أهم ما ميز انتفاضة شعب مصر ضد حكم الإخوان في 30 يونيو 2013 أنها جاءت في الوقت المناسب، قبل أن تكمل الجماعة مخطط سيطرتها وتحكمها واستبدادها باسم الدين، وتكفير وقتل كل من يختلف معها، وقبل أن يأتيها المدد من باقي الجماعات التكفيرية في المنطقة، من داعش والنصرة وحتى بوكو حرام وحركة الشباب الصومالي وغيرها العشرات من فرق القتل والتفجير والتنكيل.
إننا لم نر من حكم الإخوان غير الجزء اليسير والحمد لله، ولم يمهلهم الشعب فرصة القضاء على هويته وتقاليده وأعرافه العميقة الجذور، وفشلوا في تفتيت كتلته الصلبة إلى رماد مطحون لا تقوم له قائمة، فقد تحرك الشعب مبكرا عندما استشعر الخطر والخديعة، وتأكد أن ما طرحه الإخوان عن الحرية والديمقراطية لم يكن إلا قناعا يخفون خلفه وجههم الحقيقي الذى ظهر بكل توحشه في الكثير من البلدان، من سوريا والعراق حتى الجزائر والصومال ونيجيريا ومالي وبوركينا فاسو، فكل هذه المناطق شهدت الفظائع على أيدى جماعات تتقاسم الفكر نفسه مع الإخوان، وإن كانت مصر دفعت ثمنا فادحا نتيجة حكم تلك الجماعة لفترة قصيرة لا تتعدى العام إلا قليلا، فإن ما دفعته أقل بكثير مما كان يمكن أن تدفعه لو استمر حكم تلك الجماعة لأسابيع أو شهور أخرى، فكل يوم كان يشتد عود الميليشيات المسلحة، التي نقلت السلاح والذخيرة إلى سيناء ومناطق أخرى، لقد رأينا تفجيرات واعتداءات لعدد من الكنائس، ودفع إخوتنا الأقباط ثمنا فادحا، وكذلك اعتدوا على مسجد الروضة في مذبحة رهيبة راح ضحيتها أكثر من 300 شهيد، ومثلما بدأ تحرك تلك الجماعات الظلامية بالتفجير، وجعلت من الكنائس والمساجد والشوارع والأسواق أهدافا مشروعة، حسب أفكارها الهدامة، فإنها لم تتوقف بعد التحرر من حكمها عن سفك الدماء، وراحت خلاياها النائمة تمارس القتل والتفجير في كل أنحاء مصر، ورأينا عملية سحل لم تشهد لها مصر مثيلا في منطقة الجيزة، تقشعر لها الأبدان، ولم يكن ذلك أبدا من سلوك وأفعال المصريين، المعروف عنهم كراهية القتل، واحترام جثامين القتلى.
لكن عندما نلقى نظرة على التجارب المشابهة لحكم الجماعة وحلفائها التكفيريين، فإننا سنجد فظائع يصعب تخيلها، فخلال العشرية السوداء التي مرت بها الجزائر تم ارتكاب عشرات المذابح، التي استهدفت سكان القرى التي تعتقد الجماعات التكفيرية أنها موالية للدولة، ولم يميزوا في الذبح بين رجل وامرأة أو طفل رضيع أو شيخ مسن، وكان الذبح والقتل يجرى في غاية الوحشية، وبررت تلك الجماعات فظائعها بفتوى تقول إن كل جزائري لا يحمل السلاح ليقاتل الحكومة كافر. وجرى رصد سقوط 150 ألف ضحية في تلك الحقبة السوداء.
أما سوريا فالمذابح كانت أوسع ولم تترك أي معتقد أو طائفة أو أشخاص عاديين، بل كفرت الجماعات المتصارعة على الحكم بعضها، وقاتلت بعضها بعضا، وعاثت في البلاد قتلا وتدميرا، واستهدفت المواقع الأثرية التي اعتبرتها من الأوثان، ودمرت كنوزا أثرية لا تقدر بثمن، وسقط مئات الآلاف من السوريين من كل الطوائف، وجرت أكبر عمليات النزوح والتهجير في تاريخ سوريا، ومازالت المأساة مستمرة حتى الآن.
