الدعم السريع الذين خرجوا من معسكر طيبة مُلاحقين ومطاردين بالأحراش وبكل شوارع جنوب مدينة الخرطوم في محاولة الوصول لبقيتهم في شمالها وشرقها.
(٣)
*تساقط الأوراق – انحسار خط الإحتماء*
أين هو معسكر الدعم السريع الأساسي الآن بولاية الخرطوم؟
معسكر الدعامة هو عبارة الآن عن تخييم حول *”خط مستقيم”* يمتد من شارع الزعيم الأزهري شرق *كبري شمبات* وغربه، ومواصلة بشارع العرضة.
ابدأ بالنظر لوقع تقاطع المؤسسة ببحري، وسر غربا بشارع الكبري مروراً بـ: الشعبية – المظلات – كبري شمبات – بيت المال – الاذاعة – شارع ود البشير.
متاخمة لشوق الشهداء والسوق الشعبي وسوق ليبيا، وصولا لمداخل طريق التحدي اقصى غرب امدرمان.
الدعم السريع حريص على مداخل ومخارج امداده شرق بحري عبر الطريق الدائري إلى شارع الانقاذ.
يصل لشارع الانقاذ في بحري من محلية شرق النيل عبر محورين: محور عبر حي النصر و١٣ بمحلية شرق النيل دخولاً لكافوري، وثمحور عبر شارع الهواء وصولا لكافوري ومنهما لشارع الانقاذ، ليبدأ منه *”مكان تخييم الدعم السريع”* شرق وغرب كبري شمبات، ومع الاحتفاظ بارتكازات لتأمين طريقه.
الطريق الدائري في بحري يربطه بمعسكره في مصفاة الجيلي حيث تأمين الذخيرة بعيداً عن أخطار القصف الجوي، والأهم من ذلك يعتبر الطريق الدائري ببحري هو المدخل الشرقي من الخلاء إلى العاصمة.
وكذلك مثله الطريق السفري غرب امدرمان الذي هو المدخل الرئيس الذي يربطه بغرب السودان، ودونه قد تنقطع به السبل داخل ولاية الخرطوم.
أعتقد ان الخارطة العسكرية واضحة جداً إذاما بذل المواطن العادي جهداً بسيطاً لرسم خارطة، إلا أن الواقع يبدو حالياً غير واضح عند الكثيرين نسبة للفشل الذريع لإعلام البرهان وليس لواقع الانتشار والمعارك..
فالآن لولا هواة الارسال الحربي، الذين يمارسون هواية دور (المراسل الحربي) لمعارك الخرطوم، لكانت معنويات الشعب بالحضيض، إلا أن هواة الإرسال وهواة تتبع سير المعارك هم الآن من ينقذون الوضع الميت للإعلام الرسمي، الذي يؤدي في دور تنفير الشباب وامتعاضهم أكثر من أي دور آخر..
بينما تتولى القنوات الأجنبية أخبار السودان بما في ذاك اللقاءات الرسمية مع قادة الدولة بما في ذلك اتاحة الفرصة لـ (رئيس الدولة) وعضوية مجلسه ومبعوثيه وناطقي الجيش للمشاركات الهاتفية بهذه القنوات الأجنبية.. بدلاً عن القنوات السودانية، سواءاً المغلقة منها، أو التي تحوّلت لقنوات أغاني وأناشيد، تبث ساعة والأخرى مقاطع من الواتس واليوتيوب عبر موبايلات الهواة!!
لكن بالعودة للموقف الحقيقي للحرب ومن خلال متابعاتي، نجد أن الجيش يحرز تقدماً واسعاً، فقد استطاع حتى الآن الاحتفاظ بجميع معسكراته بولاية الخرطوم:
في مدينة امدرمان وهي: معسكر المطار الحربي، ومعسكرات امدرمان كرري، وادي سيدنا، وسلاح المهندسين المتاخم للسلاح الطبي.
وبمدينة الخرطوم: معسكرات الشجرة المدرعات والمدفعية، والقيادة العامة للجيش المتاخمة لمعسكر الفرقة مشاة، ومعسكر جبل أولياء للدفاع الجوي).
