رأي ومقالات

عادل الباز: رويترز .. تكذب لتغطي عارها..!!

لم يعد هناك في العالم من يستحي من ممارسة العهر السياسي والصحفي ، كلهم يمارسونه علنا بلا أدنى حياء ، حتى المؤسسات الصحفية القديمة التي تدعي النزاهة والصدق والحيادية ، تعهرت وأصبحت تمارس المهنة دون أي قيم متعارف عليها في الصحافة المهنية ، أسطع نموذج لهذا العهر هو التقرير الذي بثته *”وكالة رويترز للأنباء”* أول أمس بعنوان *(مصادر الإسلاميين يمارسون اليد الخفية في الصراع السوداني)* ، سنتناول هذا الخبر والتقرير الذي تأسس عليه من زاوية صحفية بحتة …

يقول الخبر الذي بثته *”وكالة رويترز”* وأسست عليه تقريراً مطولاً *(قالت ثلاثة مصادر عسكرية ومصدر مخابرات إن آلاف الرجال الذين عملوا عملاء إستخبارات في عهد الرئيس السابق عمر البشير ولديهم صلات بحركته الإسلامية يقاتلون إلى جانب الجيش في حرب السودان ، مما يعقد الجهود لإنهاء إراقة الدماء)* ، إذن هذا هو الخبر .. حسناً ..!! ، إن أول ما ننظر إليه في الصحافة هو مصدر الخبر لنعرف مدى مصداقيته هذا الخبر ، نسبه زميلنا الصحفي *”خالد عبد العزيز”* المنتمي لقحت لثلاثة مصادر عسكرية مجهولة ، تحولت بعد أسطر قليلة في التفاصيل إلى عشرة ..!! ، على نسق *المصادر ، و المجهولة ، وذات الأجندة* ، يمكنني كتابة خبر كالآتي : *(قالت خمسة مصادر عسكرية واثنين من رجال المخابرات إن الآلاف من أعضاء لجان المقاومة التابعة لقحت تعمل كإستخبارات للدعم السريع ، فتدلهم على منازل المواطنين وبعضهم يقاتل مع الدعم السريع)* .. كيف سيستوثق القارئ من مصداقية خبري المفبرك هذا ..؟! ، ليس هناك أي مصدر يمكن للقارئ اللجوء إليه للإستيثاق من الخبر ، سوى معرفته بمدى مصداقية الوسيط والصحفي الذي أتى بالخبر ، فإذا كان الوسيط *(وكالة رويترز التي بثت الخبر من دبي لاحظ من دبي ..!!)* مشكوكاً في أجندتها ، وإذا كان الصحفي ينتمي لتيارات معادية للإسلاميين فإنه لا يتبقى أي مصداقية للخبر من أي زاوية أتيت إليه ، حين تبث *”رويترز”* خبراً بهذه السذاجة والضعف المهني بلا مصدر معلوم ،

يتعاظم الشك فى أجندة تلك الوكالة وأجندة الصحفي *(خالد عبد العزيز/ قحاتي)* ، الذي ألّف الخبر ونسبه لمصادر مجهولة لا يمكن للقارئ التحقق من وجودها ، ناهيك عن مصداقيتها ، أما الصحفيين الذين أسسوا على خبر مجهول المصدر تقريرهم وهم *”مايكل جورجي وأيدان لويس”* ، وحرره *”ويليام ماكلين”* ، وهم أعداء تقليديين لكل التيارات الإسلامية في المنطقة *(أنظر لتقاريرهم حول العراق وايران)* ، وهكذا إذا جمعت أجندة الوكالة إضافة للمصادر المجهولة التي إستند عليها الخبر ، وعلمت إنحيازات الصحفيين الذين إشتركوا في تأليف *” الخبر”* وكتابة *”المقال”* وتحرير *”التقرير”* ، هذه كلها عناصر ستنسف أي مصداقية للخبر يمكن أن ينهض عليها ، وللأسف فإن الفضائيات المستعجلة تلفح الأخبار وتعوس عواستها ، دون أي تمحيص وتدقيق في مصداقية مصدر الأخبار التي تبثها …

نموذج ثان .. أنظر لنهاية الخبر ، الذي يقول : إن قتال عناصر الإستخبارات السابقين الذين يقاتلون *(يعقد الجهود لإنهاء إراقة الدماء)* .. السؤال : هل يصح مهنياً ، ومتاح للصحفي أن يحشر تحليله السياسي وأجندته بين ثنايا الخبر ..؟! ، إذن كيف يكون الخبر مقدساً والتعليق حر ..؟! ،

كيف توصل صحفيو *”رويترز”* الأماجد ، ذوى الخبرة أن قتال رجال إستخبارات سابقين مع الجيش *”يعقد الجهود لإنهاء إراقة الدماء ..؟”* .. ليس هناك إجابة ..!! ، إذن ما رأي *”صحفيو رويترز”* .. كتبة التقارير المزيفة من إشتراك مرتزقة أجانب من *مالي والنيجر وتشاد* في القتال مع قوات التمرد في شوارع الخرطوم *(حسن جوجو المعارض التشادي نموذجاً)* …؟! ، هل هذا يساعد على إنهاء إراقة الدماء أم يعقد الجهود ..؟! ، لا تستطيع الوكالة حتى الإشارة لمرتزقة أجانب ، ولكنها قادرة بكل بجاحة الإشارة للإسلاميين السودانيين الذين يدعمون جيشهم ..!! ، أرأيتم كيف تصاغ الأجندة وتبث السموم داخل التقارير التي تتدثر بالمهنية وبسمعة الوكالات الخبرية الكبرى ..؟!

