(وحوش ظرفاء… )
الاحتياطي المركزي كان من أكثر وحدات الشرطة التي تزدهر فيها العلاقات الاجتماعية.. لم يكن التواصل بين ضباط الاحتياطي المركزي يقتصر على ساعات العمل، بل كان يتمدد إلى البيوت، بل إلى السفر للتواصل مع أقارب الضباط في الولايات، لا لحضور مناسبة، ساكت كده بس!!
كان إذا ذكر أحدنا اسم شخص، فالجميع يعرفونه دون أن يضطر المتحدث لتعريفه، وعادي جدا يكون هذا الشخص إبن عم أحد الوحوش، أو حتى صديقه.. وكانت بينهم مصطلحات لايفهمها إلا هم، يعني عادي ممكن يطلعوك بره الشبكة وانت تكون قاعد معاهم..
ومما كان يميز مجتمع ضباط الاحتياطي، أنهم لم يكونوا يخلطون الكيمان، فإذا رأيتهم في ساعات العمل بزيهم الرسمي، يديرون العمل بكل حزم وحسم، ودون مجاملة لبعضهم، ففي المعسكر _ كما كان يحلو لنا تسمية رئاسة الاحتياطي _ العمل فوق كل شيء والعسكرية مدورة بين الأصدقاء، لا مجاملة ولا محاباة.. فمثلاً، مكي عبدالقادر المعسكر، شخصية أخرى تختلف تماماً عن مكي دار الشرطة.. وكذلك ياسر عوض السيد والحسين المكي والحسين ابراهيم الجعلي..
كانت تخرج كل يوم ثلاث فصائل لتغطية العاصمة لمدة أربعة وعشرين ساعة بقيادة ملازم، وكنا نقود هذه الفصيلة ونرابط بها في الخرطوم بالباب الغربي، وهو موقع رئاسة شرطة ولاية الخرطوم الحالي.. وفي القسم الأوسط في أم درمان.. وفي قسم المدينة في بحري.. وكانت تعليمات التحرك لتغطية أي مناسبة من مدير شرطة المحافظة بموجب أمر تحرك موقع ومختوم، وكان رؤساء قسم العمليات لا يجاملون في ذلك لمن تحرك بدون أمر تحرك، فكان محجوب عيسى يحذرنا أشد تحذير من ذلك، وبوجهنا بالتمسك به.. وفي بوست آخر إن شاء الله، سأقف على أهمية ذلك مع بعض المواقف التي حدثت بسبب عدم التقيد به..
الفصيلة، كما ذكرنا، كانت تتحرك بموجب أمر التحرك لتغطية مناسبات معينة، مثل الاحتفالات الصغيرة أو بعض مباريات كرة القدم، أو لفض شغب، أو لفض اشتباكات..
في كثير من الأحيان لا تكون هناك مناسبة، فتظل الفصيلة مرابطة في موقعها، وقد أتاح لنا ذلك التعرف على بعض صنوف من ضباط الصف والجنود، حيث كنا نجلس إليهم ونتجاذب أطراف الحديث، وقد تبين لنا أن هناك ضباط صف وجنود لهم قدرات عالية في الحوار والنقاش،، كما أن منهم من يملك روحا مرحة ويتمتع بسخرية لاذعة.. الأمثلة كثيرة، ولكن سأروي لكم طرفة بطلها عريف شرطة، إشتهر بين زملائه بالطرفة، وكانوا يلقبونه بالمسطول!!
إستلمت أمر تحرك لتغطية إحتفال بدار الشرطة، فأمرت رقيب الفصيلة بجمع القوة والتسلح ورفع التمام، وكالعادة تم ذلك في دقائق.. وتحركنا لدار الشرطة.. كانت تعليماتنا في التغطية أن تظل الفصيلة في اللوري لايترجلون إلا إذا حدث ما يوجب التعامل معه، ولا يجوز تجزئة الفصيلة مهما كان الأمر، وعلى الضابط أن يكون بالقرب من اللوري وعليه أن يختار موقعاً يمكنه من التعامل مع أي حدث، كأن يكون في مكان يسهل التحرك فيه..
إتخذت موقعاً قريباً مكان الإحتفال، وكنت قريباً من القوة، وأثناء الإحتفال كان هناك قط سمين يمر من أمامنا عدة مرات، وكان كل مايمر بمحازاتنا يلتفت إلينا وكأنه يلقي تحية أمام المنصة…
إنتهى الإحتفال مع هدؤ الأحوال قبل المغرب بقليل.. عدنا إلى الباب الغربي وبعد صلاة العشاء شعرت بالجوع وكنت أشتم رائحة طبيخ لم أعرف مصدرها.. ناديت الرقيب وقلت له،: عليك الله خلي عسكري يجي أرسلو لي عشاء، فقال لي: يا جنابو عندنا حلة،،. قلت ليهو: تمام والله، يعني الطبيخ ده عندكم؟؟ عندما تم تجهيز العشاء جاء لي الرقيب: العشاء جاهز يا جنابو… وقبل أن أتحرك بس الله خلاني أسأل الرقيب: إنتو لقيتو اللحمة وين؟؟ قال لي: دي الكديسة بتاعة الدار ديك جاسفناها! هممت بالإستفراغ، ولكن لم أجد ما أستفرغه..
في الصباح وجدت العريف المسطول ممسكا بعظم بكلتا يديه، فقلت له: ده شنو يا مسطول؟ فقال لي: عاوز أواصل ما انقطع من (كديس)!!
بقلم سعادة العميد شرطة / بابكر الشيخ الأسيد