وفي بحري (سلاح الإشارة، ومعسكر الكدرو).
أما الدعم السريع، فقد تم ضربه واستلام جميع معسكراته في الولاية، وسقطت بيد الجيش.
وهي في الخرطوم: (معسكر قاعدة عبدالله النجومي الجوية بجبل أولياء، ومعسكر طيبة بالحسناب).
وفي امدرمان: (معسكر الدعم السريع غرب كبري الحلفايا، ومعسكره بالفتيحاب الصالحة.
وفي بحري مخيماته بمزارع سوبا، وبحطاب، والجيلي ومصفاة الجيلي.
جميعها خسرها الدعم السريع خلال الشهر الماضي (عدا المصفاة).
إلا أن كل هذه الانتصارات للجيش وسقوط معسكرات الدعم السريع في يديه لم يستطع اعلام الجيش إذاعتها نسبة لكونه كان في بادئ الحرب قد كان ناكراً لكون الدعم السريع يمتلك أي معسكرات قائمة في ولاية الخرطوم، لذا بعد تحريرها عجز عن اذاعة استلام معسكرات من الدعم السريع.
بالمقابل الدعم السريع دخل لكل المقرات العسكرية، بحثاً عن مواجهة مصيرية مع الجيش دون جدوى فهاجم “المقرات” المشتته واحتلها، وهي: قيادة الاستراتيجية، وقيادة الجوية، ومباني الوزارات، وقاعدة مصنع اليرموك، ومقر الاحتياطي المركزي، بمدينة الخرطوم، وفي بحري ما زال يلف حول مقر معسكر الكدرو.
ورغم هجومه المتواصل على المعسكرات القتالية للجيش إلا أنه لم يفلح حتى الآن باحتلال أي من معسكرات الجيش القتالية، ومازال يحاول إحداث اختراق، قبل أي يهلك جنده الممدين في بحري وامدرمان والخرطوم.. فهم ينقصون دون توقف..
وسلاحهم وعتادهم وأرواحهم يتوالى كذلك نسفها جواً وبراً وجغماً.
وصار تنظيم التمدد الجغرافي في أوان الاستعداد لمعارك هجومية واسعة جد مُتعب، ويحتاج لسرقة العديد من المركبات المدنية لتركيب المدافع عليها، ومجازفة في حد ذاته بإخلاء مواقع بها قادة ميدانيين وسلاح مُخزَّن..
فمرة حين استعداد الدعم السريع للهجوم على معسكر الشجرة غرب مدينة الخرطوم، هجم الجيش من شرقها وتم جغم كل جنوده بمنطقة الجريف وطريق سوبا وجياد.
ومرة حينما استعد الدعم السريع لخوض معركة واسعة بالكدرو في شمال بحري، هجم الجيش على وسطها في كوبر وكافوري وفي مداخل محلية شرق النيل بحي ١٣ وفي حي الشقلة ٢٣ وفي حي الشروق، وكاد يختفي وجوده من جميع مناطق محلية شرق النيل آنذاك، قبل إضطراره لـ *”إعادة التموضُع”*.
ومرة حينما هاجم سلاح المهندسين في امدرمان من ثلاث محاور، دفع ثمن ذلك أن خسر مواقعه بكل مناطق شمال امدرمان وتقدم الجيش منها جنوباً نحو تخوم شريط تخييمه الأساسي.
وصار الجيش منها يومياً يقوم بعمليات تنظيف لمناطق جيوب الدعم السريع في شمال امدرمان (بكرري، والشنقيطي، والثورات، وشارع الوادي) وداهمه بالعمليات النوعية، في عقر دار تخييمه، في الاذاعة وبيت المال، وود البشير وسوق امدرمان، وفي مداخل طريق التحدي ومسارب غرب امدرمان.
(٦)
*اسقاط سلاح المهندسين والسلاح الطبي – ثمن المحاولة..*
أصبح أنه من الواضح أن الدعم السريع، انه لا يمكنه خوض معركة إسقاط لأحد معسكرات الجيش الحصينة دون أن يتمكن أولاً من جمع عدد كافي من الجند يكفي لإجراء هجوم واسع من عدة محاور، ويمتد لساعات طويلة، وكم كافي من الذخيرة والعتاد والآليات، وبدون ذلك لا أمل في اسقاط أي من معسكرات الجيش..
