نهب ثروات الدول يبدأ من سرقة أمنها واستقرارها، ونشر الفتن والصراعات فى ربوعها، وتوسيع هوة الخلاف بين أهلها، والسودان المتنوعة تضاريسه وجغرافيته، العظيمة موارده وثرواته، كان ولا يزال ميدانا تتنافس فوقه الدول المستعمرة من أجل نهب خيراته الظاهرة والباطنة، سواء بالتدخل المباشر فى الشؤون الداخلية أو عن طريق عملاء ووكلاء قد يكونون سودانيين بالاسم، لكنهم بالفعل انتهازيون مستعدون لبيع أنفسهم وبلدهم بأثمان زهيدة، لتربح الدول الاستعمارية المليارات والمليارات كى يبقى لأهل السودان الفتات.
إن الحرب الدائرة فى السودان منذ منتصف إبريل الماضى، ما هى إلا تتويج لفوضى مصنوعة وأمن مفقود واستقرار غائب، ظهرت ألسنته- فى السابق – لتحرق دارفور وتقسم السودان «شمالى وجنوبى» وتحول الخرطوم مؤخرا إلى فرع من فروع جهنم، ورغم النداءات الدولية الظاهرة بالاتفاق على هدن بين القوى المتناحرة، إلا أنه لا فائدة ولا صوت يعلو فوق صوت طلقات الرصاص، لذلك تتسع دائرة الحرب كل يوم أكثر وأكثر، وتزداد أطرافها فى إشارة إلى أن عجلة الحرب هذه لا يُتَوقع لها أن تقف قريبا، وذلك تحت عناية ورعاية المستفيدين من التدهور الأمنى الحاصل، من أجل صرف النظر عن عمليات التهريب والتخريب التى تتم تحت أزيز الطائرات وأصوات المدافع والبنادق لإفساح المجال أمام الدول الاستعمارية كى تعمق الانقسامات والصراعات وتفوز بالمكاسب المأمولة.
وبما أن الدول الكبرى لا ترى مستقبلا إلا للطاقة النووية فمن الطبيعى أن تسعى لتوفير اليورانيوم، وليس هناك أفضل من السودان توفيرا لهذا اليورانيوم، إذ يمتلك منه نصيبا ليس بالقليل فيحتل المركز الثالث عالميا من احتياطى اليورانيوم، وبحسب التقديرات مليون ونصف مليون طن، وفى معرض حديثه عن غنى السودان باليورانيوم، قال مدير الأبحاث الجيولوجية التابع لوزارة المعادن السودانية «محمد أبو فاطمة» إن السودان غنى باليورانيوم الموجود بوفرة فى: «جبال النوبة وشمال كوردفان وغرب دارفور وبيوضة بولاية نهر النيل والبطانة وجبال البحر الأحمر»، ويتميز اليورانيوم المستخرج من السودان بأنه من النوع العالى النقاوة.
بالإضافة لليورانيوم يأتى الذهب، الذى تمتلك منه السودان ثروة ضخمة جعلته يحتل المركز الثالث عشر عالميا فى إنتاج الذهب، والمركز الثالث إفريقيا بعد «غانا وجنوب السودان»، وجملة ما ينتجه السودان سنويا حوالى «79» طنا بينما الاحتياطى منه قد يصل إلى حوالى «1550» طنا ويُعتبَر الذهب أهم مصادر توفير العملات الأجنبية، كما يلعب دورا مهما فى الصراع على السلطة حيث يشكل مصدرا ماليا مهما لقوات الدعم السريع، فضلا عن كونه محط أنظار إقليمية ودولية تعزز التدخل فى الشؤون الداخلية للسودان.
أما البترول والغاز فهما موجودان بوفرة تسمح بالتصدير، ناهيك عن الثروة الزراعية الهائلة التى أتاحتها الأراضى الشاسعة الصالحة للزراعة تزيد على «50» مليون فدان سمحت بوجود مراع ممتدة كان من المفترض أن تغذى العالم باللحوم والألبان والأجبان، هذا بالإضافة إلى النحاس والحديد والفضة والزنك والرمال السوداء والجبس والعقيق والملح وسلكات الألومونيوم والمنجنيز والرخام والمايكا والكبريت وغيرها من الخيرات التى لا تُعَد ولا تُحصى.
بسبب هذه النعم- وللأسف الشديد- تحول السودان من بلد غنى إلى بلد فقير، لأنه يُنهَب ويُسلَب ويُسرَق من دول تريده مخزنا للموراد التى تطمح فى الحصول عليها، تريده بلدا مملوكا لا يملك، مقهورا لا يقدر، الخير فيه لغير أهله، والحكم فيه ممزق بين من هُم على حق، ومن يريدون اغتصاب الحق.
ولأن الفساد ضرب كل مفاصل الدولة السودانية، غابت التشريعات والقوانين أو بالأحرى تم تهميشها حماية للمصالح الشخصية قبل العامة، وهى دولة قابلة للهضم بسهولة وصالحة للتفتت والتفكك والانهيار، ولا غرابة فى أن تبقى منهوكة ومنهوبة حتى آخر جنيه فى جيوب السودانيين.
طارق عباس
المصري اليوم