السودان وإيران.. الكشف عن سر التحركات لإعادة العلاقات الدبلوماسية

أعلنت طهران والخرطوم، الخميس، أنهما تعتزمان استعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، في أول تقارب بينهما منذ سبع سنوات. والتقى وزير الخارجية السوداني، علي الصادق، مع نظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز التي عقدت في باكو، عاصمة أذربيجان، حيث بحثا سبل استئناف العلاقات الدبلوماسية “على الفور” بين إيران والسودان. وقالت وزارة الخارجية السودانية في بيان إن اللقاء “بحث استعادة العلاقات في أسرع وقت ممكن”.

ويأتي اللقاء بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل عدة سنوات، وذكرت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء، الخميس، أن الاجتماع “بحث حل سوء التفاهم بين البلدين وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين طهران والخرطوم”. وعلى وقع هذه التحركات الدبلوماسية بين البلدين تخوف محللون تحدثوا لموقع “الحرة” من “توقيت هذه المباحثات” التي تأتي في وقت يشهد فيه السودان نزاعا عسكريا داميا، مشيرين إلى أن طهران كانت لديها تدخلات سابقة في دول شهدت نزاعات انتهت بتواجد دائم لإيران في هذه الدول، ناهيك عن المخاوف من تدخل طهران بشكل مباشر في تقديم الدعم العسكري بشكل مباشر أو غير مباشر لأحد أطراف النزاع.

المحلل السياسي السوداني، فريد زين، قال إن سر توقيت المباحثات بين السودان وإيران يثير “الريبة والشك، خاصة وأن البلاد تشهد حالة من الفراغ السياسي والنزاع المسلح، في الوقت الذي لم تحسم فيه الحرب التي يتوقع أنها ستستمر لفترة أطول”. وأضاف في حديث لموقع “الحرة” أنه “حاليا لا يمكن القول بتواجد حكومة في السودان، وما يسود هو الفوضى”، متسائلا “لماذا تريد طهران إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دولة تعاني من عدم الاستقرار؟”. واعتبر زين، وهو مقيم في الولايات المتحدة، أن التحركات الدبلوماسية تكشف أن “الحكومة المكلفة حاليا تبحث عن داعمين في داخل وخارج البلاد، خاصة في ظل محدودية الجهات الخارجية التي قد يكون لديها رغبة في تقديم الدعم المباشر لأي من أطراف النزاع”، مؤكدا أن واشنطن تحث الجميع على وقف أي دعم عسكري يغذي استمرار الحرب.

وقطع السودان العلاقات الدبلوماسية مع إيران، في عام 2016، بعد اقتحام السفارة السعودية لدى طهران. واتفقت السعودية وإيران على استئناف العلاقات، في مارس، بموجب اتفاق توسطت فيه الصين، مما زاد التوقعات باستعادة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل بين طهران ودول عربية أخرى. من جانبه يرى المحلل السياسي الإيراني، حسين روريان، أن هذا الأمر يأتي ضمن استراتيجية “إيران التي طرحتها قيادة البلاد من أجل الانفتاح على الدول والمحيط الجغرافي”. وأوضح في رد على استفسارات موقع “الحرة” أن “إيران تهتم بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع الخرطوم، لأنها جزء هام من الدول العالم الإسلامي، ولا يرتبط بما يحدث داخل السودان من نزاع، إنما نتيجة لقناعة داخلية بضرورة الانفتاح”.

وقدم وزير الخارجية السوداني، الصادق، شكره لإيران على تقديمها مساعدات إنسانية من خلال الهلال الأحمر الإيراني في أثناء الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. الكاتب السياسي السوداني، طاهر معتصم، أشار إلى أن “السودان قبل قطع العلاقات كان له علاقات قوية إيران”، وأن لقاء وزراء خارجية البلدين قد يكون له ارتباطات مع “عودة العلاقات الإيرانية – السعودية، خاصة وأن قطع العلاقات بين طهران والخرطوم كانت بعد قطع العلاقات بين إيران والرياض”. وأضاف في حديث لموقع “الحرة” أن “الحكومة المتواجدة حاليا تحاول البحث عن أطراف خارجية تقوي موقفها، إذ شهدنا مؤخرا زيارة نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، مالك عقار، إلى روسيا مؤخرا، والآن مباحثات مع إيران، فهذا يعني أن بعض الأطراف تبحث عن نصر لها من خلال طرق باب العلاقات الخارجية”.