وطبعاً يجيئ ذلك خصماً على خطة صموده وتواجده الجغرافي الكافي بالمدينة..لأن سحب الجند والعتاد من أي مواقع جغرافية يعني تعريض الموقع للانتقال لسيطرة الجيش، بما فيها من ذخيرة مخزنة، وجنود حارسون، وسيارات دفاعية موضوعة بتوزيع جغرافي محدد.
لكن الدعم السريع بين خيارين فقط..
المحافظة على انتشاره وهو مكتوف الأيدي، مع انتظار التناقص التدريجي نتيجة تسرُّب الجند وقصف الجو..
أو محاولة ادراك النصر بجمع الجند والهجوم للجيش في حصنه، مقابل تقلُّص مساحات انتشاره مما سيجعل منه في آخر المطاف لقمة سهلة، للجو والمدفعية والانهاك المتواصل.
ثمن محافظة الدعم السريع على ترك كثافة جنده في محيط سلاح المهندسين والطبي، كان هو تقدم الجيش بكرري، وبالثورات، وبشارع الوادي، وبغرب امدرمان، وكل شريط شرق امدرمان من بداياتها شمالاً بالمنطقة العسكرية واتجاها نحو الجنوب حتى تخوم مدخل كبري شمبات.
(٧)
*الأرض الواسعة – الإستعاضة بالتوزيع والضيق!!*
الدعم السريع مضطر للمحافظة على الأرض الواسعة، ولا سبيل له غير الانتشار بكل المدينة، وهذا سر استماتته في العودة لنقاط ارتكازاته الدفاعية الضرورية لحماية هذه الأرض من فقدها، لذلك لا نستغرب تمسكه للعودة لكل ارتكازاته الكائنة مثلاً أسفل الكباري التي تقع تحت سيطرته، وان تم ضربه فيها عدة مرات، هو لا خيار له غير البقاء في كلٍ من:
-منطقة “مستشفى شرق النيل” أمام كبري المنشية
-وبمنطقة ١٣ وحي النصر كمدخل للطريق الدائري.
-ومنطقة ٢٣ الشقلة كمدخل لشارعي الهواء والدائري.
-ومنطقة كبري الحلفايا كمدخل من شمال بحري.
-ومنطقة مزارع شمبات وضفة نيل بحري الرابطة بين كل الجسور عبر الأحراش والثغور.
-وفي منطقة شارع الستين بالخرطوم.
-وفي شارع ود البشير كمخرج وحيد من وسط امدرمان للخلا..!!
-… إلخ..
وهذا التوزيع يحتاج للحراسة الدائمة، أو سيتحوّل انتشاره هذا لإنتشار غير قتالي لا يفيد بالمعارك، ولا يوفر حماية ومصد لهجمات الطائرات..
لكن جنوده لا يكفون لهذه التمركزات دون انتشارات كثيفة لجنودهم بمساكن المدينة حولها..
للشرح: مقارنة بالحروب في العصر السحيق، عصر الخيول..
هذه الارتكازات هي تُمثل كتائب (الفرسان/أو الخيل) والانتشار هو جيش المشاة.
*((أي معركة دون مُشاة ستخسر، وأي معركة مشاة دون فرسان ظهر الدواب ستخسر كذلك))*
الدعم الآن دون كثافة في الانتشار سيخسر، وبدون قوة في التمركزات المزودة بالمضادات سيخسر..
والعدد والعتاد لا يكفيهما معاً
*”مد كراعك قدر لحافك”*
لكن..
الدعم السريع مضطر كذلك لترك خطوط إمداده مفتوحة من وإلى *”منطقة تخييمه”* وهذا تحدي آخر.
فإن أغلقها فقد امداده بالعتاد وبـ *”الروح المعنوية”* وان تركها ترك طريقاً سالكاً للمزيد من الانسحابات الفردية والجماعية والعصبية للجند.
