الجيش والحركة الإسلامية نشيد السودان الأعظم
الجيش والحركة الإسلامية نشيد السودان الأعظم
وأنقى حراس الفضيلة …
الدكتور فضل الله أحمد عبدالله
” لماذا تكتب عن الجيش بهذه الكثافة هذه الأيام ، وأنت سيد القلم العالي الحساسية والعاطفة واللاوعي والمتخيل ؟ والناقد الثقافي الإستدلالي الطريقة والأسلوب ، الآخذ بمجامع القلوب !!
ألا ترى في إشتغالاتك هذه مضيعة للقدراتك والموهبة ؟ لماذا لا تتفرغ للنقد ، شعرا أو مسرحا ورواية ” وتبعد عن مشهديات الحياة العامة في السودان الآن ؟
عد إلى دراساتك النقدية الأكاديمية ؟ لا توجع قلبك!!
كثر هم الناصحون ” الحسنو النية ” من زملاء المهنة وحرفة الكتابة الذين يبادرونني بذلك الكلام والأسئلة تلك وغيرها .
وباتجاه آخر أيضا ، أجد ، بعضا من المداخلات تعليقا على ما أكتب ، يقول أصحابها لم تتحرر كتاباتك زمانا ومكانا من فكرتك الأولى – إسلاميتك – كما ظلت موضوعاتك المختلفة تتنفس أنفاس ” في ساحات الفداء ” ، هل السبب هو الحنين إلى ماضيك ؟ أم هو إنتماء مطلق إلى الحركة الإسلامية .. ” برغم معرفتنا بعدم إرتباطك تنظيميا بأبنيتها .
وفي ذلك التعبير بلا شك إشارة إلى قرار فصلي التنظيمي قبل عشرة أعوام عقب محاسبتنا في إصدارنا لمذكرة الإصلاح الشهيرة بقيادة الدكتور غازي صلاح في سبتمبر 2013 ” ..
وعلى ذلك يرون ضرورة تحرر كتاباتي – حسب إفاداتهم – كضرورة من ضرورات الوقت والخروج من تلك العباءة وعلامتها المستترة في أفكاري ورؤاي الكتابية .
أولا : كنت ولا أزال أقول للناصحين من أصحاب النوايا الحسنة أن :
* أن الصراع بين قوى النفس – الخير والشر ، والجمال والقبح ، والحق والباطل – وما يعقبه من إرهاق للروح والجسد هو الذي يملي الكاتب ما يكتبه على الورق .
والكاتب المبدع في زعمي يعيش مع البراكين والعواصف كما يعيش مع السكون والإصغاء لصوت الأشياء من حوله .
ليعود للناس بالقول المفحم أو البوح المزلزل ، وقد يمرض إذا لم يجد المشاركة وينهدم ويموت فيه الروح .
وصدق القائل :
” نوم الأرض موت ! ونوم الفكرة موت ! ”
وموت الكاتب في ظني ، هو أشبه بنوم الموجة على شاطئ البحر ، وللقارئ بعد ذلك أن يسأل نفسه إن كانت الأمواج تنام حقا .
يا قارئي يرعاك الله ، التعبير عن الوجدان الجمعي للأمة هو أكثر مطلوبات الوقت ، فإنقطاع الكاتب عن الوقت ومطلوباته ، هو وقوع في شراك موت الموهبة ، والموهبة أمانة .
والكاتب المبدع هو طقس الوطن ، ينهل من روح وطنه ، ويظل حارسا أمينا له . الوطن وحده ما يتجسد في مكتوباته …
فلا يمكن أن أكتب دون أن أنزل في نفسي ، ثم أرصد الهموم الحقيقية في واقع الناس ووضعياتهم ، ومن هنا تتكون موضوعية الكتابة ، الإمساك على ما في ذاتي هو العبور إلى مساءلة الواقع .
الكتابة ليست صنعة . الكتابة حفر في لحظة من لحظات الوجود ، أو تواصل ذات الكاتب مع حياة الناس في البلد .
والجيش أو القوات المسلحة عندي هو السودان كله ، تراثا وثقافة وأدبا وطبعا وأخلاقا ، وصهوة تاريخ شعوبه .
عندما أكتب في هذا الوقت عن القوات المسلحة ، يعني أنني أحمل حياة السودانيين من حالة الوهن والخذلان إلى حالة القوة .
دائما ما أقول أن مسارات الحياة السودانية العامة تؤكد في كل الأوقات ، أن القوات المسلحة هي أوسع نظرا للسودان وأبلغ حكمة من غلواء الصفوة .