“إذا تدخلت إيران في السودان، فهذه ليست المرة الأولى، إذ أنها قبل قطع العلاقات كانت هناك اتهامات من أطراف في الخرطوم تنتقد محاولات طهران التدخل بإنشاء مراكز دينية طائفية في البلاد”، بحسب ما كشف المحلل السياسي الإيراني، حسن هاشميان. وفي عام 2014، تم إغلاق المراكز الثقافية الايرانية في السودان، وبررت الخرطوم قرارها بتزايد نشاط هذه المراكز في نشر المذهب الشيعي في السودان. حيث يعتنق أغلب السودانيين المذهب السني، بحسب تقرير سابق لوكالة فرانس برس. وقال هاشميان في حديث لموقع “الحرة” إن “الحرس الثوري الإيراني لديه علاقات سابقة مع مسؤولين عسكريين سودانيين”، وهذا ما يعزز مخاوف “الحكومة السودانية الحالية من تدخل إيراني يدعم أحد الأطراف، وهذا قد يكون سبب التوجه لعقد محادثات مع طهران، وطلب إعادة العلاقات الدبلوماسية بشكل فوري”.

وارتبط السودان، قبل قطع العلاقات بروابط جيدة بايران وخاصة في المجال العسكري. وفي عام 2012، زار الرئيس المخلوع، عمر البشير، طهران حيث وصف العلاقات بين البلدين بالراسخة، كما أن السفن الايرانية كثيرا ما ترسو في ميناء بور سودان على البحر الأحمر. وتشير أدلة إلى أن إيران قامت بدور رئيسي في دعم قطاع إنتاج الأسلحة في السودان، بحسب تقرير أصدره معهد دراسات الأسلحة الصغيرة في سويسرا، في مايو عام 2014.

وبدأ التدقيق في علاقات إيران والسودان بعد اتهام الخرطوم إسرائيل بإرسال أربع طائرات غير قابلة للرصد بالرادار لضرب مجمع اليرموك للصناعات العسكرية في قلب العاصمة، الخرطوم، في أكتوبر من عام 2012. وبعد هذه الحادثة غادرت سفينتان حربيتان إيرانيتان السودان بعد توقف قصير في ميناء بور سودان على البحر الأحمر.

ورجح هاشميان أن “طهران ستتدخل عسكريا بشكل مباشر أو غير مباشر، ولكنها قد لا تكون حسمت أمر الطرف الذي تريد دعمه”. وقال وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، على تويتر: “التقى وفدنا مع وزير الخارجية السوداني وناقش سبل استئناف العلاقات الدبلوماسية على الفور بين الخرطوم وطهران”. ولم يستبعد المحلل زين من “تدخل إيران بدعم أي من أطراف الحرب في السودان”، ولكنه أكد أن “إيجاد طهران لموطئ قدم لها في السودان، ستكون له تكلفة عالية قد لا تكون قادرة على دفعها حاليا، إذ أنها تعاني من الناحية الاقتصادية، وهي ليست بحاجة لاستفزاز واشنطن والدول الغربية بتغذية الصراع في السودان”.

من جانبه يؤكد روريان أن إيران “لا مصلحة لها في التدخل بالنزاع في السودان، أو تقديم الدعم لتغليب كفة طرف على الآخر”. وأضاف أنه “يستبعد بشكل كبير تدخل إيران في شأن داخلي معقد في السودان، فيه عوامل مختلفة ترتبط بأطراف عسكرية وقبائل ومناطقية”، وهذا الأمر “ليس بأولوية أو ضمن اهتمامات إيران”. وأشار روريان إلى أنه إذا كان الأمر مرتبطا بمسائل “خلافات أيديولوجية ترتبط بمقاومة ضد النفوذ الغربي أو إسرائيل، لاختلفت وجهة النظر، ولكن في حال تنافس داخلي بين طرفين عسكريين لا تمتلك إيران أي مصلحة في دعم طرف ضد طرف آخر”.

واندلعت المعارك في السودان، في 15 أبريل، بين الجيش بقيادة الفريق أول، عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول، محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، الذي كان حليفا للبرهان ونائبا لقائد الجيش قبل أن يتحولا إلى خصمين.

ويرى الكاتب معتصم أنه “ربما نشهد تدخلا لإيران بدعم أي من أطراف النزاع الذي يدور الآن في السودان”، مضيفا أننا “نرى ونسمع عن تدخلات إيرانية في دول بشكل مباشر أو غير مباشر، رغم أن طهران لديها الكثير من المشاكل والصعوبات الداخلية”. ونقل عن الصادق قوله إن اتفاق السعودية وإيران سيعزز الأمن والاستقرار في المنطقة. وتتواصل المعارك في السودان حيث يتعرض وسط العاصمة، الخرطوم، ومنطقة بحري، الواقعة شمالها، لقصف مدفعي، بينما جدد الجيش دعوته للمدنيين للتطوع في صفوفه لقتال قوات الدعم السريع.

“الحرة”

Exit mobile version