الناس في السودان يصابون بالرعب من فكرة سيطرة المليشيا على الدولة بأكملها
مطالب العدالة التي ترفعها المليشيا هي مطالب مشروعة ومن حق أي سوداني أن يطالب بها. مشكلة الناس ليست في المطالب مهما كانت متطرفة، ولكن في الحرب التي تشنها المليشيا ضد الشعب السوداني. في الجرائم؛ النهب والسلب والتهجير والاغتصاب والقتل.
أعداء المليشيا الآن ليس الجيش والكيزان أو مكونات قبلية معينة، أعداءهم أغلبية الشعب السوداني، ولكن ذلك ليس لأنهم طالبوا بحقوقهم وإنما لأنهم يهددون حقوق الآخرين وحياتهم وكرامتهم وشرفهم. نظرة الناس للدعم السريع كتهديد للدولة نفسها لم تأت من فراغ. فهذه المليشيا منذ نشأتها وهي تقاتل إلي جانب الحكومة المركزية كانت تمارس جرائم وانتهاكات بحق المواطنين، ولكن هذه الانتهاكات تضاعفت بعد أن تمردت المليشيا على الدولة وأصبحت بلا أي ضابط يضبطها، وهو ما جعل الناس يصابون بالرعب من فكرة سيطرة المليشيا على الدولة بأكملها؛ فإذا كانت هذه هي ممارساتها وهي ما تزال في طور السعي نحو السلطة وهي بحاجة إلى القبول الشعبي وفي مرحلة تتطلب إظهار الوجه الحسن، فكيف ستكون إن هزمت الجيش وسيطرت على الحكم في البلد؟
الأمر الآخر هو مشروع حميدتي وارتباطاته بالخارج وأيضاً تحالفه مع أحزاب قحت في الداخل. هذا ليس مشروعاً للعدالة والمساواة ولكن تجري محاولات توظيف لهذه القضايا لخدمة المشروع السلطوي لحميدتي وآل دقلو. وفي الحقيقة فإن أبناء المهمشين ضمن مليشيا الدعم السريع هم عبارة عن وقود تم توظيفه ولن تتغير وضعية هؤلاء الجنود لو سيطر آل دقلو على السلطة، سيظلون مجرد جنود.
قضية العدالة في السودان هي قضية حقيقية ولابد من نقاشها وحلها في إطار حوار سياسي شامل بدون أن يكون هناك طرف يملي أجندته بقوة البندقية أو تحت أي مسمى كالثورة والقوى المدنية وما شابه. هذا الأمر ممكن في ظل وجود جيش واحد يترك أمر الحوار للقوى السياسية والمجتمعية، ولكنه غير ممكن في ظل وجود مليشيات تملك سلاح ولها استقلالية عن الجيش ومال وعلاقات خارجية. الجيش الواحد هو أحد أهم شروط الحوار السياسي المفضي إلى حل حقيقي لقضايا البلد.
حليم عباس