الصفوة الذين ذاعت أسماؤهم مع كل موجات الأثير والأقمار الإصطناعية وأصبحو ملء الفضاء ، تجد في كل وجبة سياسية وثقافية هم عناصر طبختها الأهم ، ما دخلوا قرية إلا أفسدوها ، بما لديهم من مهارات مبدعة في أنواع الحيل والخدع وطول أيديهم في البلاد .
القوات المسلحة ، مؤسسة سودانية راسخة جذورها في عمق أرض السودان ووجدان إنسانه المتشرب للجندية أصلا وفعلا محبة للبلد وما فيه من الناس .
وذلك مذهبي الذي أخذته وشربي الذي تشربته منذ أيام صباي – في مدخل إنتمائي للحركة الأسلامية – في مرحلة التلمذة المدرسية عام 1983م .
إذ ، في شهر أغسطس من ذات العام أعلن ، العقيد الدكتور ” جون قرنق مبيور ” تمرده على الجيش السوداني ودخوله الغابة معلنا حربه على الدولة ، وفي معيته كتيبة من الجيش قوامها أبناء جنوب السودان – إبان حكم الرئيس ” جعفر محمد نميري ” – وقتذاك لم تعلن أي حركة سياسية في البلاد رفضها ذلك التمرد ضد الجيش الوطني ، بل كانت الشماتة على الحكومة والقوات المسلحة معا ، وليس ذلك فقط ، بل حسبوا أن تمرد جون قرنق هو إضافة وتقوية لصفهم المعارض لحكومة جعفرمحمدنميري ، باستثاء الحركة الإسلامية التي وقفت وحدها في كل منصاتها ضد ذلك التمرد الذي عرف بالجيش الشعبي لتحرير السودان وأعلن الإتجاه الأسلامي بكل الجراءة ، أن في التمرد ضد الجيش الوطني سيقود إلى إختلال سلم القيم أو فقدانها له تماما . باعتبار أن المجتمعات الإنسانية تنشأ من مراعاة المحرمات التي تضر بالجماعة .
وأول هذه المحرمات النزاعات الداخلية المسلحة لأنها تورث البغضاء وتجعل الدم يستجر الدم .
وثانيها مصانعة الأجنبي على مصالح الوطن وذلك يضعف ممسكات السلام ، ويحدث من أسباب الشقاق ما لا محل معه للمصالحة والمهادنة .
عشنا كذلك فترة الديمقراطية الثالثة في بحر أعوام الثمانينيات عقب إنتفاضة إبريل 1985م ورفض جون قرنق الدخول إلى البلد والمصالحة معلنا أن الإنتفاضة نفسها هي إمتداد لحكومة نميري واستمر في في عملياته الحربية ضد القوات المسلحة حتى أسقط الكرمك وقيسان في عهد حكومة الصادق المهدي ، ولم يجد الجيش السوداني وقتئذ المناصرة والمآذرة إلا من الجبهة الأسلامية وأعلن زعيم المعارضة في البرلمان – الأستاذ علي عثمان محمد طه – أن الوقوف مع القوات المسلحة في دفاعها عن البلد واجب عقدي ووطني لا مناص منه ، وقاد هيئته البرلمانية المكونة من ثلاثة وخمسين عضوا ممثلين للجبهة الإسلامية في البرلمان إلي مناطق العمليات في الكرمك وتبرعوا جميعم بعرباتهم الخاصة للقوات المسلحة دعما لجهدهم في الدفاع عن الوطن .
وذلك التفكير المخلص السائر دائما في إتجاهات البحث عن الإيمان بالسودان وهويته ، هو ما جعل الحركة الإسلامية أن تتجلى وحدها كأنقى الإتجاهات الفكرية السياسية الحارسة للشخصية الثقافية السودانية .
تعلمت من الحركة الإسلامية شيئا مهما جراء تأملاتي النقدية في كل مسارات منهجها وكسبها كل تلك العقود من الزمان فاعلا ومتفاعلا ، رفقة وصحبة .
لقد تعلمت الثبات في الإيمان ، وأعني تحديدا إيماني بمستقبلية الأسلام في السودان وبقدرته على الصمود أمام كل ما يهدده ، وعلى النهوض أيضا وكذا ، الإيمان بالسودان برغم ما يهدده من ويلات وبشاعات .
ثانيا : أقول أيضا إلى الذين يرددون منذ وقت بعيد في تعليقاتهم لمقالتي المنشورة عبر وسائط التواصل الإجتماعي ” يا أخي إنت الإسلاميين ديل ما عايز تخليهم ليه ؟ ديل مش فصلوك من التنظيم من زمان ؟ ” .. مشيرين – طبعا – إلى قرار فصلنا من المؤتمر الوطني المذكور أعلاه .
معذورون أولئك الناس ، فهم لا يعلمون أن الحركة الإسلامية هي مشروع فكري في المقام الأول ، وليس أنساق لأبنية تنظيمية ، إذا تم فصل العضو منها يعني فصله من الفكرة كلها .