لذلك استعاض الدعم السريع بدلاً عن كثافة الانتشار بجذب المرتزقة واللصوص ليسكنوا خلف ظهره بإمتداد الأحياء السكنية.
وتوزيع ما تبقى من جنده حول نقاط ارتكازات آلياته (التاتشرات) التي غالبها تحت الكباري وبـ *”مفاصل المدينة”* مع التخييم بشريط قلب بحري وامدرمان.
وهذا هو الوضع الميداني الآن..
بينما مدينة الخرطوم وضعها مختلف، وهو أن الدعم السريع ما زال يسحب لها المزيد من الجند من مدن الخرطوم الأخرى كلما ضعف وضعه لكي يحافظ على انتشاره الأول دون تغيير..
جاعلا من ذلك مدخلاً لمعركة مصيرية يخوضها مع معسكر المدرعات بالشجرة او مع القيادة العامة، مع ان الصحيح أن كل حروب الخرطوم التاريخية علمتنا أن العاصمة الحربية للولاية هي دائما مدينة أمدرمان لا مدينة الخرطوم، التي هي العاصمة الإدارية.
وان الخرطوم يحررها دائماً الأمدرمانيون القادمون من حوش الخليفة!!
فهل تغيرت الخارطة *”الجيوسياسية”* للعاصمة؟
أم أن جمهورية الكلاكلة التي نشأت جنوب الخرطوم هي نفسها أمدرمان جديدة، زرعها المرحوم الإمام قبل وفاته تحسُباً للتاريخ والزمن.. والمعارك السلمية!!
(٨)
*الخاتمة*
الآن القضاء على شريط تواجد الدعم السريع ببحري وامدرمان الذي لا تزيد مساحته عن اثنين *”نصف كيلو”* بضفتي كبري شمبات، هو بمثابة الإيذان ببدأ التحرير الشعبي الكامل للمدينتين (بحري وأمدرمان)..
وأعني بالتحرير الشعبي، دخول الجيش من محورين ثلاثة وهزيمة القوة الأساسية، مع نشر ارتكازات جيش بكل التقاطعات، تزامنا مع دعوة واستنفار الشرطة والمواطنين في المساجد للقيام بتمشيط فوري بساعته لأحيائهم واخراج كل من تبقى من الجنجا المنتشر في المنازل.
هذا إن لم يخذل الجيش شعبه كما اعتاد أن يفعل بكثير من المحطات في تاريخه.
فربما فعلاً تغير التاريخ، بعد ثورة غيرت المفاهيم والتركيبة الفكرية لما هو غير معلومٌ نتائجه بعد..
عموماً الواقع الآن هو أن ليس للدعم السريع أي إمكانية للتمدد الجغرافي في الخرطوم أكثر مما هو متمدد، وليس له قدره على المحافظة على كم الأرض الذي تمدد فيه، دون المزيد من الخسائر والهزائم المباشرة *”للاشتباكات الضخمة”* أو النوعية *”الجغم”*.
وليس له حل في تحقيق نصر مرحلي إلا عبر مواجهة الجيش في معسكراته الأساسية، وهي (المهندسين، الاشارة، الشجرة مدرعات)، وهذا الأمر هو بادئ منذ بداية الحرب دون نجاح، إلا أن تحقيق نجاح فيه الآن بات أشبه بطوق النجاة لمن هو يواجه الغرق.
فإما يحوزه، أو يتجرع كاسات الغرق ثم ينمحي عن سطح أرض الولاية بصمت..
بينما تستميت معسكرات الجيش في صدهم…
وتستمر خطوات الجيش، في عدم فك زمام المبادرة، في اختيار وتحديد ميادين الاشتباك له وهو يهجم، ومع التمسُّك بتحديد ميادين الاشتباك عند صد أي هجوم من الدعم السريع، على معسكراته الحصينة.
عموماً.. كل الحروب يمكن التكهن ببداياتها، ويمكن قراءة سيرها ومنعرجاتها، ولكن لا يمكن لأحد إطلاقاً معرفة كيف ومتى وبماذا تنتهي..
*وما نحن إلا نستقرأ من ربع الحقائق..*
١ يوليو ٢٠٢٣
✍🏼 ط، أ