أما في نيجيريا فهناك «جماعة بوكو حرام»، وتمدد تنظيم داعش حتى وصل إليها وإلى دول الساحل والصحراء، لتجري هجمات لاختطاف الفتيان والفتيات، وتحويل الفتيان إلى قتلة، والزواج قسرا بالفتيات، حتى تحولت تلك المناطق إلى غابة واسعة لا تتوقف فيها عمليات القتل والإبادة.
كانت أولى الخطوات نزع أقنعة الجماعة الواحد تلو الآخر، لتكشف عن مخططها الخاص في التمكين، وتخليها عن شعارات الديمقراطية والسلمية التي كانت تتخفي وراءها، وأن لها برنامجا خاصا بدعم إقليمي ودولي يستهدف المنطقة، خاصة مصر، ولم تتأخر الجماعة طويلا عن كشف أجندتها، وإلقاء الشعارات التي رددتها مع المحتجين خداعا لهم، وبدأت في الانقضاض على مؤسسات الدولة، وسهل غباء الجماعة وتعجلها ونهمها في كشف دورها وأهدافها، عزلها في الشارع المصري، فانقضت على منصب النائب العام، ثم المحكمة الدستورية، وامتدت خطة الأخونة إلى مختلف الوزارات حتى إدارة المدارس، وعندما اندلعت المظاهرات ضد حكم الجماعة كان رد فعلها تسريع خطة الأخونة، لتفرض أمرا واقعا، وتستخدم أدوات الدولة في مواجهة الشعب، فزادت انعزالا وانكشافا. وكان لعملية الأخونة المتسرعة نتائج سيئة للغاية على إدارة الدولة، فزادت الأزمات، وتدهورت الخدمات لعدم كفاءة القيادات الإخوانية في إدارة المؤسسات التي سارعوا بوضع أتباعهم على رأسها دون النظر إلى كفاءاتهم أو مؤهلاتهم أو خبراتهم، فازدادوا تخبطا وعزلة، كما ظهر على الملأ علاقتهم بالجماعات التكفيرية المسلحة، فعندما اختطفت الجماعات الإرهابية عددا من الجنود المصريين في سيناء، تحدث محمد مرسى عن ضرورة الحفاظ على حياة الخاطفين والمخطوفين، وهذا الموقف الحريص على حياة الخاطفين الإرهابيين كشف توجهاته الحقيقية، وتحدث أمام الشاشات وكأنه محايد بين الطرفين، وليس منحازا لجنود الجيش المصري المعتدى عليهم والمخطوفين من جانب جماعة تكفيرية إرهابية.
هذا الموقف الكاشف أسقط قناع الوطنية، وأظهر القناعة الحقيقية للجماعة، التي سبق أن عبر عنها مرشد الجماعة الأسبق محمد مهدى عاكف عندما قال: «طز في مصر» فكان أبلغ تعبير عن رؤية هذه الجماعة للوطن والوطنية، وأن أهداف الجماعة ومعتقداتها فوق الوطن بل الشعب، وهذا ما ظهر جليا في أولويات وقرارات جماعة الإخوان، عندما سيطرت على المؤسسات التنفيذية والتشريعية، وانقضوا على السلطة القضائية، وسعوا إلى تغيير هوية مصر، فكانت سقطتهم الكبرى، فالشعب المصري لا يتهاون فيما يمس هويته ووطنه، ويضع مصلحة مصر العليا فوق كل انتماء، ورأى في الجماعة خطرا على هويته الوطنية وحرياته الشخصية وأعرافه ومعتقداته، وأن تلك الجماعة غريبة على الوطن في أهدافها ومعتقداتها وسلوكها، ويمكن أن تفعل أي شيء من أجل مصالح قيادتها الدينية ومشغليهم في الخارج، فكانت الانتفاضة الواسعة للشعب المصري، التي شملت كل عواصم المحافظات من أقصى الصعيد إلى الدلتا، ويعلن ثقته في الجيش الممثل للوطنية المصرية، ويلبى الجيش نداء ملايين المصريين الذين خرجوا إلى الشوارع والميادين لإسقاط حكم الإخوان، ليعلن رغبته في الحياة الحرة الكريمة، واستجاب القدر لأمنيات الشعب، وكانت الملحمة التي توحد فيها الشعب المصري ونصرها الجيش الوطني.
علاء ثابت – بوابة الأهرام اليوم