فإن رأت المؤسسة التنظيمية فصل أي عضو من أعضاءها تنظيميا – وذلك حقها المشروع – لكن ليس لأي جهة باستطاعتها فصل ذلك العضو من الفكر الذي إعتقده وآمن به .
الفكر إيمان المرء ومبدأه الذي تغلغل في وجدانه فقد أصبحت الفكرة ” ملك حر ” له ، يدافع عنها بكل ما يملك من قدرات ومواهب وأدوات ، ويموت في سبيلها ، وهذا فعلا ما أمارسه في كل موقف من مواقف الحياة الآن .
لا أحد من البشر يستطيع أن ينتزع مني إيماني وديني ولو لساعة من الزمان ..
وهنا أذهب مذهب أخي وصديقي العزيز محمد صديق الشفيع في قوله :
” الْحَرَكَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ لَيْسَتْ حِزْبًاً لِنَسْتَقِيلَ عَنْهُ وَلَا دَارًاً لِنَخْرُجَ مِنْهَا وَلَا سَيَّارَةَ لِنَتَرَجَّلَ عَنْهَا وَلَا مَتَاعًاً لِنَتَخَيَّرَ غَيْرَهَا ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ بَعْضٌ مِنْهَا وَلَكِنَّهَا هِيَ فَهْمُنَا لِلدِّينِ لِلْحَيَاةِ لِلْمَصِيرِ ، هِيَ طَرِيقُنَا وَطَرِيقَتُنَا ، وَهِيَ زَادُنَا وَ دَابَّتُنَا ، وَهِيَ رُوحُنَا وَأَنْفَاسُنَا ، وَهِيَ سَائِلٌ يَجْرِي مَعَ دَمِنَا فَلَا سَبِيلَ لِفِكَاكٍ أَوْ فِصَالٍ ، وَلَوْ بَقِيَ الْوَاحِدُ مِنَّا وَحْدَهُ فَلَا مَنَاصَ مِنْ الثَّبَاتِ حَتَّى الْمَمَاتَ بِعَوْنِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ ”
كما أن الخروج خارج البناء التنظيمي ، والإنتقال الحر الطلق في كل المساحات والنظر إلى الأشياء من الخارج يؤكد معنى من معاني أحد الشعراء ” إن الأسماك التي تعيش داخل مياه المحيط لا تستطيع تستطيع أن تعي هذا المحيط ” .. وأنا ما كنت لأنظر الآن الحركة الإسلامية بهذا النظر لو ظللت كل تلك السنوات العشر وأنا داخل أبنيتها التنظيمية ..
وهذا هو السر أو الشيء اللجوج اسمه ” الحركة الإسلامية ” يشييد بناء معاني كلماتي ، أصور فيها كل حجارة الدروب التي مشيتها ، وظل كل شجرة جلست تحتها مع أخوتي …
الحركة الإسلامية لازمة تنفك تتكرر من دون أن تكرر نفسها داخل نصوصي المكتوبة وهي شخصيتي الحاضرة الغائبة والحاضرة في غيابها التي تقفز أينما ذهبت أو حللت .
الحركة الإسلامية الرحم الذي خرجت منه ، علامتة تدمغ كل أقوالي ، تدمغها بالشاعرية والغنائية والحاضر والماضي وكل ذلك الفعل في ذهاب وإياب بين الفكر والقلب – الإتجاه الأسلامي – الرمز والطقس والحلم والموقف .
الحركة الإسلامية فكر ، هل تتخيل حياتك بلا فكر ؟
ما الحياة وما تاريخ الإنسانية وما الرجال وما النساء بلا فكر ؟
وما الذي يدفعنا للحياة غير الفكر والموقف ؟
وهل يموت الإنسان إلا في سبيل فكرته ؟
أن يسود الإسلام حياة الناس هو صميم فكرتي ومرتكزي الأصيل والفضيلة الأنقى الذي في سبيله نحيا ونموت .
وبين هذا وذاك ، لا أجد القوات المسلحة إلا وهي الأعلى كعبا في المدافعة عن السودان وهويته ثقافة وتاريخا وجغرافية وتضاريس .
إن لهذا الجيش عبقرية خاصة جديرة بأن تخلد في أعمالنا الإبداعية .
والحركة الأسلامية التي تقف وحدها دون الآخرين مع جيش السودان في ثنائية عظيمة ، وبما لديها من خصائص فكرية وشعورية واجبنا هو التعبير عنها وأن نرفع قدرها بأقلامنا بين العالمين .
القوات المسلحة والحركة الإسلامية ثنائية نشيد السودان الأعظم ، وأنقى حراس الفضيلة .
فضل الله احمد عبدالله