يخلص تقرير *”وكالة رويترز”* الذي يبدأ *خبراً* وبسرعة يتحول ل *تقرير* ، ثم هو نفسه يسمى *مقال* ، يخلص إلى *(إن مشاركة الإسلاميين تعقد كيفية تعامل القوى الإقليمية والدولية مع الجيش)* .. !! ، وهذا هو بيت القصيد ورسالة الخبر وراء حشد الأكاذيب ، وهو أن يقول للمجتمع الدولي إن الجيش وراءه الإسلاميين فأحذرهوا وأدعموا التمرد ..!! ، يعني تكريس حالة عداء المجتمع الدولي والإقليمي للجيش السوداني ومواصلة دعم المتمردين خوفاً من بعبع الإسلاميين ..!! ، أجندة مكشوفة وغبية ووتر ميت يعزفون عليه …

واصل .. أقرأ وأضحك على التقرير ، أي والله لازم تضحك .. يقول التقرير *(كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ، وهما دولتان ثقيلتان إقليمياً ، قد رأتا تحول السودان نحو الديمقراطية كوسيلة لمواجهة النفوذ الإسلامي في المنطقة)* ، ترى متى وأين رأت هاتان الدولتان الرهان على الديمقراطية كوسيلة لمواجهة النفوذ الإسلامي ..؟!! ، في أي وثيقة أو تصريح *(رأت)* هاتان الدولتان الديمقراطيتان ما رآه التقرير ..؟! ، كذب بلا حياء ..!! ، إضحك مرة أخرى على مهنية التقرير *(قبل إندلاع أعمال العنف ، كان أنصار البشير يضغطون ضد خطة للإنتقال إلى الإنتخابات في ظل حكومة مدنية)* ، متى ضغط أنصار *الرئيس البشير* ضد خطة الإنتقال للإنتخابات ..؟! ، في أي وثيقة أو منشور أو بيان أو حتى تصريح للإسلاميين *(حركة إسلامية مؤتمر وطني)* ضغطوا فيه ضد خطة الإنتقال للإنتخابات ..؟! ، بل على العكس كانوا يضغطون في كل منشوراتهم وتصريحاتهم للإتجاه نحو الإنتخابات ، وأعلنوا رفضهم للمشاركة في الفترة الإنتقالية ، وأعلنوا أنهم ينتظرون ويستعدون للإنتخابات .. أرأيتم كيف تزور الحقائق ويحشد الهراء في الوكالات العالمية ..؟!

والله ياجماعة الدنيا عيد ، لازم تضحكوا شوية .. مش الشاعر قال *(رغم الجراح سأبتسم)* ، يلا إبتسموا على الأقل .. يقول التقرير *(خرج العديد من كبار الموالين للبشير من السجن في بحري ، عبر النيل من وسط الخرطوم ، خلال هروب أوسع من السجن وسط القتال في أواخر أبريل ، ولا تزال ملابسات الإفراج عنهم غير واضحة)* ..!! ، بالله شوف قال شنو ..؟! ، خرجوا عبر النيل وسط الخرطوم .. كيف دى تيجى ..؟! ، يعني غادروا السجن بمركب أم قطعوا البحر عوم بإتجاه شارع النيل بالخرطوم ، الذي يحتله التمرد ..؟! ، برضو قال ليك *”خلال هروب أوسع”* ، لكنه صمت عن من تسبب في الهروب الأوسع ..؟! ، وبعدين شوف التدليس ده *”ولا تزال ملابسات الإفراج عنهم غير واضحة”* ..!! ، كيف ملابسات غير واضحة ..؟! ، العالم كله يعرف ما جرى إلا مؤلفو الأخبار والتقارير الكاذبة في *”رويترز”* ..!! ، شاهد العالم صورة وصوت ما جرى للسجون في الخرطوم ، وصدرت بيانات من الحكومة وبياناً من الذين صمدوا *(الموالين للبشير)* لأيام طويلة يتهددهم الموت ، وخرجوا لمنطقة آمنة بعد أن فتح المتمردون للمجرمين أبواب السجون لإثارة الفوضى التي حدثت بالفعل وأستبيحت الخرطوم ، كل ذلك حدث أمام الجميع فكيف تكون الملابسات غير واضحة لدى *”صحفيو رويترز”* ، عميان بوسعهم أن يروا ولكن لا يرون *”جوزيه ساراماغو”* …

يصلح هذا الخبر عديم المصدر الذي أنتج تقريراً متحيزاً .. يصلح لأن يتعلم منه الصحفيون دروسا مفيدة ، تظهر خطورة الإنحياز الأعمى للإنتماء الحزبي أو الجهوي على الصحافة ، إذ أنها تنسف مصداقية الصحافيين ، وهي رأس المال الحقيقي لأي صحفي ، ثانياً ألا يستسهلوا ولا يكثروا من تنسيب الأخبار لمصادر مجهولة ، فهي تضعفها وتشكك في مصداقيتها ، عليهم أن يتعلموا من خبر *”رويترز”* الملفق ألا يتلقوا أى معلومة وينشروها كحقيقة ثابتة ، أيا كان مصدرها قبل التحقق منها وفرز السموم التي يمكن أن تتسرب من خلال تقارير الوكالات العالمية أو أي مصادر مجهولة ، أو صدرت من صحفيين ذوى أجندات حزبية أو تحيزات ، إذ أنها ستعصف بمهنيتهم ومصداقيتهم

عادل الباز